مسرحية "مفاهيم عامة جديدة" هي مسرحية جديدة تم تقديمها في المسرح القومي الكوري في السادس من أبريل ضمن سلسلة عروض تحت اسم "إعادة اكتشاف أعمال مسرحية درامية حديثة". وتدور المسرحية حول عامل مؤقت يتحول من مجرد عمل بسيط ومخلص ونشيط إلى شخص متسلّط جشع متعطش للسلطة لا يتردد في فعل كل ما يحقق له غاياته السلطوية.

المسرحية من تأليف الكاتب "لي كُن سام" قبل أكثر من نصف قرن، لكنها ما زالت تصور الحال والواقع كما هو دون تغيير يذكر. أصحاب المفاهيم الصحيحة والفطرة السليمة ما زالوا قلة نادرة في عالمنا هذا، وغيرهم ممن يفتقرون لذلك هم من يسودون ويتحكمون. والعنوان "مفاهيم عامة جديدة" هو عنوان يوحي بأن الوصول للغايات والأهداف والمرامي لم يعد ممكنا بالمسالك والمفاهيم المتعارف عليها، وإنما صار ذلك بحاجة لمفاهيم ملتوية جديدة، وذلك هو سبب التفاعل الجماهيري مع هذه المسرحية.
حكاية العامل المؤقت "كيم سانغ بوم" كما حدثت قبل خمسين عاما تذكّر المشاهدين بأوضاع العمال المؤقتين اليوم بكل ما فيها من عدم استقرار ومخاوف. الفنان الذي أعاد اكتشاف سلسلة من الأعمال المسرحية القديمة هو "كيم يون تشول" المخرج الفني في الفرقة القومية المسرحية الكورية، وهو يقوم بعمليات يمكن اعتبارها نوع من التأريخ والتوثيق للتراث المسرحي الكوري الحديث.

"كيم يون تشول" معروف في الكثير من الأوساط المسرحية داخل وخارج كوريا، وهو يعتبر كبير النقاد المسرحيين الكوريين بلا منازع. وقد سبق له أن عمل عميدا لكلية الفنون المسرحية في جامعة سيول الوطنية ورئيسا لقسم الأرشيف المسرحي، وكان أول رئيس للجنة التبادل المسرحي الكوري الياباني، كما كان رئيسا شرفيا للاتحاد العالمي للنقاد المسرحيين. ورغم كل ذلك التاريخ المرتبط بالمسرح، إلا أنه لم يدرس المسرح، حيث تخرج من كلية التربية.

تخلى عن حلمه وعشقه للمسرح والتحق بكلية التربية بسبب ظروف الأسرة المادية، لكنه ظل يقضي أغلب أوقاته خلال سنوات الدراسة الجامعية داخل نادي المسرح التابع للجامعة. وشرع بعد تخرجه في تأسيس فرقة مسرحية لتيمكن من خلالها من متابعة نشاطه المسرحي. وفي أثناء ذلك، وقعت له حادثة لم تكن متوقعة.
مشكلة في حباله الصوتية اضطرته لهجر حلمه في أن يصبح ممثلا، لكنه لم يهجر عالم المسرح بأكمله. وبالتالي، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة المسرح، حيث حصل هناك على درجة علمية عن أطروحته حول المسرح الأمريكي الكوميدي الحديث. وعاد إلى كوريا في عام 1989، حيث بدأ البحث عن عمل في مجال المسرح دون جدوى في البداية، قبل حدوث تطور مهم.
وهكذا تحول الشاب الحالم بأن يصبح ممثلا لامعا إلى ناقد مسرحي معروف. وقد وضع لنفسه معايير يلتزم بها في نقده، وهي ألا يتجنى ولكن دون أن يجامل، وألا يهاجم دون توخي العدل ودون توضيح البديل المناسب.

اتفق الكثيرون على أن الناقد كيم يقدم نقدا موضوعيا صادقا، وإن كان بشكل حاد، وهو ما كان يجد قبولا من كافة المهتمين بالمسرح من متخصصين وجمهور، وإن كان يصبح أحيانا بمثابة خناجر في صدور بعض المخرجين والممثلين.
لم يتوقف كيم عن النقد الجريء الصادق من أجل تطوير المسرح الكوري تمهيدا لترويجه ونشره على مستوى العالم، مستثمرا في ذلك وضعه كرئيس للاتحاد العالمي للنقاد المسرحيين في دورة 2008.
وتوالت الجوائز والألقاب. ففي عام 2014 تم ترشيحه لشغل منصب المخرج الفني للمسرح القومي الكوري، لكنه رفض هذا الترشيح بسبب نقده العنيف في الماضي لذلك المسرح.
لكنه في النهاية أصبح المخرج الفني للفرقة التي ظلت عبر تاريخها تختار رؤساءها من بين المخرجين المعروفين أو الممثلين المشاهير، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار ناقد مسرحي. وُوجه ذلك الاختيار بعاصفة من الرفض من جهات مسرحية متعددة، وربما كان ذلك هو ما دفع بهذا الناقد العريق لإعادة النظر في موقفه الرافض مثمّنا الأمر بشكل مختلف إذ رأي فيه تحديا وفرصة لمزيد من الإصلاح.
وبعد أسبوعين فقط من تولي المنصب، عقد كيم مؤتمرا صحافيا أعن فيه عن خطته للعمل. وأول تغيير معلن كان هو استحداث نظام التوظيف الموسمي.
أغلب الممثلين عبروا عن رضائهم بالنظام الجديد لأنه يحقق للممثل نوعا من الأمن الوظيفي لمدة محددة ويترك له الحرية بعد انتهاء موعد التعاقد. كما أن إجراء بروفات الفرقة المسرحية داخل قاعاتها وصالاتها المسرحية يعطي الممثلين فرصة للتركيز وتقمص الأدوار بشكل ينعكس على مصلحة العمل المسرحي نفسه.

وكانت الخطوة التالية للفنان والناقد كيم هي اختيار المسرحيات التي ارتبطت بتاريخ فرقة المسرح القومي الكوري من خلال إعادة اكتشاف عدد من الروائع من الأعمال المسرحية السابقة.
بدأت سلسلة إعادة اكتشاف الأعمال الدرامية الكورية الحديثة في عام 2014 بمسرحية "عاش الرئيس لي جونغ سينغ 이중생" للكاتب "أوه يونغ جين" التي ألفها في عام 1949. وشعار السلسلة هذا العام هو "التحدي"، وأول أعمال سلسة العام الحالي هي مسرحية "مفاهيم عامة جديدة" .
مضت ثلاثة أعوام منذ أن أمسك الناقد كيم يون تشول بدفة قيادة الإخراج الفني لفرقة المسرح القومي الكوري. ومع تبقي عام فقط على فترته المحددة، لم يعد أمامه سوى القليل من الوقت لتنفيذ كل خططه الهادفة إلى جعل من المسرح الكوري مسرحا عالميا.