الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الناس

الموسيقار "بارك تشانغ سو 박창수"

2016-05-10

عازف الكمان "يانغ سونغ شيك 양성식" وعازف البيانو "ألبرت لوتو Albert Lotto" عطّرا أجواء تلك الليلة الربيعية الحالمة في الـ11 من أبريل من خلال أداء ثنائي موسيقي رومانسي بديع في منزل الفنان "بارك تشونغ سو" في "ديه هانغنو" في سيول.
الفرق بين ذلك الحفل وغيره من الحفلات كان هو عدم وجود مقاعد مخصصة للجمهور، فكل ما يفصل بين الجمهور والفرقة الموسيقية هو مجرد مترين أو ثلاثة فقط مما يخلق شكلا من الالتحام والتفاعل المباشر بين الفرقة الموسيقية والجمهور الذي يصبح قادرا حتى على الاستماع إلى أنفاس أعضاء الفرقة. مثل هذا التقارب المكاني الشديد قد يخلق لبعض العازفين نوعا من التوتر .

هذا الحفل الموسيقي الذي يزيل كل الحواجز بين الفنانين والجمهور، لم يكن الأول من نوعه، بل كان رقم 450 من بين سلسلة الحفلات التي ظلت تُنظم على مدى 14 عاما متواصلة، ويحرص على حضورها عشاق الموسيقى.
لا أزياء محددة ولا قيود من أي شكل يتطلبها حضور مثل تلك الحفلات التي يشارك فيها عادة عدد من كبار نجوم المجتمع الموسيقي الراقي في كوريا.

تعتبر حفلات موسيقى المنزل أول نوع من موسيقى الحجرة في كوريا، وقد تم تنظيمها بواسطة عازف البيانو الشهير "بارك تشانغ سو"، الذي بدأ ذلك النمط من الحفلات الموسيقية الصغيرة في منزله في "يون هي دونغ 연희동" في سيول في عام 2002، واستمرت على مدى 14 عاما.
يضع الموسيقار بارك بيانو داخل صالونه في بيته ويحيطه بعدد من المساند والوسائد. ويدخل العازف بهدوء وحرص عبر تلك الوسائد ثم يبدأ في العزف أمام الجمهور القليل الجالس على الأرض والمتهيء للاستمتاع بما يُقدم من موسيقى.

إذن فهذه الحفلات تعتبر مناسبة طيبة للتفاعل والتلاحم بين الفنانين والجمهور، كما يكون هناك مجالات للاستراحة وتبادل الأحاديث والدخول في حوارات ومناقشات بين الجميع، فنانين ومشاهدين، مثل تلك التي تحدث يوميا داخل البيوت العادية. ولأن الحضور عادة ما يكون متنوعا ويضم عددا من النجوم الكبار وآخرين من الحالمين بالشهرة والنجاح، فهو قد يكون مناسبة لتبادل الأفكار وطلب المشورة وتقديم النصائح. ولهذا كانت بعض تلك الحفلات مناسبات لاكتشاف جواهر ثمينة مغمورة.

كان "كيم صون أوك" يومها فتى في السابعة عشرة من العمر، وجاء للحفل كمجرد محب للموسيقى برفقة صديق آخر، وكان ذلك في عام 2004. وبعد تلك المناسبة بعام واحد فقط صار نجما ساطعا في عالم البيانو.


بمجرد الاستماع للأداء المدهش لذلك الفتى الصغير، تأكد للفنان بارك ولكل من استمع له لاحقا أنه ذو موهبة فائقة. ولم يكن "كيم" الوحيد، وانما استمر مسلسل الاكتشافات الفنية داخل ذلك الصالون ليشمل نجوما بازغين آخرين مثل "جو سونغ جين 조성진" الذي جاء لذلك الصالون وهو فتى في الخامسة عشرة من العمر.

تعتبر مسابقة "هاماماتسو" للبيانو بمثابة مدخل للمشاركة في المسابقات العالمية الثلاث الكبرى للبيانو. وقد كان صالون الموسيقار بارك هو من اكتشف موهبة الصبي قبل أن يظهر في تلك المسابقة العالمية الكبرى.
"بارك تشانغ سو" فنان منظم ومنضبط ولا يترك شيئا للصدفة ولا يتعامل إلا مع فنانين متميزين ومقتدرين ومتمكنين. وهو شخص فخور بصالونه ويهتم بكل ما يدور داخله ومن يشارك فيه. وهو حريص على أن تأتي الاحتفالات بمناسبة الذكرى العاشرة على افتتاح الصالون بشكل متسق مع عظمة المناسبة ولا يقل عن المهرجان الموسيقي الحر في عام 2012 الذي جاب كوريا من أدناها إلى أقصاها.

وبنجاح مهرجان الموسيقى الحرة اكتسب الموسيقار بارك المزيد من الجرأة والدوافع لتنظيم مناسبات أكبر في عام 2013، منها "مهرجان اليوم الواحد" الذي قدم عرضا ضم 294 موسيقيا أمام حشود جماهيرية تزيد في مجملها عن عشرة آلاف مشاهد في 65 موقعا مختلفا في كوريا. وكان يوما موسيقيا حافلا لا ينسى في كوريا.

وتكرر مهرجان اليوم الوحد في عدة أماكن ومناطق أخرى داخيلة وخارجية، منها الصين واليابان. وبلغ عدد الحفلات التي تمت إقامتها داخل كوريا 47 حفلا، وفي اليابان 29، وفي الصين 18. وشهد العام التالي حفلات فيما وراء شمال شرق آسيا.
بدأ المهرجان الموسيقي الذي استمر على مدار شهر في عام 2015 بحفل خارجي مفتوح في المتحف القومي في كوريا في الفاتح من يوليو. وكان بداية لسلسلة من حفلات شارك فيها ما لا يقل عن 1500 موسيقي من شتى بقاع العالم. ويرى الخبراء أن شخصية الموسيقار "بارك تشانغ سو" هي التي أدت إلى نجاح تلك المهرجانات.
وقد صارت الحفلات المنزلية محل ثقة واهتمام وتقدير أعداد كبيرة من الموسيقيين والفنانين والمبدعين والموهوبين.

وقبل عامين، انتقل موقع إقامة تلك الحفلات المنزلية إلى مكان آخر في "ديه هانغنو" في شمال سيول. ويتم الآن تخصيص يومين في الأسبوع للحفلات الموسيقية الكلاسيكية، يوم لسماع الموسيقى فقط ويوم للحوار وتبادل الآراء ووجهات النظر.

الحفلات الموسيقية المنزلية عمرها الآن 14 عاما، ولم تكن كلها مجرد موسيقى وابتهاج وأفراح بل كان فيها الكثير من الصعاب والمعوقات والمشاكل، لدرجة أن الفنان والموسيقار "بارك" اضطر لبيع منزله في "يون هي دونغ" لتسديد ديونه المتراكمة. وعلى الرغم من أن تلك الحفلات المنزلية صارت علامة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية في كوريا، إلا أن ذلك لم يكن بلا ثمن وتضحيات مالية ونفسية عديدة. لكن كل تلك التضحيات لم تمنعه من مواصلة المسيرة، ولم تترك لليأس سبيلا إليه. ولذلك سيظل اسم الفنان بارك تشونغ سو" مرتبطا في تاريخ الموسيقى الكورية بترويج وتطوير تلك الموسيقى، وفتح آفاق جديدة أمامها.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;