الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الناس

"بارك روك دام 박록담"

2016-05-17

تنظم المدرسة الكورية للنبيذ التقليدي فصولا دراسية كل يوم ثلاثاء فيما بين الساعة العاشرة صباحا والواحدة من بعد الظهر لتدريب الأشخاص الراغبين في صناعة مشروباتهم الكحولية التقليدية منزليا، واتقان فنون تلك الصناعة بشكل صحي ومتميز، ويجعلهم خبراء في ذلك النوع من المشروبات.

أغلب الحاضرين لهذه الدورة التدريبية يصبحون من محبي النبيذ التقليدي ويفضلونه على كل ما سواه. أما الأستاذ المشرف على تلك المدرسة المتخصصة فهو "بارك روك دام"، وهو مدير مدرسة النبيذ الكوري التقليدي الذي ظل على مدار ثلاثة عقود متواصلة يدرّس كل كبيرة وصغيرة متعلقة بتلك الصناعة التقليدية ونجح في إعادة اكتشاف نحو ألف طريقة تقليدية قديمة لصنع وتجهيز المشروبات الكحولية المحلية، حتى صار رائدا في ثقافة التقاليد الكورية القديمة الخاصة بالمشروبات الكحولية.

أمسية ربيعية ماطرة هي الوقت الأنسب للاستمتاع بشرب النبيذ التقليدي الطازج المصنوع من حبوب الأرز. وهو أيضا وقت مناسب لزيارة المدرسة التقليدية لصناعة النبيذ التقليدي الكوري في "سو تشون" بالقرب من قصر "كيونغ بوك" في وسط سيول. تستقبل الزائر مجموعة من باقات الأزهار الجميلة المحيطة بالباب بجانب صفوف متراصة من قنينات النبيذ على امتداد الجدران، كما يرحب بنا مدير المدرسة الأستاذ "بارك روك دام".

كل زجاجة معلق عليها بطاقة توضح اسم النبيذ وطريقة وتاريخ صنعه. وقد شرع بارك في صنع النبيذ التقليدي المحلي في عام 1986 وبدأ في عام 1997 في إعادة اكتشاف أنواع وأشكال قديمة ومنسية من النبيذ المحلي. ولديه الآن العديد من القنينات المعتقة، أقدمها يبلغ عشرين عاما من العمر. النبيذ الكوري التقليدي بطبيعة تركيبته لا يكون قابلا للتخزين لوقت طويل غير أن بارك نجح في ذلك.

وعندما يستعيد ذكريات عمرها ثلاثون عاما، يعترف بارك بأنه لم يشأ ولم يقصد تكريس كل حياته لصنع النبيذ والمشروبات الكحولية الكورية التقليدية. كانت أول تجربة له مع النبيذ عندما أرسله والده لشراء قنينة نبيذ. وقد كان والده يطلب منه أحيانا شراء أنواع مختلفة من النبيذ، وهو ما ساعده على معرفة الفروق بين مختلف الأنواع من ناحية الشكل والاسم على الأقل.

كان الأمر في بدايته مجرد فضول صبي مراهق، لكن هذا الفضول كان جزءا من التركيبة النفسية والذهنية الفنية والإبداعية لبارك، الذي فاز بجوائز عن مقال إبداعي كتبه في مجلة أدبية متخصصة وقصيدة شعرية نشرها في صحيفة يومية أخرى باسم الشعر والنبيذ. وقد دفعه ذلك للتفكير في أن يجعل من الشعر والأدب والنبيذ محور حياته القادمة.

لكن الأمر الغريب كان أن والده هو الذي اعترض على قيام ابنه بالعمل في مجال صنع النبيذ التقليدي، كما كانت زوجته من أشد المعارضين كذلك، مما خلق سلسلة لا تتوقف من المشادات بين الزوجين. بيد أنه كان مصمما على المضي في الطريق الذي اختاره.



وحصل بارك على وظيفة صحفي في مجلة كورية في مجال الطعام الكوري التقليدي. وكان حصوله على تلك الوظيفة بدافع من رغبته في تطوير معلوماته حول صناعة النبيذ التقليدي وهو المجال الذي صار حلم حياته. كان يسافر ويجوب مناطق مختلفة في البلاد لجمع المعلومات اللازمة لمادته الصحفية عن النبيذ وغيره. وفي عام 1998، عندما تعرضت كورية للأزمة المالية الآسيوية الخانقة، اضطرت المجلة لأن تغلق أبوابها، لكن ذلك لم يمنع بارك من الاستمرار في صنع النبيذ الذي صار كما قلنا عالمه الخاص. وفي عام 2002 أتيحت له فرصة الذهاب للصين للمشاركة في مناسبة لصنع النبيذ التقليدي. وبعدها طلبت منه وزارة الزارعة والغابات في كوريا تمثيل البلاد في مثل تلك المناسبات، والعمل على الترويج للنبيذ الكوري التقليدي حول العالم. ومن خلال جهوده، بدأت المشروبات الكورية التقليدية تنتشر بشكل تدريجي في عدد من البلدان المجاورة وصار يشعر بالفخر والراحة كلما شاهد أجنبيا يحتسي تلك المشروبات، رغم أن رد الفعل في البداية لم يكن كما يريد.

كان بارك واثقا تماما من قدراته ومهارته في مجال صنع النبيذ من واقع دراسات طويلة وتجارب عديدة وأنواع متعددة من أشكال وأنماط النبيذ التقليدي. لذلك كان أي نقد للنبيذ الكوري التقليدي يعتبره بمثابة تجريح شخصي له.

التجربة المؤلمة التي تعرض لها بارك في بكين عام 2002 دفعته للسعي لمعالجة الأخطاء السابقة والرجوع للسجلات القديمة إبان عصر مملكة جوسون للبحث عن تفاصيل صناعة النبيذ والذي اشتهر وقتها برائحته اللطيفة. ولم يكن ذلك أمرا سهلا، بل كان عملا وبحثا شاقا.

ونجح بارك في صنع النبيذ الذي أطلق عليه اسم "صوك تان جو 석탄주" بعد محاولات عديدة من خلال استعمال الماء والشعير والأرز. وكانت التجربة الأولى في عام 1997 وأعقبتها تجارب عديدة أسفرت عن صنع 1020 نوعا مختلفا من النبيذ.

صناعة النبيذ التقليدي تتطلب 3 مكونات فقط لا غير، وهي الخميرة والأرز والماء. أما شراب الشعير فهو يصنع من الحبوب والأرز اللزج والأرز العادي والقمح.
ثم يتم مزج الخميرة المطحونة مع الأرز والماء البارد تماما لتسهيل عملية التخمير.
وبعدها يترك المزيج للتخمير في جرة طينية.
عندما يستمع بارك لصوت المشروب المتخمر ينسى كل ما تعرض له من قلق وتوتر ومصاعب اكتنفت العملية بأسرها، ويكون سعيدا بما ستكون عليه النتيجة النهائية حسب المؤشرات. لكن تلك اللحظات تكون أيضا لحظات حرجة لأنها لحظات ضبط درجة الحرارة المناسبة للمستوى اللازم لمنع المزيج من الفوران وإلا سيكون عرضة للتلف.
النبيذ الذي يتم صنعه بكل ذلك الحرص والصبر والاهتمام يستحق أن يٌقتنى ويحفظ للوقت المناسب وليس للشرب الفوري السريع، فثقافة شرب النبيذ في كوريا لا تتسق مع الإفراط في الشرب.
يرى بارك أن صنع النبيذ التقليدي ليس هو فقط الجانب الوحيد الذي يمكن الاستمتاع به في التقاليد والتراث الكوري المتنوع، فعملية الشرب نفسها تستدعي فهما جيدا للثقافة الكورية كطقوس وإتيكيت. ملء وإفراغ كأس النبيذ مسألة يجب أن تكون مرتبطة بالمشاعر مثل ملء وإفراغ القلوب بمشاعر الحب، كما كان يفعل الكوريون القدماء.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;