الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الناس

"جانغ صونغ أو 장성우" الخبير في صناعة "هان جي "한지

2016-08-02

نحن الآن داخل استوديو متخصص في صنع ورق هان جي في منطقة كاب يونغ بمقاطعة كيونغ كي، والخبير المتخصص "جانغ صونغ أو" يضع الصفحات المبتلة من الورق على طاولة التجفيف.

ضغط وتجفيف ورقة هان جي واحدة أمر لا يستغرق أكثر من ثلاثين ثانية. والورقة التي تكتمل عملية تجفيفها تصدر أزيزا خاصا عند نزعها من طاولة الكي. وعندما تبلغ درجة الحرارة نحو 35 درجة مئوية في عِز الصيف القائظ نجد العرق يتدفق من الأستاذ جانغ.

جسمه تعوّد على امتصاص كل الحرارة المنبعثة من آلة الكيّ، ولذلك فهو لا يبدي أي شكل من الضجر أو الضيق ، ويمسك بكل صفحة من الورق برفق وحنو وإعجاب.
العرق يتصبب من كل جزء من جسم الأستاذ جانغ، غير أن تعابير وجهه لا تحمل سوى السعادة والفخر. صناعة ورق الهان جي هي كل شيء بالنسبة له، فهو عمل أسري متوارث جيلا عن جيل عبر أربعة أجيال متعاقبة. وقد بدأ ذلك العمل جد والده قبل سنوات طويلة، وآل إليه من والده قبل سنوات ليست بالقصيرة. وأصبح ذلك النوع من العمل إرثا عائليا مرتبطا بأسرة جانغ، حتى إن والده حصل على لقب أستاذ في صنع هان جي، وتم تعيينه ككنز تراثي ثقافي مهم برقم 117. استوديو الأستاذ جانغ يحمل اسم "جانغ جي بانغ 장지방" أي ورشة أسرة جانغ للورق التقليدي. وليس من المستغرب أن يشعر الحفيد بكل هذا الفخر لنجاحه في الاستمرار في هذا العمل التراثي التقليدي الأسري.
شبَ جانغ منذ صباه وهو يراقب والده عن كثب يمارس صناعة ورق هان جي. كان ينتهز فرص الإجازات والعطلات المدرسية ليقوم بتقديم كل مساعدة ممكنة لوالده. وبمجرد تخرجه في عام 1990 تفرغ لتولي هذا العمل الأسري المتخصص.



ربما كان الأمر متعلقا بالجينات الوراثية، وإن كان جانغ قد ورث مهارات وخصائص فنية أكثر من والده وجده، وكل من سبقوه في الأسرة. كان يمتلك نفس قدرات أبيه بلمسات جمالية أكثر وضوحا وميول إبداعية للتجديد والتحسين. وذات يوم، التقى بعميل ياباني كان يرغب في شراء بعض أوراق هان جي. وكان ذلك اليوم نقطة تحول جوهرية في حياته.

وبعد تلك الزيارة للفنان الياباني، لم يدخر جانغ جهدا في بدء الانطلاق بكل جدية وتصميم من أجل تطوير ذلك الإرث العائلي. وبدأ يفكر في الموضوع ويدرس ويبحث فيه من كل جوانبه. كما بدأ يشعر بتغيير محسوس في اهتماماته وميوله الشخصية، وكان لا يشغل باله إلا هان جي وعالمه وكيفية تطويره.
يتم صنع ورق هان جي من اللحاء الداخلي لشجر التوت المحلية، لأن ألياف شجر التوت المحلية تتسم بالطول والقوة. لكن ألياف أشجار التوت المستوردة تتسم بخاصية معاكسة لذلك تماما، ولا تصلح لعمل ورق هان جي.

أشجار التوت التي يتم قطعها خلال الفترة من أكتوبر وحتى فبراير هي الأفضل لصناعه هان جي. يتم إزالة اللحاء الداخلي من خلال تبخير الخشب لمدة ست أو سبع ساعات، ويتم بعد ذلك خلط بعض الماء برماد سيقان حبوب الصويا والحنطة والفلفل الحار وغلي الخليط مع قشور الشجر المنقوعة في الماء لمدة 8 أو 9 ساعات أخرى.

وعندما تصبح قشور أشجار التوت ناعمة، تبدأ عملية تنظيفها بواسطة اليد. عملية التنظيف وإزالة الشوائب تقوم بها والدة جانغ البالغة من العمر ثمانين عاما والتي ظلت تقوم بذلك العمل لمدة ثماني ساعات يوميا على مدى الخمسين عاما الماضية دون كلل أو ملل.

وبأدي خبيرة، تتحول قشور التوت المطخة ببقع سوداء إلى قطع بيضاء ناصعة، ويتم بعد ذلك خلط القشور المنظفة بالماء ثم إضافة مخاط مستخرج من جذور نباتية.

يتم تحريك شاشة من الخيزران داخل المحلول الليفي اللزج لتحديد النِسَب المطلوبة لورق هان جي. يبلغ متوسط سُمك الورقة العادية 0.05 ملليمتر. ويتم تجفيف كل صفحة ورق هان جي عن طريق الكي بحيث تصبح مرنة وقوية ولامعة. إنتاج ورقة هان جي واحدة عمل يتطلب عشرين خطوة. وشجر التوت الذي يستعمل في ورشة "جانغ جي بانغ" يتم زرعه بطريقة عضوية، أي بدون أي مواد كيماوية، وبالتالي فهي لا تحتوي على أي سموم أو ملوثات.

مخطوطات بوذية ترجع إلى عصر مملكة شيلا الموحدة، وسجلات ملكية تعود إلى عصر مملكة جوسون، وصحف ومدونات خاصة بالأدميرال "لي سون شين"، ووثائق عديدة متنوعة مضى عليها عدة قرون، كلها مصنوعة من ورق هان جي، وباقية منذ قرون وربما ستبقى لألوف أخرى من السنوات. وبعد أن تعرفت دولة مثل ايطاليا على تاريخ وتميز ورق هان جي قامت بدعوة الأستاذ جانغ لتقديم محاضرات وتجارب عملية حولها داخل مختبرات وقاعات علمية وبحثية كبرى. وكان معهد علمي إيطالي قد أجرى بحوثا حول هذا الموضوع أكد فيها أن أوراق هان جي يمكن حفظها لمدة ثمانية آلاف عام.

الفريق الفني التابع للفاتيكان الذي أشرف على عملية إعادة ترميم تلك التحف التاريخية، يفكر بجدية في تعميم استعمال تلك التقنية المكتشفة للحفاظ على عدد كبير من التحف والقطع الأثرية النادرة. كما تقرر كذلك فتح مدرسة متخصصة في ورق هان جي في إيطاليا في شهر نوفمبر القادم.
سيقوم الأستاذ جانغ قريبا بتدريس طلاب ايطاليين فنون صناعة ورق هان جي، وهو لا يهتم إن كان الطلاب إيطاليين أو كوريين أو غير ذلك، فالمهم هو استمرار فنون وتقنيات صناعة ورق هان جي في كوريا وغيرها من بلاد العالم. ويقول إنه شعر بسعادة لا حد لها عندما التقى مؤخرا بشاب كوري صغير أظهر رغبة صادقة في تعلم أصول ومهارات صنع أوراق هان جي وهو الطالب "بارك جيه كيون 박제균".
لكوريا عدة مخطوطات مسجلة في منظمة اليونسكو ضمن سجلات "ذاكرة العالم". وقد ظلت هذه المخطوطات باقية وخالدة لكل ذلك الزمان لأنها مخطوطة على أوراق هان جي. وتتجه كوريا الآن لتضمين هان جي في قائمة التراث العالمي التابع لمنظمة التربية والعلوم والثقافة "يونسكو". ألا تستحق أوراق صمدت وبقيت وعاشت كما هي على مدى قرون أن تكون ضمن تلك القائمة؟ الإجابة عن ذلك التساؤل هي بالطبع نعم، فطالما بقى هناك أشخاص مثل الأستاذ الخبير "جانغ صونغ أو" واقفين وراء تلك الأوراق وخلف ذلك التراث الكوري التقليدي المدهش فهو سينال قطعا ما يستحق.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;