الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الناس

الناقد الفني "سون تشول جو 손철주"

2016-11-08

ألحان تقليدية تملأ قاعة فنية، ولوحة لمنظر طبيعي تظهر في قلب المسرح. اللوحة هي "إن وانغ جيه سيك دو 인왕제색도" وهي لوحة للرسام "جونغ سون" الذي لمع خلال عصر مملكة جوسون، وهي عبارة عن منظر طبيعي ليوم ربيعي ممطر على جبل "إن وانغ"، وقد رسمها في مايو من عام 1751 عندما كان في السادسة والسبعين من عمره. بعد ذلك تبدأ الحكاية. حكاية اللوحة التي يستمع إليها الجمهور باهتمام، وهو يتأمل جمالها.

كان ذلك جزءا من حفل "هوا تونغ" الذي تم تنظيمه يوم الثامن والعشرين من شهر أكتوبر. وكلمة "هوا تونغ" تتكون من مقطعين من اللغة الصينية، هما "هوا" و"تونغ" حيث يدمج الحفل ما بين اللوحات القديمة والموسيقى التقليدية والحكايات الشعبية بشكل يجعل الجمهور الكوري يتعرف على ماضيه الفني. وكان مقدم تلك المحاضرة هو الناقد الفني "سون تشول جو".

عندما يبدأ مغني أوبرا البانسوري "لي شين ييه 이신예" في غناء مقطع من ملحمة "سو كونغ غا" أي أغنية القصر البحري، يبدأ الرسام في رسم صورة الأرنب بحيث تظهر مجسمة على شاشة خضراء داخل المسرح، وعندها يبدأ الناقد "سون" في سرد الحكاية الخاصة باللوحة التي رسمها الفنان "ما كون هو 마군후" في القرن الـ19. وعندما يشاهد الجمهور اللوحة ويستمع للغناء المصاحب يتكون لديه فهم ممتاز عن هذه اللوحة القديمة.

الشخص الذي قام بجلب تلك اللوحات التاريخية القديمة إلى حياة الجمهور الكوري اليوم من خلال حفلات "هوا تونغ" هو الناقد الفني "سون تشول جو"، الذي يجد تفسيرا لكل ما يظهر في اللوحات القديمة وما قصده الرسامون من وراء ذلك. ويمكن القول إن "سون" صار سفيرا لعالم اللوحات الفنية القديمة.



الناقد الفني "سون تشول جو" يركز على الرسائل التي تريد اللوحات المختلفة قولها. لا يركز على الجانب الفني وحده من حيث تناسق الألوان أو اللمسات الفنية، وإنما على العمق والبعد الداخلي والحكايات الخفية التي تريد كل لوحة أن تعبّر عنها. ويقول "سون" إنه لم يدرس أو يتعلم الفنون في أي مدرسة أو معهد، لكنه صار الآن قارئا متخصصا في اللوحات القديمة. فكيف حدث ذلك؟

ربما وُلد "سون" بموهبة وحب فِطري لكل شيء يتعلق بالفن والأدب. فمنذ طفولته كان ميالا للهدوء والتأمل في غرفته بدلا من الانطلاق واللعب في الساحات أو الميادين العامة كما كان يفعل بقية الأطفال. وفي فترة المراهقة بدا جليا ميله للعزلة وكان يقضي جُل وقته في القراءة.

وربما شكّلت فترة الطفولة خياله الخصب وأسلوبه الكتابي الإبداعي الذي يتميز به. وكان عندما لا يجد ما يقرأه في المنزل، كان يتوجه إلى المكتبات وأسواق بيع الكتب والمجلات. وذات يوم وقع نظره على كتاب فني جديد.

كان الفقر هو سيد الموقف في تلك الأيام القديمة في كوريا في مطلع سبعينيات القرن الماضي. وكان كل المال الذي يحصل عليه الفتى "سون" بصعوبة شديدة يتوجه به فورا لشراء كتاب أو إصدارة جديدة تخص الفن والرسامين الغربيين بالذات. وهكذا تعززت علاقته بعالم الفنون التشكيلية العالمية. ولم يكن يعرف أن مستقبله سيصبح مرتبطا بشكل وثيق بذلك العالم.

وقد حدث ذلك عندما أصبح الفتى المراهق المحب للفن والأدب صحفيا فنيا في جريدة يومية. وكان سعيدا وفخورا بذلك العمل الذي يتسق مع ميوله واهتماماته، حيث كان يقوم بتغطية كل المناسبات الفنية من معارض ومهرجانات واحتفالات ويكتب عنها تقارير ومقالات حتى صار خبيرا في عالم الفن وتوجهاته في كوريا. وكان يشعر أن اهتمامه ينحصر بالذات في عالم الرسم والرسامين القدماء. وأراد أن ينشر ويعلّم ويساعد الجمهور الكوري على الانفتاح على ذلك العالم الفني الكلاسيكي الجميل.

من الناحية النظرية فإن اللوحات الكورية لا تتمتع بنفس الحيوية والقدرة على التأثير بالشكل الذي تفعله اللوحات الغربية. الكثيرون لا يرون اللوحات الكورية جذابة أو مبهرة من النظرة الأولى. لكن "سون" كان يرى أن اللوحات الكورية تتمتع بجمال خفي وحيوية ووضوح في الخطوط والألوان الجريئة وأن كل شيء أو جزء من اللوحة يحمل معنى ومدلولا ورمزا.

ومن أجل اكتشاف ما ترمز إليه كل لوحة من معانٍ ومدلولات، يتفحص "سون" في كل لوحة بعيون متأملة وخبيرة مستعينا بعدسة مكبرة، وبتركيز ذهني قوي، حيث يساعده ذلك في تحليل وتشريح كل الخطوط والنقوش والحركات والوضعيات والتعبيرات المرسومة على وجه كل كائن حي في اللوحة من بشر وحيوانات ونباتات. وهكذا وجد أن اللوحات القديمة أشبه بشلال يفيض بالحكايات التي لا تتوقف عن التدفق.

وحسب الأشياء المضمّنة في كل لوحة يمكن تصنيف وتقسيم اللوحات الكورية القديمة إلى مناظر طبيعية وصور شخصية ولوحات فولكلورية ولوحات أدبية وزهور وحيوانات. اللوحات التي تحمل صور المثقفين الذين كان يطكلق عليهم لقب "سون بي" هي نادرة الوجود الآن، وهي تركّز على إبراز الشخصية من خلال التركيز على تعبيرات الوجه ووضعية الجسم.

وفي كتابه بعنوان "ذكريات من وحي لوحات قديمة" يقول "سون" إنه من الممكن فهم ذلك السبب في التعليق الذي كتبه ذلك المسؤول نفسه خلف اللوحة المصورة.

كتب "كانغ سيه هوانغ" في تعليقه خلف اللوحة ما يلي: "من هو ذلك الشخص بلحيته ورموشه البيضاء، الذي يرتدي ملابس عادية مع قبعة رسمية؟. هذا ما أردت أن أقوله للناس. قلبي معلق داخل غابة، بينما اسمي مسجل ضمن قائمة الوزراء. من يصدق أن قلبي مملوء بالكتب وفرشاتي ترسم الجبال". وربما قصد من ذلك أن يقول إنه رغم بريق منصبه الرفيع ومسؤولياته الرسمية في خدمة الملك، إلا أنه يستمتع أكثر بحريته وحياته الشخصية البسيطة.

قام "سون" بتأليف ونشر أكثر من عشرة كتب حول اللوحات القديمة، وهي تحتوي على ألوف الحكايات المخبأة داخلها. وقد أراد من ذلك أن يشاطر ويقاسم القراء والجمهور ما تحتوي وترمز له تلك الحكايات، وهو ما دفعه لتنظيم حفل "هوا تونغ" كمنتدى منتظم.

انقضت ثلاثون عاما منذ أن بدأ "سون" في سرد حكاياته المخبأة داخل اللوحات الفنية القديمة، وكثيرا ما يتساءل إن كان هو نفسه أحد تلك الشخصيات المختبئة داخل واحدة من تلك الحكايات في ذلك الماضي، وإلا فما هو سبب تعلّقه وغوصه المستمر في أعماق ذلك العالم الفني القديم؟

ويؤكد "سون تشول جو" على أن هذا هو الوقت المناسب تماما لأن نتأمل لوحاتنا القديمة. ففي علم تتسارع فيه التغيرات الرقمية والتقنية والذكية بشكل مذهل وعجيب فإن استعادة واسترجاع أمجاد الماضي بمختلف الأدوات ومن بينها الفنون أمر قد يحول دون الانجراف أو الاجتياح.

اكتشاف حكايات خفية داخل اللوحات القديمة أشبه بحلّ لغز أو مسالة معقدة وغامضة. والناقد الفني "سون" صار مثل المحقق الذي يبحث عن الحقائق والرسائل والدروس التي يمكن استقصائها واستنتاجها من اللوحات الكلاسيكية بكل ما تحمله من تراث وتاريخ وحكمة وتجارب تركها الجدود القدماء. انتهى

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;