كان ذلك مسمعا من ملحمة البانسوري الكورية التقليدية "هونغ بو غا 흥보가"، يتحدث عن "هونغ بو" عندما بدأ في فتح ثمرة القرع. وقد ظل "هونغ بو" يتصرف بطيبة وشهامة ومروءة وإخلاص مع شقيقه الأكبر "نول بو" رغم كل ما يتسم به من خبث وشر وكراهية تجاهه. وعاش "هونغ بو" فقيرا لا يعرف الطمع ولا الجشع. وذات مرة أنقذ طائر مكسور القدم من الموت وعالجه. وبالتالي، كافأه الطائر بأن أحضر له بذرة من ثمرة قرع، فزرعها "هونغ بو" وظل يرعاها يوميا.

وعندما انفتحت ثمرة القرع، انصب من داخلها كمية كبيرة من النقود، وهو ما أشاع في المسرح ووسط الجمهور الكثير من الفرحة. ولكن من هي تلك الفنانة التي كانت تتحول من "هونغ بو" إلى "نول بو" والعكس، وأيضا إلى شخصيات أخرى بسرعة واقتدار ومهارة ملحوظة؟ إنها الفنانة "بارك إيه ري" ذات الصوت القوي الشامل المتنوع الذي يتكون من ألف طبقة وطبقة.

في هذه الأيام تظهر المغنية البارعة الأستاذة "بارك" على المسرح بصحبة زوجها الفنان "هيون جون 현준" مما يضفي على العرض المزيد من المتعة والإثارة.

وُلدت المغنية "بارك إيه ري" في مدينة "موكبو" بمقاطعة جنوب جولا. وقد فازت بالجائزة الأولى في مهرجان "هونام" الفني عندما كانت تلميذة في المدرسة المتوسطة، وعندما التحقت بالمدرسة الثانوية احتلت المركز الأول في مسابقة طلابية واسعة للغناء الملحمي وفنون البانسوري. وعند دخولها الجامعة نالت كذلك جائزة ذهبية في مهرجان "دونغ آه" الموسيقي الكوري التقليدي. وفي عام 2005 حصلت على وسام الرئيس، وهو أعلى وسام يمكن أن يحصل عليه المشاركون في مسابقات الغناء الشعبي الفولكلوري. نشأت المغنية بارك كمغنية أوبرا تقليدية كورية منذ صباها المبكر، ولمعت في هذا الوسط الفني الفريد كما لم يلمع الآخرون. وهي تقول إنها لم تصل لما وصلت إليه إلا بالتمارين الشاقة والمتكررة والإيمان بعظمة وجمال ذلك النمط الفني. وقد صارت بارك الآن، بعد خبرة تكونت على مدار ثلاثين عاما، المغنية الأولى في فرقتها. وكانت البداية قبل ثلاثين عاما عندما زارت مع أمها مركز موكبو للفنون الكورية التقليدية. كانت في التاسعة من عمرها، وبمجرد دخولها المركز استقبلتها أصوات غناء مؤثر دفعتها للبكاء.



ومنذ ذلك اليوم بدأت في دراسة الغناء في مركز متخصص، وكانت تمارس الغناء خلال رحلتها اليومية بالأوتوبيس من البيت للمركز. وصارت بسرعة عاشقة للغناء الكوري التقليدي.
كانت تغني في كل وقت، حتى إن صديقاتها وصفنها بـ"مهووسة الغناء".
كل ذلك ساعد في تطوير وتحسين قدراتها الغنائية بشكل ملحوظ. كما أسهمت مشاركاتها المتنوعة في العديد من المناسبات والمهرجانات والمسابقات الغنائية في تشكيل وتجويد تلك قدراتها. ولكن حدث شيء مفاجئ سبب لها الكثير من القلق.

ولم تشأ أن تجعل الآخرين يشعرون بمشكلتها وسعت لمعالجتها بنفسها عبر التدريب المستمر، غير أن الحالة كانت تزداد سوءا في كل مرة، لولا أنه حدث ما لم يكن في الحسبان.
وفي تلك الفترة، كان اختبار دخول فرقة تشانغ غوك بعد شهر واحد فقط وكانت بحاجة للتدريب من أجل خوض مسابقة دخول الفرقة، لكنها عملت بنصيحة الخبيرة بارك سونغ هي، والتزمت بالراحة التامة، وأغلقت فمها وصارت كالخرساء لا تتحدث إلا عند الضرورة. وبعدها، دخلت الامتحان واجتازته بسهولة.

في الفاتح من يناير من عام 1999 أصبحت رسميا عضوا جديدا في فرقة تشانغ غوك القومية الكورية. كانت سعيدة بانضمامها لهذه الفرقة الكبرى المشهورة وأكثر سعادة باستعادة صوتها لحيوته ورونقه القديم. وفي اليوم الأول من عملها مع الفرقة، تم تكليفها مع الأعضاء الجدد بمهمة جديدة. كان عليهم المشاركة ككورس في تقديم مقطوعة شهيرة. لكن مخرج المسرحية "سون جين تشيك 손진책" انتبه إلى صوت "بارك" وقرر أن يسند لها دورا صغيرا في العرض. وقد أبدعت بارك في أداء هذا الدور وكأنها ممثلة رئيسية في الفرقة.
وقد أهلها نجاحها في أداء ذلك الدور الصغير للفوز بعدة أدوار مهمة.

حققت بارك النجاح بسبب حبها الصادق للأعمال الفنية التي تقدمها الفرقة وللغناء التقليدي والمسرح بشكل عام. وأدت مثابرتها وجديتها إلى خلق نجمة متألقة وممثلة مقتدرة ومتميزة. ويقول زوجها "هيون جون" إنه يتعلم منها.

نجحت بارك في الوصول لأدوار البطولة في مسرحيات الفرقة بعد عام ونصف من التحاقها بها، وتوالت أدوار البطولة المطلقة التي قامت بها، حيث لعبت طائفة متنوعة ومتعددة من الأدوار الرئيسية في أكثر من ألف عرض مسرحي مع الفرقة قبل أن تتركها في عام 2015. وكأستاذة غناء من الجيل الحديث، قدمت بارك العديد من الأعمال التجديدية لترويج ونشر الغناء والموسيقى الكورية التقليدية.
وتحرص بارك على مساعدة الشباب على فهم فن الموسيقى الكورية التقليدية ونشره بينهم.
ومنذ زواجها من الفنان راقص الهيب هوب "هيون جون"، شرعت بارك في التعاون الفني مع زوجها ليثمر ذلك الزواج الفني عن العديد من الأعمال المهجنة بين الفنون التقليدية الشعبية مع فنون الهيب هوب الحديثة والتي استقبلها الجمهور باحتفاء ورضاء واضح.

الرغبة القوية والصادقة في الحفاظ على أصالة الفنون التقليدية، والاستعداد الحقيقي لتقبّل الفنون الجديدة والوافدة، والمزج والتكييف بين النمطين الفنيين المختلفين، أثمرا توجهات حقيقية تساعد على نشر وترويج الفنون القديمة وسط الأجيال الجديدة، وعلى تفهّم الأجيال القديمة للفنون الشبابية الحديثة.

ومتسلحة بمثل تلك العقليّة المنفتحة والفهم الصحيح، فهي لا تتوانى عن تقديم كل ما تراه في مصلحة الفنون الكورية التقليدية وبذل كل ما تمتلك من طاقة وحيوية لتحقيق الانسجام اللازم بين النمط التقليدي والأنماط الفنية الأخرى.

بارك إيه ري فنانة شاملة ومغنية وممثلة متعددة المواهب، وحريصة على التطوير والتحديث بشكل لا يقل عن حرصها على بقاء جذورها العميقة في مجال الموسيقى الكورية التقليدية.