شهر مايو هو درة شهور السنة ، وربما أجملها على الإطلاق. ويصادف عيد ميلاد بوذا هذا العام اليوم ، أي العاشر من شهر مايو ، وهو عيد يحمل العديد من الأسماء، منها يوم عودة بوذا ، و" دنغ سوك" وليلة الفوانيس ، حيث تضاء وتتألق الفوانيس والمصابيح طوال الليل. تم اعتماد يوم مولد بوذا كعطلة رسمية منذ عام 1975، ومن وقتها ظلّ الاحتفال به يتم بشكل واسع ومنتظم كل عام في اليوم المحدد. ويوم ميلاد بوذا من كل عام ، يكون مناسبة لاستذكار واستجلاء القيّم والتعاليم البوذية ، والاهتداء بالنموذج البوذي في الحياة . فقد نذر بوذا كل حياته لتعليم الناس أسس عمل الخير ونشر مبادئ الصلاح والاستقامة ونبذ الجشع والطمع والأنانية. وبمناسبة عيد ميلاد بوذا ننتهز الفرصة اليوم لنقوم بزيارة لمعبد بونغ أُن الواقع في ضاحية سكنية صاخبة ، وهي سام سونغ دونغ في جنوب سيول.
يبعد المعبد 700 متر فقط من محطة سام سونغ التي نصل إليها بعد ركوب مترو الأنفاق خط رقم سبعة. أهم المعالم الموجودة في ضاحية سام سونغ دونغ هي قاعة كويكس، وهي قاعة ضخمة فاخرة متسعة ومترامية الأطراف ، انعقدت فيها قمة العشرين عام 2010، التي كانت محطة مهمة في مساعي إنقاذ الاقتصاد العالمي من الأزمة الأخيرة. ومن المعالم المهمة الأخرى فندق إنتركونتيننتال وهو فندق فخم ذو خمس نجوم ، والمركز التجاري متعدد الوظائف، ومعالم بديعة أخرى . ووسط كل هذه المعالم المهمة ، يتبوأ معبد بونغ أُن مكانا رفيعا بكل ما فيه من تميز وإبداع عمراني. يعتبر ذلك المعبد هو المعبد الرئيسي للطائفة البوذية التي تُعرف باسم "جو غيه" ويعود تاريخه للعام 794 عندما أنشأه الكاهن البوذي المبجّل يون هوي تحت اسم معبد كيون سونغ. يبلغ عمر المعبد إذن حوالي ألف ومائتي عام، ويحفه الكثير من الرهبة والغموض. تبدأ جولتنا حول المعبد من مدخله الرئيسي جين يو مون. حفظت البوابة معبد بونغ أن منذ تأسيسه، وهي تتكون من ثمانية أعمدة حجرية وذات سقف مائل. تنقسم البوابة لثلاثة أقسام، واحد في الأمام واثنين على الجانبين.
عندما يدخل الزوار من البوابة، يجدون في استقبالهم تمثالا خشبيا ضخما يمثل آلهة السماء الأربعة. وفي الاتجاه الغربي تقف بوب وانغ نو، وهي قاعة الاستماع والمواعظ، وبعد بوب وانغ نو، يدخل الزوار إلى القاعة الرئيسية ديه أونغ جون، حيث تتناثر الفوانيس والمصابيح الملونة احتفالاً بعيد ميلاد بوذا. أصوات التراتيل تملآ القاعة، وتشيع قدرا كبيرا من الأمان.
ديه أونغ جون عبارة عن هيكل واسع ذي سقف متعرج منقوش ، مصمم على شكل سلالم عليها رسوم وصور محفورة لتنّين. السيد جو وإيضاح آخر.
من المعالم اللافتة للنظر في المعبد : ذلك التمثال الحجري لبوذا، والذي يبلغ ارتفاعه 23 مترا. وهو أكبر تمثال لبوذا موجود في كوريا، ترتسم على شفتيه ابتسامة لطيفة وحانية، وهو يوجه نظراته نحو المدينة في كثير من الرحمة والحب والاهتمام. بعد ذلك يجد الزائر مبنى شديد القدم ، وهو بانجون الذي هو عبارة عن مستودع لحفظ الألواح والتحف الخشبية البوذية وهو مكان ذو أهمية ثقافية وتاريخية خاصة. وتم اعتماده ككنز تراثي ثقافي قومي..
يتم تنظيم برنامج خاص بالمكوث في المعبد في كل يوم خميس لتعريف الأجانب بالثقافة والتقاليد البوذية. يستمر البرنامج لمدة ساعتين ، ويشمل جولة حول المعبد ، وحفلا خاصا بطقوس شرب الشاي ، وجلسة تأمل ، وتجربة ذاتية لصناعة فانوس . وعادة ما يعج البرنامج بالعديد من الأجانب. بمجرد انتهاء الجولة الأولية يبدأ حفل شرب الشاي ، حيث تفوح روائح الشاي الزكية لتملأ المكان عبقا وٍدفئا. وعندما يشيع الشاي الدفء في أوصال الجسم ، يشعر الشخص بالرغبة الحقيقية في التأمل. وبعد إشارة من خلال ثلاث طرقات بمطرقة خيزران ... يبدأ التأمل.
يتم التأمل بعد أن يجلس المتأمل على الأرض متخذا شكل زهرة اللوتس ، وهو يضع الساق اليمنى داخل الساق اليسرى ، ويطبق اليدين على البطن. تساعد هذه الجلسة على الاستغراق في التأمل . وهي جلسة قد لا تكون سهلة أو مريحة للأشخاص الأجانب غير المعتادين عليها . غير أن الخشوع والنقاء والاندماج يجعلها سهلة وميسورة.
عندما يمارس الشخص التأمل يتوجب عليه أن يواجه نفسه بالعديد من الأسئلة. من أنا ؟ ومن أين أتيت ؟ ولماذا أنا هنا ؟ لا تكون الإجابة عن طريق تحديد الاسم أو العمر أو المكان أو الوظيفة ، وإنما عن طريق تحديد الهدف وسبب الوجود ، وتبرير أسباب هذا الوجود.
خلال جلسة التأمل التي تستمر لمدة عشرين دقيقة تحت توجيه ومباركة الكاهن ، يسأل الكاهن المتأملين عدة أسئلة بهدف مساعدتهم على معرفة أنفسهم بشكل أفضل. عشرون دقيقة من التأمل جلوسا جلسة زهرة اللوتس ، تجعل الشخص يشعر بعدها بالكثير من الراحة ، ويحس بأنه تخلص من الكثير من الآلام النفسية والذهنية والروحية.
إذا كنت تنشد الهدوء والطمأنينة والسكينة والأمان فما عليك إلا أن تتوجه ، متى ما سنحت لك الفرصة ، إلى هناك، حيث الصفاء والنقاء والراحة .