لكل دولة في العالم مقبرتها الوطنية القومية التي يتم فيها دفن أبطالها، وفي كوريا يوجد المقابر القومية في العاصمة سيول. وهناك الكثير من مثل هذه المقابر الوطنية التي تضم في العادة رفات وجثامين الجنود والمقاتلين والأبطال والمناضلين الذين ماتوا وضحّوا دفاعا عن أوطانهم وحريتها واستقلالها أو في سبيل أفكار ومبادئ. وقد خصصت كوريا شهر يونيو من كل عام شهرًا لمثل هؤلاء الأبطال والمقاتلين والشهداء وغيرهم ممن قضوا في سبيل الدفاع عن قيّم عليا ومبادئ سامية خلال الحروب الكورية القومية أو في سبيل الدفاع عن الحرية والديمقراطية والعدالة. وبمجرد إطلال شهر يونيو من كل عام يتوجه كثير من الكوريون إلى المقبرة الوطنية الواقعة جنوب نهر الهان لتذكّر هؤلاء الأبطال البواسل والترحم على أرواحهم.
تقع مقبرة سيول الوطنية على بعد دقيقتين فقط من محطة مترو الأنفاق دونغ جاك على الخطين الرابع والتاسع، وهي معلم واضح ومتميز على الطريق الرئيسي بحيث لا يمكن للعين أن تخطئ المكان. تبلغ مساحة المقبرة حوالي 350 ألف متر مربع وتتكون من عدة قبور فردية وأضرحة. تم تأسيس هذه المقابر القومية عام 1955.
بدأت مقبرة سيول الوطنية كمقبرة مخصصة للجنود والضباط من ضحايا الحرب الكورية ، ثم تحولت في عام 1965 إلى مقابر وطنية قومية ، وتوسعت لتضم رفات وجثامين المناضلين من أجل الاستقلال من الاحتلال الياباني. وقد تم دفن ما لا يقل عن 170 ألف بطل وشهيد ومناضل داخل المقبرة منذ إنشائها قبل 57 عاما. تضم المقبرة رفات حوالي 55 ألف بطل تم انتشالها واسترجاعها من أماكن مختلفة ودفنها في قبور منفردة ، بجانب قبور لـ134 مناضلا من أجل الحرية وحوالي سبعة آلاف من الجنود المجهولين، و104 آلاف من جثامين الجنود الذين فقدوا أرواحهم في مختلف المعارك والمناسبات ومن المفقودين في أثناء العمليات. هناك نحو 3400 شهيد ممن تم حرق جثامينهم وتم حفظ رفاتهم داخل مبنى مخصص يسمى تشونغ هون دانغ.
ويصادف الزائر في هذا المكان أولاً تشونغ سونغ أي نبع الإخلاص وهو عبارة عن نافورة مياه من البرونز يبلغ طولها 13 مترا على شكل رجل وامرأة يحملان العلم الكوري مرفرفا وشعلة وضاءة و إكليلا من غصون الشجر. الجزء الأسفل من التمثال تحيط به تماثيل ستة جنود يمثلون مختلف الأفرع العسكرية من مشاة وبحرية وقوات الاحتياط وغيرها.
ثم يقف برج هيون تشونغ خلف البوابة حيث يوجد ممر ممهد يحمل نحو البرج حيث تستقبل الزائر لافتة منقوش عليها كلمات معبّرة مؤثّرة تقول : "للسائرين في طريق الخلود والأبدية مع الأسلاف الجدود . الشمس والقمر يحرسان هذا الجبل". ثم يدخل الزائر بعد ذلك قاعة الأضرحة التذكارية داخل البرج حيث يوجد أعداد كبيرة من الصور القديمة باللونين الأبيض والأسود منتشرة هنا وهناك. صور حزينة ومؤثرة عديدة متعددة يبكي لها بعض الزائرين كثيرا، ولتي تليها بعد ذلك القبور
أكوام من الحجارة والصخور متناثرة هنا وهناك على امتداد المقابر الواسعة ويكاد الزائر يرى أرواح الشهداء والأبطال والموتى الخالدين ممن فقدوا حياتهم في سبيل الحرية من براثن الاستعمار الياباني البغيض ويخيل له أنهم يغطون في نوم عميق ومريح. لم يكن كل الشهداء والأبطال من الكوريين فقط ، بل كان هناك العديد من الأجانب أمثال الدكتور الكندي شوفيلد ، الذي يحمل الاسم الكوري سوك هو بيل وهوشخصية معروفة ومحبوبة جدا في كوريا حيث كان قد انضم خلال شبابه لحركة المقاومة الكورية من أجل الاستقلال.
كما توجد الأضرحة الرئاسية مثل قبريْ الرئيس الراحل بارك جونغ هي، وزوجته يوك يونغ سو وأول رئيس كوري جنوبي، وهو ري سينغ مان وزوجته فرانشيسكا.
أما المحطة الأخيرة فهي قاعة الصور التذكارية والآثار التراثية حيث يشاهد الزائر العديد من الصور للشهداء والأبطال.