هناك مكان رائع يمكن أن نفر إليه هربا من الحر والرطوبة والمطر المنهمر في هذا الصيف، وهو المتحف القومي للفنون المعاصرة، أكبر المتاحف الكورية، وهو متحف يوجد في موقع متميز ويقودنا إليه ممر جميل محفوف بالأشجار الظليلة والمنعشة ويحتوي على العديد من الأشياء التي تستحق المشاهدة.
يمكن الوصول للمتحف بركوب مترو الأنفاق خط رقم 4 والنزول عند محطة حديقة سيول الكبرى ، ثم ركوب أوتوبيس خاص يتوجه كل عشرين دقيقة إلى المتحف. والمسافة إلى هناك قصيرة ولا تستغرق أكثر من خمس دقائق.
تمّ افتتاح متحف الفنون المعاصرة في الأصل عام 1969 غير أنه تحول عدة مرات من موقعه الأصلي القديم حيث كان يوجد داخل قصر كيونغ بوك قبل أن يتحول إلى قصر دوكسو في عام 1973 وبقي هناك حتى عام 1986 ، ثم تحول مرة أخرى. وطيلة وجوده في قصر دوكسو ظل المتحف يشهد العديد من المناسبات والفعاليات المتميزة والمسابقات الفنية العديدة ، خاصة تلك التي تقام داخل الحديقة الفيحاء التي أٌشتهر بها القصر والتي كانت مقصدا دائما وملهما للعديد من الرسامين والفنانين. وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي تبين أن المباني المخصصة للمتحف في ذلك القصر لم تعد كافية لعرض كل المواد والتحف الثمينة. تبين كذلك أن كوريا بحاجة لمكان مخصص لنشر وترويج الثقافة الكورية قبيل افتتاح الدورة الأولمبية التي كانت سيول بصدد استضافتها في عام 1988. هكذا تقرر نقل المتحف إلى مكان أكثر ملائمة عام 1986.
تبدأ الجولة، فإذا كان الجو مناسبا يمكن في العادة التوجه نحو البوابة مشيا على الأقدام بدلا من ركوب الأوتوبيس المخصص لذلك. ويجب الحصول على التذاكر اللازمة لركوب قافلة الأفيال وهو الاسم الذي يطلق على القطار المخصص لنقل الزوار للمتحف وحديقة الحيوان ومنتزه الألعاب في سيول لاند. المشي البطيء عبر هذا الممر الذي تحيط به الخضرة من كل جانب أمر رائع ومريح للأعصاب وعادة ما يكون تجربة مثيرة ومناسبة للاسترخاء. وسرعان ما يصل الزوار إلى المبنى المخصص لمتحف الفنون المعاصرة المطل على موقع جبلي مدهش. وعبر سلالم ومدرجات قصيرة نجد أنفسنا داخل المتحف.
فلسفة المعماري الخبير كيم تيه سو لا تقوم على مجرد بناء وتشييد صرح حجري أو مبنى لمتحف ، وإنما متحف متسق ومنسجم مع الطبيعة أو متحفا للطبيعة. وعندما تقرر اختيار منطقة كواتشون لبناء المتحف ، عبّر الكثيرون عن انتقاداتهم لذلك الاختيار بسبب بُعد مسافة المتحف عن منتصف المدينة ، وبسبب وجود المتحف وسط الجبال. ولكن مع مرور الأيام وتوسع المدينة ومد خطوط مترو الأنفاق إلى أماكن متباعدة تبين أن الاختيار كان مناسبا وصحيحا وذا رؤية بعيدة ووسط منطقة ملائمة تماما بيئيا وإيكولوجيا. ومن على البعد يبدو وكأن جبال تشونغ كي وكوان آك تحتضن المتحف في حنو ، وهناك بحيرة واسعة تنساب في المنطقة الأمامية ، مما يضفي عليه مزيدا من السحر والغموض الذي يسر خاطر الكثيرين.
تبدأ الجولة داخل المتحف في مبناه المكون من ثلاثة طوابق وست قاعات للعرض بما في ذلك الحديقة الخارجية الصخرية البديعة. للمتحف العديد من المعارض الدائمة والمؤقتة والخاصة والتي تحتوي على العديد من المعروضات والبرامج والفعاليات والفرص المتنوعة.
أما الصالة الثانية في الطابق الأول فهي تضم كل الأعمال الفنية والتحف التي يجمعها المتحف خلال العام لمختلف الفنانين ومن جميع المدارس الفنية وبمختلف الأنماط. لكن ربما تكون الصالة الأكثر إثارة في الطابق الأول هي صالة الأطفال.
أما الطابق الثاني فيضم الصالتين الثالثة والرابعة حيث يمكن مشاهدة ومتابعة التاريخ الفني الكوري المعاصر منذ خمسينات القرن الماضي ، وكيف سعى الفنانون الكوريون المعاصرون للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم ومشاهداتهم لروح العصر الذي عاشوه وانطباعاتهم عن الكثير من الأحداث والمناسبات التي عاصروها. يجري الآن تنظيم معرض هناك تحت اسم " الحرب المنسية : مأساة التقسيم".
أما قمة الجولة فهي حديقة التماثيل الخارجية التي تمتد فوق رقعة تبلغ 33 ألف متر مربع بجانب البحيرة والاستراحات المجاورة. أهم ما يميز الحديقة هو ما تضم من تماثيل حجرية صخرية بديعة حيث تضم الحديقة الخارجية ستين تمثالا شهيرا وملهما للزوار على اختلاف مشاربهم . ويمكن مشاهدة كل واحد منها بطريقة مختلفة اعتمادا على الوقت أو الجو واتجاه الشمس أو ربما حسب مزاج الشخص المشاهد وحالته النفسية.
المتحف القومي للفنون الكورية المعاصرة مكان مناسب تماما للاستمتاع والتأمل وقضاء وقت بديع وفريد وإرضاء البصر والنظر والفكر والروح والفؤاد بأعمال فنية جميلة ومثيرة وبديعة خاصة في مثل هذه الأجواء الصيفية الممطرة والمنعشة.