التشوسوك هو عبارة عن أعياد الشكر في كوريا حيث يعرب فيه الكوريون عن شكرهم لأرواح الجدود والأسلاف على ما قدموه لهم من حصاد وخير وفير. يتم الاحتفال بهذا العيد في ليلة اكتمال البدر في شهر أغسطس حسب التقويم القمري وهو مناسبة يغتنمها الكوريون للتعبير عن شكرهم وتقديم الصلاة والدعاء والإعراب عن أمنياتهم من أجل السعادة والتوفيق في الليلة التي ينبعث منها الضوء من القمر المكتمل. وفي هذا العيد يستمتع كل الكوريين بتناول أطايب الطعام الكوري التقليدي مثلما يفعلون في العديد من الأعياد والمواسم التقليدية. ومن أطايب الطعام المرتبطة بهذا العيد نوع من كعك الأرز التقليدي الذي يسمى بالكورية " سونغ بيون" وهو عبارة عن طحين من الأرز المحشو بالسمسم والفاصوليا الحمراء واللوز والكستناء وهو ملفوف على شكل أهلة تعرف باسم "طوك" التي يتم طهيها بالبخار على أجهزة تبخير خاصة. هذا الطبق التقليدي هو طبق أساسي يقدم خلال هذا الموسم استذكارا للجدود والأسلاف، ويعتبر رمزا للوفاء والشكر من الأبناء والأحفاد للجدود على ما جادوا به من خير وفير وحصاد كثير. الاحتفال بعيد التشوسوك لا يتم ولا يكتمل إلا بتقديم وتجهيز هذا الطبق التقليدي. وللتعرف على الأشكال المختلفة من هذا الطبق توجهنا اليوم إلى زقاق متخصص في ناكون دونغ في الحارات القديمة من سيول والتي تعج بالمحلات التي تصنع هذه الفطائر التقليدية خلال مثل هذه المواسم والأعياد.
ركبنا قطار مترو الأنفاق الخط الأول ونزلنا في محطة جونغ كاك وسرنا في اتجاه إنسا دونغ حتى وصلنا إلى مبنى عتيق يضم عددا من المحلات التي تصنع الآلات الموسيقية التقليدية ومركز ناكون للتسوق الذي يطل على زقاق ناكون لفطائر الطوك وهو زقاق يعج بعدد كبير من المحلات المتخصصة في صناعة ذلك النوع من الفطائر. اسم هذا المكان هو "ناكون دونغ ". ظلت هذه الضاحية موجودة منذ عهد الاحتلال الياباني وأطلق عليها وقتها اسم ناكون بسبب قربها من حديقة تابغول التي كانت الحديقة الوحيدة في كل كوريا خلال السنوات الأولى من القرن العشرين ولهذا كان الكثيرون يشبهونها بالجنة ويطلق عليها البعض اسم الفردوس.
بدأت محلات بيع فطائر طوك تنتشر في هذه الضاحية مع بدء اضمحلال مملكة جوسون. وبعد سقوط المملكة شرعت الطاهيات والعاملات في المطابخ الملكية في فتح وتشغيل أعمالهن التجارية الخاصة في شكل محلات متخصصة في بيع الطعام مستغلات ما كنّ يتمتعن به من مهارة وإتقان خاص لهذه المهنة. كانت محلات بيع هذه الفطائر التقليدية في الماضي قبل إنشاء هذا المبنى تتقاطر في شكل صف واحد طويل يمتد حتى آنغوك دونغ قبل أن تبدأ بعد ذلك في الانتشار عبر الضاحية بشكل متفرق. كان الزقاق شديد الزحام بشكل ملفت للنظر خلال عيد التشوسوك.
ووجدت تلك المحلات نجاحا وازدهارا كبيرا حتى إن المنطقة الشمالية في سيول صارت منطقة متخصصة في صناعة الطعام وزاخرة بالأماكن والمحلات التي تقدم مأكولات شهية ومن بينها فطائر طوك. في حين اشتهرت المنطقة الجنوبية بالحانات والخمارات ومحلات الشرب. كان نهر جونغ جي هو الذي يفصل بين المنطقتين الشمالية والجنوبية، وكانت بوكتشون، وهي قرية شمالية، ضاحية مترفة للنبلاء والأثرياء وقريبة للقصور الملكية. لهذا كان سكان تلك القرية من الأغنياء المقتدرين ماليا مما انعكس في شكل ازدهار تجاري للمنطقة ولمحلات صناعة وبيع فطائر الطوك بالذات، مما جذب المزيد من المحلات الفاخرة والمتخصصة للمنطقة. وفي المقابل كانت قرية نام تشون في الجنوب مرتعا للمثقفين الراغبين في التلاقي والتجمع وتجاذب أطراف الحديث، وكذلك للشباب من أبناء الأسر الغنية الذين كانوا يحرصون على الحضور لتلك الحانات والمقاهي من أجل الأنس والسمر، حيث اشتهرت تلك المحلات بما تقدم من نبيذ ومشروبات متنوعة، وبأنها أماكن للترويح عن النفس والترفيه. وربما يكون الأمر كذلك حتى يومنا هذا وإن اختلف الأمر بعض الشيء. لي كوانغ سو مالكة لمحل فطائر طوك توارثته أما عن جدة.
كان العمل يتم في الماضي بشكل يدوي في كل مراحله قبل أن يتحول إلى عمل آلي بحت في السنوات الأخيرة. لهذا كان العمل شاقا ومضنيا ويستغرق وقتا طويلا ولهذا كانت هذه المنطقة لا تعرف النوم ولا الهدوء طوال موسم العيد.
محلات ناكون دونغ محلات مشهورة الآن بالجودة والخبرة والتميز. وهي لا تبخل بتقديم أي كميات كنماذج مجانية تشجيعا للتجربة والاقتناع عن طريق الممارسة وإتاحة الفرصة للزبائن للحكم بأنفسهم.