الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

إبداعات منشق :

2014-12-02

سيول بانوراما

إبداعات منشق :
الغربة ، أي غربة، عادة ما تكون رحلة حزن وشجن، وحنين دائم للوطن، وشق للديار والأهل، وتحرق مستمر للعودة للأصل والجذور والنشأة والحب الأول الذي هو حب الوطن وحب الديار وحب المنزل الأول كما قال ذلك الشاعر العربي الخالد " كم منزل في الأرض يألفه الفتي ..وحنينه دوما لأول منزل. نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول ". ومهما وجد الشخص من مجد ونجاح وحياة رغدة خارج وطنه فإن ذلك في أغلب الأحيان لا يساوي ذرة حنين وحفنة شوق من العودة للوطن إذا ما كانت هناك أي ظروف أو أسباب تحرمه وتمنعه من تلك العودة، ويبقى حلم العودة للوطن ولو في الخيال أو الحلم هو حلمه الأول أو كما قال شاعر عربي مبدع آخر" وطني لو شغلت بالخٌلد عنه ... نازعتني إليه في الخُلد نفسي". ذلك هو شعور البعد عن الوطن والغربة عن الديار. وعندما يبتعد الشخص عن وطنه لاجئا أو منشقا أو هاربا أو طريدا لأسباب سياسية أو فكرية أو دينية يبقى الإحساس بالظلم والغبن أكبر وأفدح خاصة عندما تستولي قلة ظالمة على السلطة بقوة السلاح وتحتكر الوطن الذي هو للجميع على قلة وتحرم كل البقية من حقهم في وطن نشأوا وترعرعوا بين ربوعه.
ولا بدّ من تلك هي الأحاسيس والمشاعر التي اعترت المنشق الكوري الشمالي الشاب Kang Chun-hyuk ومما عمق من تلك الأحاسيس والجراح هو أنه فنان ومبدع شامل ومغني راب ممتاز ورسام بديع. كانغ شاب في ال28 من عمره هرب من كوريا الشمالية منذ أن كان صبيا في ال12 من العمر في صحبة والديه وعاش لاجئا في الصين لمدة ثلاث سنوات قبل أن ينجح في الهروب إلى كوريا الجنوبية عام 1998 وهو طالب الآن في جامعة Hongik يدرس الفنون ويخطط ويحلم بأن يصبح فنانا مشهورا في أي من مجاليّ موهبته في الغناء أو الرسم. يقول كانغ إنه لا يذكر من طفولته البائسة التي قضاها في كوريا الشمالية سوى قسوة مناجم الفحم الحجري حيث كان يعمل أبواه لساعات طويلة ومرهقة بعيدا عنه حتى أن والدته التي أصيبت بمرض السل بسبب عملها في المنجم كانت مضطرة للعمل رغم مرضها ودون راحة ودون علاج قبل أن تفكر الأسرة في الهروب أملا في إنقاذ الأم العليلة. يقول إنه لا يذكر الآن من تفاصيل الحياة في كوريا الشمالية سوى ذلك العدد الهائل من الصور والتماثيل للزعيم المؤسس كيم إيل سونغ ومن بعده ابنه كيم جونغ ايل والد الزعيم الحالي كيم جونغون. يقول إنه كان يقف ذات يوم أمام باب المنزل أو بالأحرى الكوخ الذي تعيش فيه الأسرة وهو يتصفح جريدة عليها صور لعدد من نجوم الرياضة ثم قذفها بدون قصد في الطريق العام وتصادف أن كان على صفحتها الأولى صورة الزعيم كيم جونغ ايل، ورآه مسئولون في اللجنة الشعبية فاقتادوه للمخفر بتهمة تحقير صورة الزعيم وأوسعوه ضربا وسبا وقدموه للمحاكمة وعندما اكتشفت المحكمة إنه رسام موهوب حكمت عليه برسم عشرات الصور للزعيم وتوزيعها على أصدقائه وأقرانه في المدرسة.
يقول كانغ إنه لا يخطط لأن يصبح مغني راب أو رساما مشهورا في كوريا طمعا في مجد أو نجومية أو ثروة وإنما فقط من أجل أن يستثمر ويوظف مواهبه تلك في التنوير بما يتعرض له الشعب المغلوب على أمره في كوريا الشمالية من اضطهاد وانتهاكات صارخة لحقوقه الإنسانية على يد عصابة إجرامية تحت قيادة زعيم طاغية حيث يعيش ما يقارب الثلاثين مليون كوري شمالي داخل معسكرات أشبه بالسجون التي لا تصلح للسكن الآدمي ولا للحياة البشرية وهو ينوي أن يكشف عن كل ذلك من خلال أعمال فنية إبداعية متنوعة من أغاني راب تصف تلك المآسي والمخازي، ومن خلال لوحات شخصية تصوّر بعضا من ذكرياته عن حياته هناك هو وأقرانه من الصبية المشردين والجوعى الذين يبحثون عما يسد رمقهم حتى داخل مكبات الأوساخ والتي كثيرا ما تكون نظيفة لا لسبب إلا عدم وجود أي سبب يجعلها غير ذلك.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;