الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

ملتقى الغرباء:

2015-01-13

سيول بانوراما

ملتقى الغرباء:
للشاعر العربي الأشهر في التاريخ العربي أبو الطيب المتنبي قصيدة رائعة سارت بها الركبان في وصف "شِعْب بوان" الذي عده كثير من الرحالة والمؤرخين والشعراء من جنان الدنيا النادرة لكثرة روّاد المنطقة وتعدد سحن وملامح وخلفيات زوار ذلك المكان المدهش الجمال. وهي قصيدة طويلة ومن أبرز أبياتها:
مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَان
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
وكوريا رغم انقسامها وتمزقها إلى شطرين إلا أن الشعب الكوري شعب متجانس عرقيا وثقافيا وتقاليديا ومتشابه من حيث الشكل والسحن والملامح حتى أن الأجنبي الذي لا يقيم في كوريا لوقت طويل قد يجد صعوبة في التفريق بين بعض الكوريين. لكن المواطن الكوري الذي يتجول في منطقة "إيتيوان" ربما يعتريه نفس إحساس فتى المتنبي فمنطقة "إيتيوان" منطقة كورية خالصة لكن الفتى الكوري فيها غريب الوجه واليد واللسان ،فهي منطقة تعج بأناس وزوار ومقيمين وسواح من مختلف الأشكال والألوان والملامحٍ ومتحدثين بمختلف اللغات والألسن ومرتدين لأزياء متنوعة ومتعددة. والمنطقة في جزء جوهري منها عبارة عن سوق مزدحمة بالكثير من المحلات التجارية الفاخرة والمطاعم المتنوعة من هندية وتركية وعربية وشرق آسيوية وأوروبية وأمريكية بجانب عدد كبير من الحانات والملاهي والمراقص .لهذا فإن المنطقة قد تخضع لمختلف التوصيفات بمختلف المقاييس فالبعض قد يراها أشبه بالغيتوهات Ghettosعلى غرار الضواحي الشعبية التي كان يعيش فيها اليهود والطبقات المنبوذة في أوروبا القديمة في شكل من أشكال التمييز، وقد يراها آخرون أشبه بأوكار الجريمة والعنف والعصابات وشبكات الجنس والدعارة التي كان يعيش فيها الزنوج والسود والملونون واللاتينيون والمهاجرون الآسيويون والشبيهة بمناطق مثل هارلم أو بروكلين أو جايناتاون في نيويورك في ستينات وسبعينات القرن الماضي وهي مناطق اشتهرت بنوع من الانفراط الأمني وأيضا بأنها مناطق تفيض شوارعها بالفن والإبداع الشعبي من غناء وموسيقى ورقص. ومثل هذه المناطق لم تكن حكرا على أمريكا أو أوروبا بل عرفتها بلدان ومدن آسيوية أخرى مثل هونغ كونغ وتايبيه. ربما كانت منطقة إيتيوان فيها ملامح من تلك المناطق خاصة في نهايات القرن الماضي بسبب وجود القاعدة الأمريكية العسكرية والي تضم ما يقارب الثلاثين ألف جندي على بعد مسافة قريبة جديدة منها، ولهذا كانت المنطقة عادة ما تعج بأعداد كبيرة من المواخير والعلب الليلية وفتيات الهوى والمومسات والقوادين والسكارى، وكان من الطبيعي أن يكون نتاج كل ذلك غير قليل من الحوادث والجرائم خاصة وإن الوجود العسكري الأمريكي كان في فترة ما يتسم بكثير من الانفلات قبل أن تشرع الجهات المسئولة في الجيش الأمريكي والحكومة الكورية في اتخاذ إجراءات وضوابط ساعدت في إحداث الكثير من مظاهر الانضباط في الفترة الأخيرة وأعادت للضاحية سمعتها الطيبة. لهذا فإن الأوضاع في منطقة إيتيوان تحسنت بشكل ملحوظ حيث انحسرت ظواهر الجريمة والنصب والتحرش بشكل كبيرة وإن لم تنتهي بشكل كامل بالطبع، وصارت المنطقة أقرب للواحة التي يجد فيها الكثير من الأجانب والغرباء أجواء من الحرية والإحساس بالانتماء والحياة الميسرة والسهولة في التعامل والتكيف مع كل متطلبات الحياة خاصة مع غياب أي حواجز لغوية أو نظرات توجس وتشكك، بل تمكن عدد لا بأس به من الأجانب من القيام بأعمال تجارية واستثمارية صغيرة من مطاعم وأماكن بيع للسلع الأجنبية غير المنتشرة في بقية الأسواق الكورية ومن بينها محلات لبيع السلع العربية والإسلامية مثل محلات بيع اللحوم الحلال ومحلات الزينة والحلاقة والمكتبات. كوريا كدولة صادرات تعتمد على العالم الخارجي العريض تسعى بكل السبل للخروج من محليتها وإحداث انفتاح عالمي كبير وخلق مجتمع متعدد العرقيات والثقافات وضاحية إيتيوان، كواحة للأجانب وملتقى للغرباء، قد تلعب دورا محوريا هاما في هذا التوجه.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;