الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

بدانة وشيخوخة !!

2015-01-06

سيول بانوراما

بدانة وشيخوخة !!
الكوري أُشتهر عبر التاريخ بأنه شخص نحيل رشيق البنية لكنه قويها في نفس الوقت. وأثناء إقامتي هنا في كوريا شاهدت أشخاصا كثيرين ، خاصة من عمال النقل والشحن، ممن يمكن وصفهم بأنهم هزيلو أو ضعفاء البنية لكنهم أقوياء بحيث أن الواحد منهم يمكنه حمل خزانة أو ثلاجة على ظهره ويتسلق بها عدة طوابق عن طريق السلالم. وكوريا في الماضي عرفت بأنها دولة شابة ولود حيث درج الكوريون في الماضي على الزواج والإنجاب في سن مبكرة وكان من العادي أن تتكون الأسرة من عدد من الأطفال. غير أن الأمر يسير بسرعة منتظمة في طريق التغيير حسب ما أوردته العديد من التقارير الرسمية مؤخرا.
ففي آخر تقرير صدر في الأسبوع الماضي فإن كل واحد من ثلاثة كوريين بالغين بدين أو في حالة توجه نحو البدانة. ويعزي التقرير ذلك إلى التغييرات في الشكل والنمط الغذائي السائر في كوريا الآن والذي أصبح ، على خلاف الماضي، يحتوي على نسبة أكبر من السعرات الحرارية نتيجة انتشار ظاهرة الوجبات السريعة من بيرغر وبيتزا وما شابه وانحسار نسبة تناول الوجبات التقليدية عند البعض والتي كانت في العادة تحتوي على مكونات عالية من الخضروات. تُعزى الظاهرة كذلك إلى انتشار عادات سيئة مثل قلة ممارسة التمارين الرياضية خاصة بين أفراد الطبقات الدنيا والأقل ثقافة وبالتالي أقل اكتراثا للصحة العامة أو الاهتمام بالمظهر والهندام. وحسب التقرير المشار إليه فإن 33% من الكوريين ممن تتجاوز أعمارهم 19 سنة يمكن وصفهم بأنهم بدناء حسب المعيار الصحي المتعارف عليه وهو مؤشر الكتلة الجسمية BMI الذي يحدد النسبة الصحيحة للوزن مقارنة مع الطول.ونسبة البدانة حسب التقرير منتشرة في أوساط الرجال أكثر من النساء خاصة في المراحل الشبابية الأولى، ربما بسبب أن الفتيات في هذه الفئة العمرية أكثر اهتماما بالنواحي الجمالية وبمتطلبات الجاذبية والمظهر والموضة، في حين أن أعدادا من الذكور الشباب صاروا يهملون ممارسة الرياضة مع انتشار ظاهرة ألعاب الكومبيوتر والشبكات الإلكترونية والعنكبوتية التي تستهلك كل الوقت.
وفي تقرير آخر حول موضوع آخر تبيّن أن كوريا هي من بين أكثر الدول المتطورة أو السائرة في طريق التطور من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هرولة في طريق الشيخوخة وإن الوتيرة التي تمضي بها كوريا في طريق ذلك هي في ازدياد مستمر خلال العقود الأربعة الأخيرة. وحسب الإحصائيات التي وردت في التقرير فإن عدد الكوريين في المجتمع الكوري الجنوبي الذين تتجاوز أعمارهم ال65 عاما صار يمثل ما يقارب نسبة 13% من سكان كوريا البالغ عددهم نحو خمسين مليون نسمة في حين أن نسبة عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 14 سنة هي أقل من 15% مما يشير إلى أن زيادة معدلات الشيخوخة ترافقها من الناحية الأخرى تدني في معدلات الإنجاب والولادة وهو ما يمكن اعتباره ضغثا على إبالة أو حشفا وسؤ كيل حسب الأمثال العربية القديمة.
الأمر إذن من كافة نواحيه يمثل سببا ومصدرا مشروعا للقلق مما يحتم العمل على معالجة الأمر بكل شكل. فتفشي البدانة يعني تفشي الأمراض الخطيرة المتعلقة بالسمنة من أمراض قلب وشرايين وسكري وضغط وغيرها. وتفشي الشيخوخة مع تراجع نسبة الولادة والإنجاب أمر له مخاطر ومحاذير اقتصادية كبيرة ليس أقلها تراجع معدلات الإنتاج وكوريا دولة ليس لها موارد طبيعية وخام كثيرة وموردها الرئيسي الذي حققت به معجزتها الاقتصادية هو المورد البشري وضعف وتقلص هذا المورد يعني كارثة اقتصادية واجتماعية على كوريا. لكل هذا فعندما يتقاطع أمر الشيخوخة مع أمر البدانة يصبح الأمران مصدر أخطر هائل. لكن يبدو أن كوريا بدأت تفطن لأهمية معالجة المشكلتين والتصدي لهما بكل الوسائل المتاحة حتى لا تصبح دولة بدانة وشيخوخة وألا تجمع بين الأمرين الأمرّين.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;