الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

شهر التوبة والغفران:

2015-06-23

سيول بانوراما

شهر التوبة والغفران:
نعيش منذ بضعة أيام في رحاب شهر رمضان، شهر التوبة والغفران ، وشهر الفرقان والقرآن، ورمضان هو قطعا سيد الشهور وأميرها المتوج على مرّ الدهور، وها هو يحل علينا لنستقبله بالتجلة والترحاب ضيفا عزيزا كريم الخصال عظيم الخيرات وافر العطايا. ضيفا يسعد كل مضيف باستضافته ، ويتهيأ كل من يستعد لاستقباله بأن يتزين ويتنور في أعماق أعماقه بأضواء نورانية مشعة وبصفاء روحاني نقي. ورغم أن صيام شهر رمضان في كوريا قد يكون تجربة مختلفة نوعا ما عن صيامه في دولنا الإسلامية وحتى عن الدول التي توجد بها جاليات إسلامية ضخمة ، إلا أن شهر رمضان في كل مكان وزمان هو شهر رحمة وبركة ومغفرة، والحمد لله، الذي متعنا بالصحة والعافية، وأتاح لنا فرصة صيام شهر رمضان جديد، يهل علينا، ونعيش في رحابه الكريم. أهلا ومرحبا بشهر رمضان ،شهر الصوم والعبادة، و شهر التوبة والمغفرة ، وشهر العفو والعتق من النار .شهر رمضان كما نعرف جميعا هو شهر صفاء روحي ونقاء نفسي ، وتصالح مع الذات ، وجرد للحصيلة ومراجعة للحساب ، بعيدا عن وسوسة الشيطان الخناس .
ورغم أن شهر رمضان يطل علينا هنا في كوريا هذه المرة في صيف قائظ شديد الحرارة، وخلال نهار طويل وليل قصير، وحيث تكون ساعات الصيام طويلة تصل إلى 17 ساعة كاملة، إلا أن صيامه عادة ما يكون أمرا سهلا بشكل نسبي في الكثير من نواحيه ، ولا يخلو من صعوبة ومشقة في نواحي أخرى . رغم حرارة الطقس هذا العام إلا أن الصيام من الناحية الطبيعية الفيزيائية لعملية الصوم نفسها ليست قاسية. فنحن نعيش الآن تباشير موسم الخريف، والأمل معقود حسب التوقعات في هطول أمطار وفيرة ربما تجعل الجو مناسبا وتقلل من وطأة الحرارة . كذلك فإن الطقس المشبع بالرطوبة لا يجعل الصائم يحس بكثير من العطش طوال اليوم ، ولا يشعر إلا بقليل من الجوع خاصة إذا كان قد تناول سحورا أو عشاء متأخرا . بالإضافة لذلك فإن السوق الكورية مليئة بما لذ وطاب من المشروبات والمأكولات التي تناسب المائدة الرمضانية من عصائر وخضروات وفواكه ومعلبات وحلويات متنوعة . هناك عدة مطاعم إسلامية يمتلكها ويديرها مسلمون تقدم بوفيه رمضاني يومي متنوع من الوجبات الحلال واللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية ، كما أن عددا من السفارات والجاليات العربية والإسلامية ، جزاها الله كل خير ، ظلت تعكف دائما على تجهيز وإعداد إفطار الصائم أو موائد الرحمن في مسجد سيؤول المركزي طوال الشهر الكريم ، يشرف عليها طهاة متخصصون ، ويؤمها الكثيرين من الصائمين ، وتكون مزدحمة وعامرة خلال عطلة نهاية الأسبوع حيث يقصدها الصائمون من الشباب العامل في المصانع الكورية الصغيرة والمتوسطة المنتشرة في كوريا .
أوجه الصعوبة هي افتقاد الشخص لذلك الجو الروحي النوراني الرمضاني الصافي ، ولتلك الصور البديعة التي لا تحس بروعتها إلا حين تفتقدها . أنا شخصيا أفتقد أصوات الآذان الشجية التي تتري من كل فج وصوب عميق لحظة حلول موعد الإفطار . افتقد أصوات التراتيل القرآنية التي تنبعث من الاتجاهات الأربع ، ومن جميع أجهزة الراديو والتلفزيون في الدقائق القليلة التي تسبق موعد الإفطار . افتقد ذلك الخشوع والسكون الذي يخيم على الشوارع لحظة الإفطار حتى لتكاد تسمع دبيب خطوات الصائمين الذين يسرعون الخطى في مختلف الاتجاهات لإدراك موعد الإفطار.
وبعد ساعتين من انتهاء الإفطار يضم مسجد سيؤول المركزي أفواج المصلين لأداء صلاة التراويح ، ولأداء صلاة التهجد خلال العشر الأواخر ، وعادة ما يكون المسجد خلال عطلة نهاية الأسبوع عامرا بالمصلين في مشهد إسلامي بديع . المشكلة الوحيدة هي أن المسجد يقع في منطقة مليئة بعلب الليل ، وبالبارات والكبريهات والملاهي الليلية ، ولذلك فكثير ما تستقبلك مشاهد لا تتسق مع جلال الشهر الكريم ، ولا تتوافق مع المشاعر الرمضانية الخاشعة مثل فتيات الليل والقوادين والسكارى.
شهر رمضان هو شهر رمضان ، في كل زمان ومكان . قد تتغير الصور والملامح من مكان لآخر ، لكنه ، في نفس كل مؤمن هو دائما شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وهو كما قلنا في بداية هذه الحلقة سيد الشهور وأميرها المتوج على مدار الدهور .
اللهم لك الشكر والحمد ، ونسألك أن تمتعنا دائما بالصحة والعافية ، وتمنحنا القدرة على صيامه وقيامه ، وأن تعيننا على تسخيره لعمل الخير ، وفعل الصالحات الباقيات . اللهم إليك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ونسألك أن تتقبل صيامنا وقيامنا. آمين.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;