"هاليو" هو مصطلح كوري يمكن ترجمته في الكورية باسم الموجة، وهو مصطلح اكتسب شهرة واسعة وصار رمزا للتألق والنجاح والانتشار الذي حققته مختلف الفنون الكورية الجنوبية من سينما ومسلسلات تلفزيونية وموسيقى وغناء ومسرح بأنواعه المتعددة ورسوم متحركة وما إلى ذلك. وبسبب كل هذا الإبداع الفني المشهود بدأت الهاليو أو الموجة الكورية في التدفق وانسياب عبر كل السواحل والمحيطات والبحار القريبة منها والبعيدة. لكن الموجة التي اجتاحت السواحل الكورية في الأيام الماضية لم تكن هاليو كورية وإنما موجة عربية استقبلتها السواحل الكورية بكل البشاشة والترحاب، ووجدت قبولا شعبيا واسعا وتجاوبا جماهيريا ملحوظا. كانت تلك الموجة هي عبارة عن المهرجان السينمائي العربي الرابع الذي تم تنظيمه في كوريا خلال الفترة من الرابع وحتى العاشر من يونيو من العام الجاري،ويعتبر هو المهرجان العالمي السنوي الوحيد المتخصص في عرض أفلام عربية فقط خارج العالم العربي، وتم هذا العام عرض عشرة أفلام عربية متنوعة من مختلفة البلدان العربية. وكما ذكرنا في الحلقة السابقة فقد كان الفيلم الافتتاحي هو من ألف إلى باء للمخرج الأماراتي الشاب على مصطفى وكان عبارة عن مغامرة شبابية مثيرة عبر رحلة بالسيارات من أبو ظبي إلى بيروت. تم كذلك عرض فيلم "ديكور" للشاب المصري أحمد عبد الله وهو فيلم عن الشباب وأحلامهم وتطلعاتهم ومثال جيد للكيفية التي يمكن بها إخراج فيلم ناجح بكثير من المقاييس بميزانية بسيطة ومتواضعة. و"تحت رمال بابل" كان هو كذلك فيلم مغامرات مثير للمخرج العراقي محمد جبارة الردادجي عن شاب هرب وانشق من الجيش العراقي بعد فشل غزو الجيش العراقي للكويت قبل أن يقبض عليه ويقضي سنوات صعبة داخل سجون صدام حسين بكل ما فيها من قسوة وجحيم. أما " روشيما" للمخرج الفلسطيني الشاب سالم أبو جبل" فهو فيلم وثائقي نضالي بديع عن يوميات عائلة فلسطينية في حيفا في فلسطين المحتلة. ومن الجزائر تم عرض فيلم لشاب جزائري واعد هو المخرج ليث سالم باسم " رجل من وهران" عن الجزائر بعد ثورة المليون شهيد، وعن شابين جمع بينهما الأمل بعد الاستقلال وفرّق بينهما الواقع والتطورات والخلافات السياسية. و" ذيب" للمخرج الأردني الشاب ناجي أبو نوار هو دراما اجتماعية رائعة تصور رحلة يتيم أردني من الطفولة عبر الصبا والمراهقة إلى عالم الشباب وكيف تعلم ووعا لوحده أقسى دروس الحياة. وقدم لنا المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو فيلما أظنه سيحقق نجاحا سينمائيا كبيرا في العديد من المهرجانات العالمية وهو بعنوان "تمبكتو" التي هي مدينة مشهورة ومعروفة في التراث الإسلامي والحضاري في الشمال الأفريقي وما تعرضت لها بعد أن سيطر عليها المتطرفون والمتشددون من الجماعات الإسلامية في مالي من أتباع القاعدة وبوكو حرام وغيرهم من الجماعات التي تمارس التطرف في ابشع صوره وتقدم صورة ظلامية بربرية للإسلام السمح الذي عرفته تلك المدينة طوال تاريخها الإسلامي الناصع والمتسامح. لم تقتصر الأفلام المقدمة في المهرجان على الرجال وحدهم فقد قدمت ثلاثة مخرجات عربيات أفلاما كانت مثار إعجاب الكثيرين. قدمت المخرجة اللبنانية نادين نعوس فيلما باسم " العودة للوطن" وهو كما يشير اسمه عن حب الوطن والديار خاصة بعد العودة له بعد اغتراب وابتعاد. وكذلك قدمت المخرجة المغربية تالا حديد فيلما باسم " إطار الليل" عن يتيمة مغربية تعرضت لشتى أنواع القسوة والاستغلال. أما الفيلم الذي وجد تجاوبا واهتماما شعبيا ملحوظا فقد كان للمخرجة اليمينة خديجة السلامي باسم " نجوم، مطلقة في العاشرة" وقد تناول قضية حساسة وممارسة في اليمن وعدد من البلدان العربية الأخرى حيث يتم تزويج طفلات دون سن العاشرة أحيانا لأسباب اقتصادية ومعيشية ويعشن طفولة بائسة حزينة مؤلمة . والفيلم مقتبس عن قصة حقيقية لطفلة في العاشرة زُوجت رجلا في الثلاثين أذاقها صنوف الذل والعذاب قبل أن تتنمكن من الهروب ونشر حكايتها الأليمة.
أكد المهرجان أن السينما العربية تسير في تطور سريع، ولم تعد مقتصرة على السينما المصرية، ولا على موضوعات اجتماعية محددة، بل صارت تتناول شتى القضايا والموضوعات على اختلافها. وكوريا التي صارت تسمى الآن هوليود الشرق صارت قلعة سينمائية عالمية معتبرة، ومهرجان بوسان السينمائي في كوريا صار مهرجانا لا يقل عن مهرجانات عالمية أخرى مثل برلين والبندقية وموسكو. ولأنه يحتوي على فعالية خاصة بالسينما العربية فمن المؤكد إنه سيمثل نافذة مهمة يتعرف من خلالها العالم على السينما العربية المتطورة.
الموجة الكورية "هاليو" صارت موجة سينمائية متدفقة في مختلف سواحل العالم وجميل أن تستقبل الشواطئ الكورية "هاليو" عربية تنساب من السواحل العربية البعيدة.
