الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

أطفال العصر الرقمي:

2016-02-16

سيول بانوراما

أطفال العصر الرقمي:
العصور البشرية، بالنسبة للعديد من الحضارات الإنسانية التقليدية القديمة من يونانية ورومانية وصينية وهندية ولاتينية وغيرها، هي خمسة أو ستة وأحيانا سبعة عصور هي العصر الحجري والعصر الحديدي والعصر البرونزي والعصر الفضي والعصر الذهبي . وكان الكبار والبالغون دائما هم قادة ورواد هذه العصور وكان الأطفال في كثير من الأحيان مجرد أدوات وربما ضحايا لهؤلاء الكبار. لكن الكثيرين يرون أن البشرية جمعاء، وبشكل أخص في الدول التي حققت تطورا تقنيا مذهلا في مجال المعلومات والاتصالات، ومن بينها كوريا، دخلت منذ نهاية القرن الماضي عصرا جديدا هو العصر الرقمي المعلوماتي، وهو عصر رغم كل ما فيه من فوائد ومنافع جمة لا حصر لها ، إلا أن به كذلك مضارا لا تحصى وأضرارا لا تعد. والأخطر من ذلك إن من أبرز قادة ورواد هذا العصر هم من الأطفال أنفسهم بحكم ما توفر لهم من قدرات وميول وسجايا طبيعية ونفسية جعلتهم الأكثر قدرة على استيعاب إمكانيات لا متناهية ولا محدودة لهذا المجال. ومع كل ذلك التطور التقني المتسارع والمذهل، ومع توسع وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وكاكوا وغيرها بدأت تتلاشى حواجز الزمان والمكان بالنسبة للكثيرين، وصار العالم الواسع العريض عبارة عن قرية عنكبوتية إلكترونية صغيرة .ولما كان أكثر رواد وزوار هذه الشبكات هم من الأطفال والمراهقين والشباب صغير السن، فقد بدأت تبرز للسطح في الكثير من المجتمعات المتطورة إلكترونيا ، ومنها كوريا، ظواهر سلبية أغلب ضحاياها من الأطفال، لكن الأكثر خطورة هو أن الأطفال، في أغلب الحالات، لم يكونوا ضحايا للكبار والبالغين كما في الماضي، وإنما هم ضحايا أطفال مثلهم، وذلك عبر بروز ظواهر خطيرة يسميها بعض الخبراء والمتخصصين ظواهر العنف الرقمي وهي من المشاكل والظواهر الآخذة في الانتشار في كوريا بالذات.
كوريا، كما في العالم أجمع، عرفت الكثير من ظواهر العنف والتحرش ومنها العنف الجنسي، والعنف المنزلي، والعنف المدرسي، وهي جميعا ظواهر فطنت لها كوريا في الوقت المناسب، وسعت لمحاصرتها والتصدي لها بطرق علمية تربوية متخصصة، وحسب الإحصائيات التي جرت خلال الفترة الأخيرة فإن عدد الجرائم والتجاوزات والحالات التي تم رصدها في تراجع واضح، غير أن ظاهرة العنف الرقمي الإلكتروني في تزايد مستمر، وقد تبين أن لها أخطارا مجتمعية خطيرة على الصغار والأطفال وبالتالي على المجتمع بأكمله إذ أن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل. قامت منظمات ومؤسسات كورية متخصصة مثل "مؤسسة العنف الشبابي" ومنظمة " إنقاذ الطفولة فرع كوريا" ببحوث ودراسات واستطلاعات تم فيها رصد الكثير من الحالات التي تستدعي التصدي لتلك الظاهرة، وأوردت المنظمة العديد من الحالات والأمثلة. "لي" فتاة في العاشرة من عمرها قالت إنها قامت ذات مرة برفع صورة الشخصية الكرتونية " أولاف" في الفيلم السينمائي الشهير "فروزن" مع تعليق ضاحك وعابر أغضب أحد محبي تلك الشخصية فقاد ضدها حملة إلكترونية رقمية عريضة شارك فيها عشرات الألوف ممن أوسعوها سبّا وإساءات ووصفوها بالقبيحة والدميمة والغبية والمعقدة مما خلق لها جراحا نفسية عميقة وحتى مشاكل صحية بسبب عدم القدرة على النوم والأكل وصارت تكره المدرسة حتى اضطرت أسرتها لعرضها على طبيب أخصائي وخضعت لعلاج نفسي متخصص. ومن الممارسات المعتادة والكثيرة في موقع "كاكوا توك" وهو من أشهر المواقع الرائجة في كوريا ممارسة يطلق عليها اسم" سجن كاكوا" حيث تقوم مجموعة من الأطفال والمراهقين داخل الشبكة العنكبوتية باصطياد واستدراج طفل برئ إلى ما يعرف باسم غرفة الدردشة ثم التباري في شتمه وسبه وتلفيق مختلف الاتهامات له ووصفه بأسوأ وأقبح الأوصاف ومطالبته بتنفيذ عدد من الأوامر وكأنه مستعبد. كل ذلك يتم وكأنه مجرد ضحك وتسلية لكنه يترك جراحا نفسية غائرة لدى الطفل البريء. وقد يمضي الأمر أبعد من ذلك فقد حكمت محكمة سيول في الشهر الماضي بسجن شاب وشابة في العشرين من العمر لمدة 5 أعوام بعد ثبوت قيامهما بالترويج لما يشبه عصابة أو شبكة دعارة للمراهقين والمراهقات تشجعهم على الهروب من أسرهم بحثا عن الحرية والالتحاق بمجموعات تعيش سويا فيما تسميه حياة جنسية حرة منفلتة وفق قوانينها ورؤاها الخاصة وهي في الحقيقة مجرد شبكات لممارسة الدعارة داخل أُطر الكترونية رقمية شبابية متطورة ظاهريا وشكليا لكنها في حقيقة الأمر لا تختلف عن أوكار الدعارة وعلب الليل ومواخير الجنس في صورتها التقليدية. وعلى الجانب الآخر فهناك حادثة الصبي الكوري "كيم" الذي ربما لم يسمع بكلمة اسلام طوال حياته على حد قول أسرته وانتهى به الأمر، رقميا، مقاتلا في صفوف "داعش".
أطفال العصر الرقمي محظوظون من حيث أنهم وجدوا أنفسهم يعيشون فعلا وواقعا حياة كان آباؤهم يمارسونها من خلال مشاهدة أفلام الخيال العلمي وقراءة كتب المغامرات الخيالية وقصص ألف ليلة وليلة من شاكلة أفتح يا سمسم ورسل الجن التي تجتاز الفيافي وتعبر البحار لتلبية أوامر أصحابها. لكن ذلك العصر الرقمي هو سلاح ذو حدين، فيه خير بلا حدود وشر يتجاوز كل الحدود، ويمكن أن يكون الداء والدواء، والرحمة والعذاب، وكل شيء ونقيضه، والضد وضده. والطفل مهما بلغ به الذكاء وكيفما كان متفوقا، فهو في النهاية طفل، بحاجة للترشيد والتوجيه، وهو واجب الدولة والمجتمع والأسرة التي يجب أن تتفهم أولا حقيقة العصر الرقمي للتعرف على الأسلوب الصحيح والكيفية الفعالة للتعامل معه رقميا.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;