الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

للكوريين فقط:

2016-03-01

سيول بانوراما

للكوريين فقط:
لأنني أعرف أن كوريا دولة ظلت تسعى وتتطلع منذ وقت ليس بالقصير لأن تصبح مجتمعا متحضرا متعدد الثقافات متجانسا ومتوافقا ومتصالحا مع العالم الخارجي ، ولأن كوريا بالذات كانت هي من بين أكثر دول العالم اعتمادا على العالم الخارجي الذي يمثل لكوريا من الناحية الاقتصادية الشريان والرئة التي تتنافس بها، إذ أنها دولة تعتمد بالكامل في صادراتها وواردتها على العالم الخارجي، كما ظلت دوما دولة لا تخفي امتنانها للعالم الخارجي الذي وقف مدافعا عنها وصدّ عنها العدوان الشيوعي الذي كاد أن يبتلعها عندما اندلعت الحرب الكورية، كما أن العالم الخارجي هو من قدم لها المعونات السخية عندما خرجت من ركام تلك الحرب دولة فقيرة بائسة جائعة تتلمس طريقها وتعتمد لحد كبير على المساعدات الخارجية، إلى أن قوي ساعدها ونجحت في الاعتماد على نفسها وتمكنت من بناء دولة قوية اقتصاديا وصناعيا وتقنيا عبر تجربة تنموية رائعة صفق لها العالم الخارجي وأطلق عليها اسم المعجزة الاقتصادية فوق نهر الهان. لأنني أعرف كل ذلك فقد استغربت بل دُهشت، عندما كنت ألبي دعوة عشاء من صديق عزيز في منطقة هونغدي في سيول عندما مررت مصادفة بالقرب من تجمع شبابي كبير جُله من الكوريين من الجنسين وهم في قمة الأناقة والتأهب لدخول محل يبدو أنه مرقص شهير بحكم ما يبدو عليه من بهرجة وتألق من خلال أنواره المبهرة التي تترقص مع وهج الأضواء الملونة مع اسمه بالكورية والإنجليزية وهو Green Light . حتى ذلك الوقت كان الأمر عاديا ، لكن ما أدهشني حقا هو لافتة وباللغة الانجليزية أمام بوابة المرقص مكتوب عليها وبلغة إنجليزية سليمة وأحرف واضحة " لا يسمح إلا بدخول الكوريين فقط، لأننا لا نستطيع التواصل إلا باللغة الكورية". وجدت ذلك بالطبع أمرا غريبا وغير مفهوم ، فالموسيقى والرقص وقضاء وقت طيب هي لغات عالمية وأشياء لا تستدعي التواصل اللغوي، واللغة الكورية نفسها لغة لا تقتصر معرفتها على الكوريين فقط. المهم أنني اندهشت ثم نسيت الأمر لأنه لم يكن يعنيني في شيء وقتها. لكنني أطلعت أمس الأول على مقال في جريدة "كوريا هيرالد" كتبته شابة أمريكية عن تجربة أحزنتها كثيرا كما قالت عندما توجهت مع صديقها وهو من دولة أوربية بهدف دخول نفس ذلك المرقص قبل أن يصطدما بتلك اللافتة العجيبة. ومع استهجان تلك الفتاة وصديقها لما هو مكتوب، تصادف إنهما يجيدان اللغة الكورية بشكل كامل ويتحدثان بها مثل الكوريين. وعندما أخرجت المبلغ المطلوب، وطالبت تذكرتين بلغة كورية سلسة، فاجأها الموظف المسئول بأنه لا يسمح لهما بالدخول لأنهما غير كوريين، وعندما احتجت وقالت أنها تستطيع التواصل بالكورية بشكل لا يقل عنه، أصر على موقفه وقال إن سياسة المحل، لا تسمح بدخول أي أجنبي مهما كان، بغض النظر عن مدى قدرته على التواصل باللغة الكورية، رغم أن نفس اللافتة تقول إن الحظر ليس لأي اعتبارات عنصرية وإنما لاعتبارات عملية، وهو ما ثبت كذبه، حسب التجربة التي تمت مع تلك الفتاة. أعتقد أن ذلك أمر خطير على سمعة كوريا ووضعية كوريا في العالم، ويهدد كل ما ظلت تسعى له كوريا لجعل كوريا لاعبا عالميا مؤثرا في كافة المجالات، وكدولة حضارية ثقافية متطورة، وكمقصد للسياحة العالمية من كل أنحاء العالم، وكوريا دولة لا يكاد يمر فيها أسبوع دون أن تستضيف مناسبة أو مهرجانا أو تجمعا عالميا في مختلف المجالات، ولديها عشرات المراكز الثقافية المتعددة في مختلف قارات العالم، ولها برامج واسعة لنشر وترويج الثقافة والفنون واللغة الكورية وحتى الطعام الكوري، وهي ما انفكت تحاول بشتى السبل لجعل كوريا دولة عالمية متعددة ومتنوعة الثقافات ، وكل ما ذكرناه هو مجرد قيض من فيض، وقليل من كثير. لهذا فإن تصرف مثل ذلك الذي قام به ذلك المرقص، حتى لو كان نابعا من جهل أو سوء تقدير، هو تصرف قد يكلف كوريا الكثير، وقد يقوض كل ما ظلت تسعى لبنائه عبر سنوات طوال. لذلك فإن السلطات الكورية، من أجل الحفاظ على معجزتها الاقتصادية فوق نهر الهان، مطالبة بأن تتصدى بكل الجدية المطلوبة لمثل تلك التصرفات الحمقاء الرعناء الغبية التي تضر بكوريا وتسئ إليها، وتقذف بكل شعاراتها ومساعيها وبرامجها وخططها وجهودها المبذولة عبر سنوات طويلة، في القاع الأسفل من نهر الهان.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;