الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الربيع الكوري :

2016-04-26

سيول بانوراما

الربيع الكوري :
الربيع الكوري الذي نحن بصدد الحديث عنه خلال هذه الحلقة ليس كمثل ذلك الربيع العربي الذي شغل العالم قبل بضعة سنوات وكان حديث المجالس والمنتديات واستبشر وتفاءل به الكثيرون واعتبروه بداية لفصل جديد ممتع في التاريخ العربي ومنعطف لتغيير الحياة العربية لحياة منعشة عليلة وممتعة، قبل أن يتحول الربيع المزعوم لعواصف ورياح صرصر عاتية وأعاصير جليدية وثلجية وصقيع تتجمد له الأطراف، وحر قائظ يلهب الأبدان بسياط من جهنم، وزوابع رملية وترابية غبراء ، ووابل من سيول وأمطار وفيضانات، وكل أشكال الأجواء والمناخات المسببة للبؤس والكآبة. الربيع الكوري الذي نتحدث عنه خلال هذه الحلقة حقيقة وليس مجازا هو ربيع تتسربل فيه الحياة بالخضرة النضرة والورود الزاهية والأزاهير الفياحة المعطرة والأنسام البديعة المنعشة، والذي هو ، بلا منازع، أجمل فصول العام، والذي لا تتفتح فيه الأزهار والنوار والبراعم فقط وإنما معها قرائح الشعراء ورؤاهم وأخيلتهم وأفكارهم الملهمة في شكل قصائد وأغاني للربيع على شاكلة عصماء الشاعر العربي الخالد البحتري والتي قال فيها:
أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكاً مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَــــــلَّما
وَقَد نَبَّهَ النَيروزُ في غَلَسِ الدُجى أَوائِلَ وَردٍ كُنَّ بِالأَمسِ نُــــــــوَّما
يُفَتِّقُها بَردُ النَدى فَكَأَنَّــــــــــــــــهُ يَبُثُّ حَديثاً كــــــــــانَ بالأَمسِ مُكَتَّما
وَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرَبيعُ لِباسُــــــــهُ عَلَيهِ كَما نَشَّرتَ وَشياً مُنَمــــــنَما
أَحَلَّ فَأَبدى لِلعُيونِ بَشاشَــــــــــةً وَكانَ قَذىً لِلعَينِ إِذ كانَ مُحــــرَما
وَرَقَّ نَســــيمُ الريـــــــحِ حَتّى حَسِــــــــــبتَـــهُ يَجـــــيءُ بِأَنفـــاسِ الأَحِبَّــــــــــــــــــــــــةِ نُعَّمـــــــــــــا
أو رائعة الشاعر أحمد شوقي ومنها : عـاد الربيـع إلى الربــا بجمالـه الزاهـي الرطيـب. واخضوضرت تلك الهضاب وكـان منظرهــا كئيـب. ما أجمل الدنيـا بزينتهــا وزخـرفهــا العجــيب. الـزهــر في ألوانــــــــــــــه والـورد فـوّاح الطيـوب.
الربيع الكوري بدأت مظاهره ومؤشراته تطل الآن وهو يختال ضاحكا طروبا متكلما ومغنيا، وبدأت أوائل ورده النوّم في التفتح والصحيان، وهو كذلك يحمل معه دوما تراثا غنائيا وشعريا طروبا ومتنوعا وذلك شيء طبيعي إذ أن جمال موسم الربيع في كوريا لا تخطئه عين مهما أصابها الرمد وحتى العمى، إذ تتحول كوريا خلال الربيع إلى لوحة طبيعية ساحرة وخلابة أينما أجْلِت وبسطت نظرك. لذلك فإن جمال التراث الشعري الغنائي الربيعي الكوري هو مجرد رسم وتصوير وتجسيد لجمال الربيع الكوري المزدان والمتفرد، وكما ذكرت في حلقة سابقة تحت اسم أغاني الربيع فقد أتيحت لي فرصة نادرة وطيبة لحضور حفل رائع جرى تنظيمه تحت شعار " أغاني الربيع" حضره عدد كبير من الضيوف وجرى خلاله تقديم عدد كبير من الأغاني والقصائد الخاصة بموسم الربيع تعبيرا عن الترحيب بمقدمه بواسطة فنانين وفرق غنائية وموسيقية متنوعة ومتعددة من غناء شعبي وتقليدي وفولكلوري وبوب وجاز، كما تم كذلك إلقاء قصائد شعرية رصينة حول الربيع وترتيل عدد من القصائد المشهورة بعد تلحينها وموسقتها . تم كذلك إفراد جزء من ذلك الحفل الربيعي للاحتفال بأحد أهم وأبرز الشعراء الكوريين الحديثين ممن كتبوا الكثير من الشعر والقصائد البديعة الخاصة بالربيع ووصفه ووصف الطبيعة خلال الربيع وهو الشاعر العظيم "جونغ هو سونغ" والذي ظلت صحيفة كوريا تاميز تنشر له في كل أسبوع على مدى عام كامل واحدة من قصائده البديعة وقد تحدث خلال ذلك الحفل وألقى كلمة شاعرية رقيقة قال فيها إن كل قصيدة تصف الربيع هي في الواقع عبارة عن مشروع أغنية، وكل أغنية ربيع هي قصيدة دغدغتها نسمات الربيع المنعشة، وارتجل بصوت وإحساس شاعري مؤثر ومفعم بالعاطفة واحدة من أجمل قصائده التي كتبها في وصف الربيع بعنوان "ممر ربيعي" وقام فنان الأوبرا السوبرانو المعروف "كانغ هاي جنغ " بأدائها بشكل إيقاعي موسيقي نابضة بالحيوية. تقول الأغنية :
عند نهاية كل ممر ربيعي يبدأ ممر جديد
وعند انتهاء الممر الجديد تنبثق من أنفاس الربيع
ممرات ربيعية عديدة
تتمايل حولها الأشجار الظليلة الوارفة
وتتفتح فوقها الرياحين والسنابل
وتنساب على امتدادها الوديان والأنهر الرشيقة
وهي تتدفق بلا نهاية وبلا مصب
وتحلق فوقها بين السماء والأرض
اسراب الطيور التي لا تعود.
وتتناثر الأنجم مثل الشهب
ومثل الملائكة المجنحة
ومثل كائنات سماوية عاشقة
تعشق أن تسلك ممرات الربيع
لأنها تعرف أن الربيع يعشقها
مثل ما هي تعشق الربيع.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;