الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الرئيسة في الخِمار:

2016-05-10

سيول بانوراما

الرئيسة في الخِمار:
من الصور الكثيرة التي تصدرت وتوسطت وسائل الإعلام المختلفة من مكتوبة ومقروءة ومصورة ومتلفزة وإلكترونية في الأسبوع الماضي صور الرئيسة الكورية بارك كون هاي وهي ترتدي الخِمار . والخمار لمن لا يعرف من أصدقائنا الكوريين شكل من أشكال الحجاب الإسلامي والاحتشام المطلوب لدى المرأة المسلمة وهو غطاء الرأس والنَحر والصدر واللباس التقليدي المحتشم الذي تضعه النساء المسلمات على رؤوسهن عند مقابلة الرجال الغرباء أو الظهور في الأماكن والمناسبات العامة، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم كجزء من الآية "31" من سورة النور والتي جاء فيها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جيُوبِهِنَّ ، ويرى الكثيرون أن الخَمار والوشاح ليس مجرد غطاء وستر وحشمة وإنما هو شكل جمالي وشيئا يضفي على المرأة المزيد من الرونق والحُسن وهو موجود بمختلف الأشكال في التراث العربي الشعري كما جاء في تلك الأبيات الشعرية الخالدة :
قل للمليحة في الخمار الأسود ** مـــاذا صـنـعــت بــزاهــد مـتـعـبـد
قـــد كـــان شـمــر لـلـصـلاة ثـيـابـه ** حتى وقفت له بباب المسجد
ردي عـلـيــه صــلاتــه وصـيـامــه * لا تـقـتـلـيــه بـــحـــق ديــــــن مــحــمـــد
والخمار الذي ظهرت به الرئيسة الكورية خلال الأسبوع الفائت كان بمناسبة الزيارة التي قامت بها للعاصمة الإيرانية طهران والتي التقت خلالها بالقيادة الإيرانية العليا ممثلة في الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وذلك حسب العادات والتقاليد الاسلامية والشيعية السائدة في إيران عند مقابلة المسئولين الكبار في الجمهورية الاسلامية الإيرانية. كانت تلك الزيارة هي الأولى من نوعها لأي رئيس كوري لإيران منذ قيام العلاقات بين البلدين عام 1962 والأولى بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي وهي العقوبات التي كانت كوريا قد شاركت فيها في إطار التزامها بالقرارات الدولية. ربما جاء ارتداء الرئيسة للخِمار في إطار سعيها وحرصها وبذلها مختلف أشكال الجهود من أجل إنجاح تلك الزيارة بكافة الوسائل الممكنة لمساعدة الشركات الكورية على الفوز بأكبر عدد ممكن من الفرص والتعاقدات والصفقات المجزية في السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات الدولية التي ظلت مفروضة لبعض الوقت على إيران وذلك ضمن سباق عالمي محموم بين الكثير من الشركات العالمية الكبرى في العالم ومن ضمنها شركات أمريكية وأوربية وصينية ويابانية، وقد بدا ذلك جليا في الوفد الضخم الذي صحب الرئيسة خلال زيارتها لإيران والذي بلغ عدد أعضائه 236 شخصا ما بين مسئول ورجل أعمل وممثل شركة ومستثمر وهو الوفد الأضخم الذي يرافق أي رئيس كوري من قبل لأي زيارة او قمة أو مناسبة رئاسية خارجية. وقد أثمر ذلك فعلا عن نتائج باهرة للزيارة مما حدا بالكثيرين لوصفها بالزيارة الناجحة والتاريخية حيث قدَرت جهات مسئولة حجم المردود المالي الكلي للزيارة بما يقارب خمسين مليار دولار ما بين التزامات حقيقية ووعود وتعهدات بخصوص عدد كبير من المشروعات الإنشائية والخاصة بالبنيات التحتية والطاقة والمياه ومحطات السكك الحديدية والطرق البرية، كما تم التوقيع على 66 مذكرة تفاهم في مختلف الميادين والمجالات، وجرى تنظيم منتدى اقتصادي كبير بحضور مئات من رجال الأعمال من البلدين. وكان كسب الزيارة من الناحية السياسية أيضا جيدا حيث نجحت في انتزاع تصريحات من القيادات الإيرانية العليا تدعو لنزع كافة أشكال السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية وتعبر ولو بطريقة غير مباشرة عن رفضها للبرنامج النووي الكوري الشمالي بعد أن كانت كوريا الشمالية تعتقد إن إيران دولة حليفة ومناصرة لبرنامجها النووي.
ربما رأت الرئيسة إن إنجاح الزيارة لا يتطلب فقط التركيز على النواحي الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والسياسية ولهذا رأت أن تعطي للأبعاد الثقافية والاجتماعية والشعبية اهتماما مماثلا فجاء ارتدائها للحجاب تعبيرا عن احترامها للثقافة والتقاليد والموروثات الدينية والثقافية والاجتماعية في إيران. كذلك حرصت الرئيسة على إضفاء طابع ثقافي على الزيارة من خلال حضور بعض الفعاليات الثقافية والشعبية والعروض الشبابية ومناسبات التايكوندو وزيارة المتاحف وتنظيم مناسبات خاصة بترويج الطعام الكوري ومساعي كوريا للمشاركة في تسويق اللحوم الحلال في العالم. في رأي الكثيرين إن زيارة الرئيسة لإيران جاءت موفقة بما في ذلك ارتداء الخِمار، رغم أن البعض من اهل المعارضة حاول انتقاد ذلك من خلال الادعاء بأن النِقاب والحجاب هي ممارسات تمييزية ضد المرأة، وهي انتقادات تنّم عن جهل فمثل تلك الألبسة والأوشحة والأقنعة والرموز موجودة عند كل الشعوب والحضارات والديانات من اسلامية ومسيحية ويهودية وحتى غير السماوية من هندوسية وبوذية وكونفوشية وسيخية وخلافها والنساء الكوريات عبر تاريخهن الطويل عرفن الكثير من الأزياء التقليدية المحتشمة مثل Hanbuk وحتى بعض أغطية الرأس التقليدية مثل Ayam ، وعلى كل حال فقد بدت الرئيسة خلال الزيارة في قمة أناقتها المعهودة وهي ترتدي الخِمار ذي اللون الأبيض الزاهي الناصع حتى أن صحفي في صحيفة إيرانية ناطقة بالعربية كتب عمودا عن الزيارة تحت عنوان " قُل للرئيسة في الخِمار الأبيض".
.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;