الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

زيتنا في بيتنا :

2016-08-09

سيول بانوراما

زيتنا في بيتنا :
قبل عدة سنوات من الآن ، وعندما كانت الدول العربية المنتجة للبترول تعيش في ما كان يعرف باسم الطفرة النفطية، غضب أحد الرؤساء العرب من التقارير عن المبالغ الخرافية والأموال الطائلة التي كان ينفقها أفراد شعبه في العطلات والإجازات والرحلات السياحية الخارجية التي كانت أعداد هائلة من الشعب تقضيها في البلدان الأوربية بالذات، ووجه لهم خطابا حماسيا مؤثرا طالبهم فيه بعدم إهدار كل الموارد المالية التي يجب توجيهها للتنمية ومن أجل المستقبل والأجيال القادمة. قال لهم لا أقول لكم أتركوا السياحة والترويح عن النفس وإنما يجب أن يتم ذلك على أسس رشيدة واقترح عليهم فعل ذلك من خلال برامج تنفذها الدولة والقطاع الخاص من خلال تشجيع السياحة المحلية والداخلية في وطنهم الذي يملك امكانيات ممتازة لكل ذلك بقليل من التفكير والاجتهاد. وكان يردد في خطابه ذلك بين الحين والحين "دعونا نصب زيتنا في بيتنا لا نعمر به بيوت الآخرين والغرباء . "ورغم أن ذلك الخطاب لم يجد أذنا صاغية ولا متابعة من جهات الاختصاص إلا أن كل الخبراء والمختصين كانوا على يقين بأنه كان روشتة ووصفة ناجعة لو اتبعتها تلك الدولة لكان حالها اليوم غير ما هو الحال، ولما تحول ما كان تحلم به من ربيع إلى شتاء قارص وصيف حرور وأعاصير مدمرة كما هو حالها الآن.
ويبدو أن القيادة الكورية تستشعر اليوم نفس ملامح ذلك الخطاب الذي أدلى به ذلك الرئيس العربي الراحل في لحظة صحو وتجلي نادرة وهي تراجع بلغة الأرقام التي لا تكذب ولا تجامل أو تتجمل العديد من التقارير الأخيرة المتعلقة بالسياحة الكورية في الخارج. فحسب آخر تقرير متخصص صادر من الهيئة القومية للسياحة في كوريا فإن أعداد السائحين الكوريين الذين يتوجهون لقضاء إجازاتهم في الخارج في حالة تزايد مستمر رغم تراجع الظروف الاقتصادية للبلاد ورغم تزيد المخاطر المتعلقة بالعمليات الإرهابية في مختلف بلدان العالم. وصل عدد السائحين الكوريين في الخارج خلال النصف الأول من العام الجاري حوالي 11 مليون نسمة أي حوالي رُبع سكان البلاد أي أكثر من نصف سكان البلاد إذا استثنينا من هم دون العاشرة أو فوق السبعين من العمر. كذلك فإن الزيادة في عدد السائحين الكوريين الذين سافروا للخارج خلال هذا العام بلغت 17% مقارنة بالعام الماضي رغما عن تراجع الأحوال الاقتصادية لكوريا. وأشار التقرير إلى أن مطار إنشون الدولي يوم الحادي والثلاثين من يوليو المنصرم شهد مغادرة 190 ألف مواطن كوري للخارج عن طريق الجو وحده عدا ممن قد سافروا برا أو بحرا .
من المؤكد إن مثل تلك التقارير تؤكد بلغة الاقتصاد والحساب أن الأمر يشتمل على مخاطر حقيقية. فحسب تقرير متخصص آخر صادر من اتحاد الصناعات الكورية فإن السياح الكوريين في الخارج أنفقوا خلال عام 2015 ما يقارب أربعين مليار دولار. كذلك فإن غياب رُبع أو خُمس سكان البلاد في أي وقت يعني بنفس لغة الأرقام تراجعا حادا في معدلات الإنفاق والاستهلاك الداخلي في كوريا وهو أمر له تبعات وآثار اقتصادية ضارة ووخيمة على اقتصاد البلاد.
لكل ذلك تعكف الجهات الكورية المختصة على إعداد برامج وخطط وبدائل تتعلق بتشجيع وتحفيز السياحة المحلية والداخلية في كوريا وهو أمر يمكن أن يعود على البلاد بمنافع اقتصادية ومالية جمة ومتعددة لكنه يحتاج في نفس الوقت لخطط فعالة وبرامج مدروسة وتعاون وثيق بين كل جهات الاختصاص في الدولة من مركزية ومحلية وحكومية وأهلية ولتأهيل وتشييد كل البنيات التحتية اللازمة لذلك من مرافق وتسهيلات ومنشآت ومعالم جذب سياحي متنوعة وفوق كل ذلك حملات لتوعية وتربية وتهيئة ونشر ثقافة السياحة الداخلية التي تتخلص من مفاهيم متخلفة مثل ظواهر التباهي والتظاهر والتفاخر والتقليد الأعمى وقد فطن اتحاد الصناعات الكورية لذلك حيث عمّم مؤخرا منشورا على كافة الشركات والمؤسسات الكورية يقترح عليهم المشاركة في تنظيم برامج سياحية داخلية متنوعة وتشجيع وحث كبار الموظفين والمسئولين في الدولة على قضاء إجازاتهم ورحلاتهم السياحية في داخل البلاد ليكونوا قدوة ومثالا ونموذجا لبقية المواطنين بحيث يصبح شعارهم جميعا زيتنا في بيتنا.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;