الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الضروري لفهم العقل الكوري:

2016-08-16

سيول بانوراما

الضروري لفهم العقل الكوري:
الأجنبي الذي يعيش في كوريا لبعض الوقت وتتاح له الفرصة لمعايشة ومتابعة الحياة والأسلوب الذي يعيش به الكوريون ، ثم تتاح له كذلك فرصة معايشة ومخالطة بعض الكوريين، والاطلاع على طرائق ووسائل تفكيرهم ومفاهيمهم ونظراتهم لبعض الأشياء قد يجد نفسه في كثير من الحيرة ويجد صعوبة في فهم طريقة ذلك التفكير فيما يتعلق بالعديد من الأشياء والمفاهيم. ونظرا لضيق الوقت سأحصر ملاحظاتي خلال هذه الحلقة وربما حلقة أو الحلقة القادمة على على ثلاثة أشياء أساسية ربما نعود لغيرها في حلقات أخرى في أوقات لاحقة مناسبة.

الظاهرة والملاحظة الأولى تتعلق بالشباب الكوري. فالأجنبي الذي يتابع ويلاحظ الأشكال الحياتية للشباب الكوري سيتأكد له إنه شباب يعيش في نعيم وبطر ورغد ورفاهية من حيث الأناقة والجاذبية والحياة السهلة المتوفرة ووسائل الترفيه المتنوعة فكل شاب أو شابة تراه أمامك في قمة الأناقة وفي حالة تماهي كامل مع الموضة وممسكا بتلفونه الذكي وهو يحضر مناسبات احتفالية فنية موسيقية راقصة ويتمايل مع أنغام البي بويز والبوب الكوري ويشاهد أجمل وأحدث الأفلام السينمائية ودائم الحضور في المقاهي الإلكترونية والمنتزهات المتطورة الزاخرة بأحدث الألعاب. وكثيرا ما ترى شبابا وشابات وهم في حالة اندماج رومانسي وتشابك عاطفي ورقص مشترك أحيانا في الحفلات الكثيرة والمتعددة التي تقام في عطلات نهاية الأسبوع في الساحات والحدائق العامة، والمراقص والمحلات الديسكو ودور السينما منتشرة في العديد من الساحات خاصة الشبابية منها مثل تلك المجاورة والقريبة من جامعة هونديك وضاحية كانغنام المترفة وكل هذا مجرد نماذج وعينات وغيض من فيض ما يعيشه الشباب من رفاهية وحياة تبدو هنية.

لكن الأجنبي ممن يستمع لأحاديث وحوارات الكثير من الشباب فهو كثيرا ما يستغرب لما يسمع من كلمات وألفاظ كثيرة التردد وسط الشباب وهم يسمون الحياة التي يعيشونها في كوريا بالجحيم وجهنم ويصفونها بأنها حياة لا تطاق ومسببة للملل والضجر والسخط بل أن بعضهم يقول إنه دائم التفكير في الهجرة والاغتراب والفرار إلى منافي بعيدة، وحتى إن بعضهم يقول إن فكرة الانتحار كثيرا ما تراوده. ربما يكون مرد وسبب كل ذلك هو طبيعة الضغوط الاجتماعية والأسرية المتتالية التي يتعرض لها الشاب أو الشابة منذ الطفولة. فالمجتمع أو الأسرة الكورية تضع اهتماما فوق العادي وفوق المحتمل على ضرورة أن يلتحق الابن أو الابنة بأفضل المدارس وأميز الجامعات وأن يحرز أفضل الدرجات والنتائج في كافة العلوم. ولأن المجتمع الكوري مجتمع قائم على التباهي والتفاخر والتقليد والمحاكاة والتنافس فإن الشاب أو الشابة يكون في حالة مقارنة دائمة بغيره ومطالبا من قبل الأسرة بالتفوق على أقرانه وأنداده وإلا اعتبر فاشلا. كذلك وبسبب طبيعة المجتمع التي تتسم بالتقليد وروح القطيع فإن الشباب وخاصة الإناث منه يكون في حالة معاناة بسبب ما يعتريه من رغبة وميل دائم لمحاكاة وتقليد بقية الشباب بغض النظر عن الفروق الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والطبقية وغيرها وكثيرا ما يعتريه إحساس بالنقص والدونية لعدم قدرته على مجاراة ومسايرة غيره من الشباب من حيث الإمكانيات. كل ذلك قد يخلق لديك كأجنبي إحساس بأنه شباب منفصل تماما عن تاريخه كما تعرفه وقرأت عنه أنت، وقد يخيّل لك أن الشباب الكوري لا يعرف إن ما حققته كوريا من تطور ونمو كان شيئا أكبر حتى مما يطلق عليه اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان. أصاب بكثير من الاندهاش عندما أسمع الشباب الكوري وهو يتحدث عن كوريا كجحيم واقارن ذلك بما شاهدت في فيلم سينمائي وثائقي تسجيلي يصور من خلال لقطات وأفلام حقيقية طبيعية تصور طبيعة ومظاهر الحياة في كوريا التي عاشها آبائهم وجدودهم قبل أقل من ستين عاما من فقر مدقع وحياة بائسة وافتقار لأبسط متطلبات الحياة اليومية مثل الحمامات داخل المنازل ولا أقصد

حمامات الدش والبانيو والسيراميك والرخام وإنما الحمامات العادية المطلوبة لقضاء الحاجة اليومية. عندما شاهدت ذلك الفيلم التسجيلي لم أملك سوى الانحناء إجلالا لعظمة الشعب الكوري الذي نجح خلال بضعة عقود من الزمان من تطوير كوريا من دولة تمثل أنموذج للفقر والتخلف والفاقة إلى دولة من بين أكثر دول العالم رقيا وتطورا ورفاهية بالكثير من المعايير. ما تحقق شيء يستحق الفخر وينبغي أن يعزز العزم على مواصلة مسيرة التطور ورد الجميل للآباء والجدود الذين أسهموا في تحقيق المعجزة لا وصف ما تحقق بالجحيم.

ربما لا يكون الخطأ مقتصرا على الشباب وحدهم وإنما مشترك بينهم والآباء والجدود الذين صمدوا أمام المتاعب وطوعوا التحديات وقهروا المستحيل من أجل جعل العسر يسرا وأرادوا من أطفالهم مواصلة السير بنفس الخطوات وبذات العزيمة دون أن يدركوا اختلاف ظروف النشأة والتكوين وتباين أساليب العقلية والتفكير حسب الأحوال الاجتماعية والمعيشية السائدة في الأزمنة القديمة الغابرة والواقع الراهن المعاش. هو أمر عجيب حقا وربما يكون عصيا على الفهم وقد يربك التفكير ويجعل من الضروري إعمال العقل لفهم العقل الكوري ونواصل في الحلقة القادمة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;