الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الضروري لفهم العقل الكوري

2016-08-23

سيول بانوراما

الضروري لفهم العقل الكوري
تحدثنا في الخلقة الماضية عن الحيرة التي قد تصيب الأجنبي الذي يعيش في كوريا وتتاح له فرصة معايشة ومتابعة الحياة والأسلوب الذي يعيش به الكوريون والاطلاع على بعض طرائق ووسائل تفكيرهم ومفاهيمهم ونظراتهم وما فيها من خلط وارتباك أحيانا. الظاهرة والملاحظة الأولى التي تناولناها في الحلقة الماضية كانت تتعلق بالشباب الكوري الذي يبدو بالنسبة للأجنبي شبابا يعيش في نعيم وبطر ورغد ورفاهية من حيث الأناقة والجاذبية والحياة السهلة المتوفرة ووسائل الترفيه المتنوعة، ثم يسمع نفس ذلك الشباب وهو يصف الحياة التي يعيشها في كوريا بالجحيم وجهنم ويصفها بأنها لا تطاق ومسببة للملل والضجر والسخط، وأوضحنا كيف إن مثل ذلك التناقض يحتاج لفهم خاص وحاولنا شرح بعض مسببات وجوانب الأمر داخل ذلك الإطار.
الملاحظة الثانية المثيرة للحيرة هي أن الكثيرين من الكوريين لا يميلون لمقارنة أنفسهم بالدول الشبيهة بظروف تطورهم وخلفياتهم وأوضاعهم التنموية والجغرافية و الاجتماعية والثقافية المماثلة أو المشابهة وإنما بالدول التي قطعت شوطا كبيرا في مجال التطور التنموي. فالكوري لا يميل الآن لمقارنة أوضاعه مع الصين أو الهند أو فيتنام أو منغوليا أو حتى اليابان نفسها وإنما لا يجد حرجا أو سببا يمنعه من مقارنة المستوى الحياتي الذي يعيشه مع الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا وهو ما يسبب له في العادة الكثير من الاحباط والشعور بالدونية والإحساس بأن حكومته وقيادته فشلت في أن ترفعه لشكل ونوعية المقام الحياتي الذي يستحقه. لا يفهم الكوري إنه حتى قبل نحو خمسين عاما كان يعيش حياة فقر وضنك وفاقة وتخلف كانت تجعل كوريا تعيش ضمن الدرك السحيق من دول العالم وإنها حققت تطورا جعلها من بين الدول العشر الأكثر تطورا في العالم وإنه يجب أن يشعر بالفخر الزهو والامتنان وهو يشاهد كوريا قد فاقت الكثير جدا من الدول التي كانت تبزها وتتفوق عليها ليدفعه ذلك للإصرار على مواصلة المسيرة بنفس الشكل بدلا عن أن يتجرع الإحباط وهو يقارن نفسه مع دول بلغ عمر تجربتها التنموية أضعاف أضعاف ما توفر لكوريا. عندما يقارن الشخص الناجح والمتفوق حاله بالشخص الذي تعرض لنفس ظروفه فهو يحس بالفخر والإنجاز والقدرة على قهر التحديات، لكنه إذا ما قارن حاله بشخص توفرت له ظروف وبيئة وقدرات لم تتوفر لها فقد يولّد له ذلك إحساس بالفشل وهناك مثل عالمي يقول إن كنت تشعر بالبرد فالأفضل لك أن تتذكر من يعيشون في سيبيريا بدلا من هاواي.
وظاهرة ثالثة تربك الأجنبي لفهم العقلية الكورية وهي أن بعض الكوريين لا يفهمون حقيقة ما حققوا من تطور وتقدم في الإطار اللازم والمطلوب، فالبعض يرى إن كوريا صارت بما تحقق لها سيدة أو مركز العالم ورمزا للتقدم والريادة في مختلف المجالات وإن العالم باسره صار ينساق أو ينقاد خلفها كما حدث عندما اختارها لقيادته سياسيا واقتصاديا في شخوص السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي، ولا يفهون الظروف والملابسات التي أدت إلى ذلك. كذلك فإن البعض يعتقد إن كل الدول العظمى في العالم من أمريكا وروسيا والصين واليابان وأوروبا لا تريد توحيد كوريا لأن كوريا الموحدة ستكون قوة عالمية عظيمة ذات شأن قد يهدد مصالحهم .
لا يختلف شخصان إن كوريا الدولة الصغيرة الفقيرة المقسمة المحدودة الموارد في أقصى الساحل الشرقي من المعمورة نجحت في تحقيق معجزة لم تتحقق لدولة غيرها وفي مثل ظروفها في العالم أو ربما عبر التاريخ وهو أمر يستحق الفخر والتباهي لكن في إطاره المادي والمعنوي والنسبي والتاريخي والحقيقي لا في إطار أوهام أو تخيلات.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;