الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

السفر

ساحة نُصب الحرب التذكارية في سيول

2010-06-22

ساحة  نُصب الحرب التذكارية في سيول

يتم ، في مساء كل يوم جمعة ، تنظيم حفل ومراسم خاصة بتغيير حرس الشرف في ساحة السلام ، وهو الاسم الذي يطلق على ساحة نُصب الحرب التذكارية في كوريا والواقعة في يونغ سان في وسط سيول. يقوم أفراد حرس الشرف من ثلاثة أفرع عسكرية في القوات البرية والبحرية والجوية برفع أسلحتهم في حركات منتظمة ومنسجمة بشكل دقيق.
حركات في غاية الانتظام وغاية الانضباط وبصورة متوائمة تماما مع الأوامر التي تصدر عن القائد، وبشكل ينبهر له جميع الزائرين.

: مشهد عظيم. مائة رجل يتحركون تماما كما يفعل رجل واحد. رغم أنني جندي في الأصل إلا أن ما يقومون به أدهشني كثيرا.
: قررت أن أصبح جنديا عندما أكبر.
: شكلهم رائع في زيهم الأبيض الناصع وقبعاتهم الحمراء. كنت دائما أعتقد أن الجندي هو ذلك الشخص الجاف الجلف ، لكن تبيّن لي الآن أن الجندي يمكن أن يكون فنانا .
: أشكالهم تعبر عن القوة والانضباط.

مئتان من الجنود ، وربما أقل أو أكثر من ذلك بقليل ، يشاركون في عرض موسيقي عسكري يستغرق خمسين دقيقة ، من أجل تغيير حرس الشرف. يبدأ العرض بعزف مقطوعة موسيقية عسكرية تقليدية من الفرقة الموسيقية العسكرية الخاصة ، ثم يعقب ذلك عرض من الفنون العسكرية القتالية التقليدية بواسطة فرقتين : فرقة من الذكور وأخرى من الإناث، كل على حده . وينتهي الحفل من خلال عرض مشترك بين الفروع العسكرية الثلاثة في سلاح المشاة وسلاح الطيران وسلاح البحرية. معنا اليوم السيد لي كيونغ إُن من قسم العلاقات العامة في إدارة نُصب الحرب التذكارية ليحدثنا عن المزيد.

يتكون حفل تغيير حرس الشرف من عدة مناسبات وفعاليات منها المبارزة التقليدية ومنها عروض نسائية خاصة. يعبر الحفل عن روح الجندي الكوري وبسالته واعتزازه بنفسه وحسه العسكري القومي العالي. في استطلاع سابق جرى وسط الزوار الأجانب أكد معظمهم أن هذه المناسبة مناسبة ترسخ تماما في الذاكرة كحدث نادر التكرار. يشاهد الحفل سنويا زهاء ثلاثمائة ألف شخص وجميعهم يتابعون العروض بكثير من الاهتمام والشغف.

كثيرون هم الذين ضحوا بأنفسهم من أجل كوريا خلال تاريخها الطويل ، وهنا في ساحة نُصب الحرب التذكارية في سيول، توجد سجلات خاصة بالجنود الشجعان البواسل من الذكور والإناث الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن . وبمناسبة ذكرى مرور ستين عاما على اندلاع الحرب الكورية سنتوجه اليوم إلى ساحة حرب تحولت إلى ساحة سلام ، تعرض بعضا من آثار وجوانب التاريخ الكوري من زمن موغل في القدم وحتى تاريخنا المعاصر.

يقف الصرح الحربي التذكاري شامخا بالقرب من محطة مترو الأنفاق في سام غاك جي على الخط رقم 4. ومنذ افتتاح المحطة في العاشر من يونيو عام 1994 ظل نحو مليون ونصف المليون زائر يفدون إلى الساحة كل عام في المتوسط.

ساحة نصب الحرب التذكارية في كوريا هي عبارة عن متحف حربي يحمل بصمات متنوعة من التاريخ الكوري الذي يمتد عبر أكثر من 5 آلاف سنة. كتب على كوريا منذ سنوات ما قبل التاريخ وحتى سنوات قليلة مضت أن تخوض سلسلة من الحروب المتتالية وأن تتعرض للعديد من الغزوات والهجمات والأطماع المختلفة. خلال فترات الاستعمار والاحتلال التي تعرضت لها كوريا انتظم المواطنون الكوريون في روابط وجماعات وفرق وحركات من الثوار والمقاومين من أجل محاربة المحتلين الغزاة والدفاع عن كوريا واستقلالها. تعرض الساحة العديد من النماذج التي توضح ذلك.

بنيت الساحة فوق مساحة تزيد عن 116 ألف متر مربع وهي تضم مبنى يتكون من ستة طوابق ، مشيد فوق مساحة تبلغ 36 ألف متر مربع ، وتمثل أكبر متحف عسكري من نوعه في العالم. يضم المبنى ست قاعات للعرض بما فيها ساحة النصب نفسها. ويستغرق التجول عبر كل هذه المرافق والمنشآت ما لا يقل عن ثلاث ساعات . وعند المرور من ساحة السلام والدخول إلى المباني الأخرى : يمكن مشاهدة صرحين من الحجر الأسود عليهما الكثير من النقوش الدقيقة. السيد لي يفسر لنا ماهية تلك النقوش.

هذه النقوش هي أسماء قتلى الحرب. يشتمل الصرح الأول على نحو 170 ألفا من أسماء الكوريين من القتلى والضحايا والشهداء منذ تأسيس الجيش الكوري. يتضمن الصرح الآخر أسماء ضحايا الحرب الكورية من مواطني البلدان الأخرى التي شاركت ضمن قوات الأمم المتحدة وعددها 16 بلدا. وضعت أسماء الشهداء على تلك الصروح تذكرة للناس بالتضحيات التي قام بها الكثيرون من الكوريين والأجانب من أجل الدفاع عن كوريا. يزور هذا المتحف حوالي أربعة آلاف من كبار الشخصيات في العالم كل عام ليعبرون ويعربون عن التقدير والعرفان لهؤلاء الشهداء.

تبدأ الجولة عند الساحة التذكارية وهي تتكدس بالعديد من التماثيل والصروح للشخصيات القومية والكورية والأبطال البواسل مثل الجنرال أولجي مون دوك والأدميرال لي سون شين وبطل المقاومة آن جنغ كُن الذين يتوسطون الساحة وكأنهم يحيون الزائرين ، ومن حولهم ، على الجانب الآخر من الساحة ، تنبعث أضواء من قباب وأعمدة تسلط الضوء على القائمة التي تضم أسماء 170 ألفا من الشهداء والأبطال.

الغرفة المخصصة للتاريخ الحربي تقع وراء القاعة التذكارية، وهنا يمكن للزوار مشاهدة عدد من الأفلام والصور والمواد المتنوعة التي تشير إلى وقائع وأحداث مختلفة على مرّ التاريخ الكوري.

تلقيت اليوم دروسا مفيدة في التاريخ الكوري وعرفت الكثير عن قيام وسقوط العديد من الممالك في التاريخ الكوري القديم والحديث.

وتكون الذروة عند دخول غرفة الحرب الكورية ، وهي بمثابة محور الجولة داخل المتحف.

تضم غرفة الحرب الكورية عددا من النماذج والأشرطة والأقراص التي تصوّر وتجسّد الحرب الكورية التي دامت ثلاثة أعوام. توضح المواد المعروضة الكيفية التي اندلعت بها الحرب وكيف تطورت وكيف تمكن الجيش الكوري ومن ورائه قوات الأمم المتحدة من التصدي للهجوم الكوري الشمالي وما صحب تلك الحرب من فظائع ومرارات ما تزال آثارها باقية في أذهان الكثيرين.

: كنت حينذاك صبيا في ال12 من العمر عندما قامت الحرب. موطني هو "نيه هيه" التي مرّ عبرها جنود كوريا الشمالية. كانت منطقة نهر ناكدونغ هي المنطقة الوحيدة التي تبقّت خارج سيطرة الجيش الكوري الشمالي. أذكر أن المآسي والفظائع التي ارتكبت هناك شيء فوق حد الوصف. شيء مرعب مرعب مرعب.
: أذكر أن أمي حملتني وبقية أخوتي إلى مخبأ. أذكر أنني كنت حافيا وكنت لا أكف عن البكاء. كان والدي قد طٌلب ليشارك في الحرب وصارت أمي مسؤولة عن تربية وإعاشة خمسة أطفال. ما زلت أتذكر الجثث المتناثرة في الشوارع ، والأشلاء التي امتلأت بها الطرقات. ما زلت أتخوف من اندلاع الحرب مرة أخرى.

في الغرفة المخصصة للتاريخ الحربي يوجد عدد من البرامج التي تجسّد بعض أحداث ووقائع تلك الحرب البغيضة اللعينة بشكل يتيح الفرصة لأبناء وبنات الأجيال الحديثة معرفة وتصوّر ما حدث لآبائهم وأمهاتهم وجدودهم من مآس مرعبة تقشعر لها الأبدان.

عملنا في هذه الغرفة على إعادة رسم وتصوير بعض المعارك الحربية. أنت تقف الآن أمام بوابة خندق لتفادي انطلاق الرصاص الذي ينهال من كل جانب. ولأن بعض المعارك حدثت في أثناء الليل فنحن نعيد تصويرها وتجسيدها خلال ظلام دامس مما قد يكون مدعاة رعب وهلع للكثيرين.

عندما يتم إطفاء الأنوار يعم القاعة الكثير من التوتر و يسود شكل من الرعب والقلق ويزيد من ذلك دقات الموسيقى التصويرية المعبرة المصاحبة التي تملأ الجو إثارة. يستمع الزوار لدوي القنابل وأزيز الرصاص ويشمون حتى رائحة البارود. وبعد انتهاء هذه البرامج المصحوبة بالتأثيرات الضوئية والسمعية والحسية ، هناك برامج خاصة بالحرب الكيمائية والبيولوجية وهي برامج قادرة على إثارة الرعب والتقزز خاصة للمشاهدين الصغار ممن لا يملكون أي تجارب عملية عن الحرب وآثارها.

بصراحة لا أعلم أشياء كثيرة عن الحرب ، لكن ما شاهدت هنا قدم لي تجربة لن أنساها أبدا. سمعت أبواي وجدودي يتحدثون من قبل عن الحرب. كنت اعتبرها تاريخا بعيدا وحدثا من الماضي. ما شاهدت الآن جعلني أفكر في أن الأمر قد يتكرر وعلينا أن نعمل من أجل ألا تتكرر تلك المآسي.

الحرب الكورية اللعينة كانت مليئة بالمشاهد المأسوية المرعبة وبالأحداث الدموية المخيفة ، وقد تركت العديد من الجراحات الغائرة . ورغم أن الحرب قد وضعت أوزارها منذ سنوات طويلة إلا أن آثارها ما زالت مكتنزة داخل بعض الصدور ، ويجسدها العديد من الصور المعروضة داخل ساحة نّصب الحرب التذكارية.

وخلف غرفة الحرب الكورية نجد غرفة الحملات العسكرية التي تعرض صورا مختلفة للعمليات والحملات العسكرية الكورية المختلفة. ومن هناك يمكن للزوار أن يتحولوا إلى غرفة الجيش الكوري الجنوبي والتي تحتوي على العديد من الوثائق والسجلات العسكرية المتعلقة بالجيش والصناعات العسكرية في كوريا الجنوبية حيث يتم عرض العديد من الأسلحة والمعدات من مدافع رشاشة وبازوكا ومدفعية مضادة للدبابات والطائرات وغيرها تملأ ساحة العرض الخارجي. وخارج المبنى يمكن مشاهدة طائرات قتالية حقيقة وطائرات عمودية ومدرعات. هذا الركن هو المفضل للعديد من الأطفال الذين يستمتعون بركوب ودخول هذه المركبات الحربية.

أطفال يتصورون أنفسهم في حالة قيادة حقيقية لمدرعات وطائرات وهم في حالة بهجة وإثارة واضحة. مجرد نظرة لهذه الوجوه البريئة داخل تلك المركبات المقاتلة تجعل الجميع يدعون من أجل إشاعة وتفشي السلام ونبذ كل مظاهر الحرب.

العام 2010 يصادف الذكرى الستين لاندلاع الحرب الكورية.عدد الذين يتذكرون تلك الحرب البشعة في تناقص مستمر بعد أن مضت بهم قطارات العمر تباعا وتلاشت كذلك ذكريات بعض الذين ما زالوا على قيد الحياة ، بسبب الكبر والعجز وضعف الذاكرة. ربما تكون هذه الصروح وحدها هي التي ما زالت تحمل الصور الحية والذكريات الباقية الراسخة لتلك الحرب اللعينة. قامت السلطات الكورية المختصة بتنظيم معرض خاص حول الحرب الكورية في الفترة بين الرابع من مايو وحتى الثلاثين من نوفمبر القادم ، لمنع ذكريات الحرب من التلاشي والغياب. ماذا يقول السيد يو يول كيو من اللجنة المنظمة؟

نعيش الآن الذكرى الستين لقيام الحرب الكورية ، لكن ثلث الشعب الكوري لا يعرف ولا يتذكر متى اندلعت تلك الحرب. بعض التلاميذ المدارس الكورية أفادوا بأن الحرب الكورية هي حرب وقعت بين كوريا واليابان. أغلب من بقي من أبطال الحرب الكورية تعدوا سن الثمانين الآن وهم على أعتاب الوداع الأخير مما يعني أن الحرب الكورية كذكريات داخل الصدور على وشك التلاشي والانقراض. لهذا قصدنا بتنظيم مثل هذا المعرض إبقاء ذكريات الحرب حية واستخلاص الدروس والعبر منها للأجيال الجديدة.

بمجرد خطوة داخل قاعة ذلك المعرض الخاص ، يجد الزائر نفسه وكأنه يعيش في ماض يعود لستين سنة . لا يتحدث ذلك المعرض عن تطورات ووقائع الحرب الكورية فقط كماض وتاريخ ، لكنه يتحدث أيضا عن المستقبل ، وعن الكيفية التي نجحت بها كوريا في تجاوز آثار تلك الحرب لتصنع المعجزة الاقتصادية الجديدة على نهر الهان رغم أنف الحرب ومخلفاتها. وهناك قسم خاص عن كوريا الشمالية اليوم يعرض لنا الأحوال الراهنة هناك ، وفي ركن آخر نشاهد جانبا تحت اسم "داخل المنطقة منزوعة السلاح" حيث توجد صور وتحركات الجنود الكوريين الشماليين الذين يقومون بحراسة المناطق الحدودية. وهناك أيضا برنامج خاص جدا يتيح للزائر فرصة تجريب ومعايشة معسكر كوري شمالي ومعتقل كبير للمعارضين السياسيين.

شيء يدعو للقرف وغير قابل للتصور ويخلو من أي شيء يتعلق بالأخلاق والإنسانية. سجون ضيقة ومفتقرة لأبسط متطلبات الحياة الإنسانية. البقاء هنا لمدة دقيقة واحدة أمر لا يحتمل.

هذا الرجل العجوز وقرينته يستذكران أحداثا بعيدة لأيام قاسية مريرة شاهداها وعاشاها إبان تلك الحرب. كان العجوز فتى في ال17 من العمر وكانت قرينته صبية تصغره ببضعة أعوام ، وكان ذلك قبل ستين عاما بالتمام والكمال.

أتذكر تلك الأيام التي أتمنى ألا تتكرر . كان موطني في كوريا الشمالية ، وقد شاهدت صورا حزينة ومريرة ومرعبة. تركت أمي الحبيبة ورائي ولا أعرف ما حدث لها حتى هذه اللحظة. آمل أن يتعلم أفراد الجيل الحديث عن تلك الحرب حتى لا يسمحوا لها بأن تتكرر.

كوريا التي تعيش اليوم في بحبوحة من العيش ، ما كان ممكنا لها أن تفعل ذلك لولا تلك التضحيات الجسام لأولئك الأبطال والجنود المجهولين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن تحيا كوريا أبية وحرة ، والذين تُعرض صورهم داخل ذلك المتحف الحي النابض. والمأمول ألا تكون الزيارة لساحة النصب التذكارية مجرد حدث عابر أو مناسبة للتسلية والترفيه ، وإنما مناسبة لاستذكار ماض بغيض من أجل بناء مستقبل آمن جميل ، واجترار لذكرى حرب ضروس مضت من أجل إشاعة سلام راسخ ودائم.

: شاهدت اليوم صورا حية كانت بمثابة دروس مفيدة في الوطنية. الحرب سببت لكوريا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات لكن أجدادنا وأسلافنا قدموا تضحيات ستظل باقية على مرّ التاريخ ومدعاة لفخرنا نحن أحفاد أولئك الأبطال.
: المعرض الخاص بالحرب الكورية أثرّ فيّ أيما تأثير وزرع في داخلي صورا لن تنزعها الأيام ، وسأنذر بقية عمري من أجل محاربة الحرب ومنعها من أن تتكرر بأي شكل أو نمط أو صورة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;