الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

قصة "طائر الكركي" للكاتب "هوانغ سون وان"

2018-03-13



"هيا بنا نذهب لاصطياد طيور الكركي قبل أن نفترق"....


"هيا بنا نذهب لاصطياد طيور الكركي قبل أن نفترق".... ربما كتب الأديب "هوانغ" قصته القصيرة "طائر الكركي" فقط من أجل أن يقول هذه الجملة التي تشير محاولة لفكّ عقدة سوء التفاهم بين بطليْ القصة.

تم نشر قصة "طائر الكركي" في مايو من عام 1953 في مجلة "شين تشون جي신천지". وفي نهاية قصته، كتب "هوانغ" يقول إنه فرغ من كتابة مخطوطتها في يناير 1953، أي في أثناء الحرب. وقد ولد الأديب "هوانغ سون وان" في مقاطعة جنوب "بيونغ آن평안" في عام 1915 خلال فترة الاحتلال الياباني لكوريا. وبدأ مسيرته الأدبية كشاعر وهو فتى في السادسة عشرة من عمره. وخلال تلك المسيرة، بلغ عدد ما كتبه من قصائد أكثر من مائة، ومثلها من القصص القصيرة، إلى جانب بعض الأعمال الروائية. وكان في معظم كتاباته يتناول الواقع البائس لكوريا في تاريخها الحديث.

شريط الناقدة الأدبية "جون سو يونغ전소영:

عايش هوانغ كل ما عاشته كوريا من فوضى واضطرابات وعنف ودموية خلال تاريخها الحديث. فقد ولد خلال فترة الاستعمار الياباني، ونشأ أديبا شاعرا يكتب عما يشاهده من قهر واضطهاد. وفي عام 1946، ومباشرة بعد تحرر كوريا، ترك موطنه وجاء إلى الجنوب حيث عايش الحرب الكورية في الجزء الجنوبي. واستمر في الكتابة حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي مما جعله شاهدا على قدر كبير من التاريخ الكوري الحديث بكل مآسيه وأحداثه المؤلمة. كان يكتب من منظور إنساني بحكم أفكاره الثابتة حول مصير ومستقبل البشرية وهي أفكار لم تتلون بأي لون عقائدي. كان يعبّر عن أفكاره ورؤاه بطريقة شاعرية سلسة وحساسة ورمزية في كثير من الأحيان. وقصة "طائر الكركي" كانت وليدة هذه الروح وتجسيدا لها.


هناك شخصيتان رئيسيتان في القصة. الأولى هي "صونغ سام성삼" وهو مسؤول أمني في القرية بعد تحريرها من الاحتلال الكوري الشمالي خلال الحرب الكورية، والشخصية الثانية هي "دوك جيه덕재" صديق طفولته الذي جاء مقيدا لأمن القرية بعد اتهامه بالتواطؤ مع كوريا الشمالية. وتبدأ القصة بالدهشة المؤلمة والمربكة عندما التقى الصديقان وجها لوجه.


هكذا يبدأ النص:"عندما وصل إلى منزل كان يُستعمل كمكتب مؤقت للأمن، وجد شابا مقيدا بحبل. ولما صارت مشاهدة شباب صغير السن أمرا نادرا في تلك القرية، فقد اندفع نحو الشاب المقيد وتفرّس في ملامح وجهه، حيث ألجمته مفاجأة مذهلة. فهذا الشاب هو صديق عمره "دوك جيه". وسأل ضابط الأمن الذي أتى به للمخفر عما حدث، فأجاب بأن الشاب كان نائب قائد فرقة تحالف الفلاحين، وقد تم أسره في منزل القائد.


جلس "صونغ سام" فوق أرضية الغرفة القذرة وأشعل سيجارة. كان يجب أن يتم اصطحاب "دوك جيه" تحت حراسة مشددة إلى "تشونغ دان청단". وقال "سأصحبه بنفسي". هكذا تدور قصة "طائر الكركي" خلال فترة نصف يوم فقط، اصطحب خلالها "صونغ سام" صديقه "دوك جيه" إلى "تشونغ دان" في رحلة مثيرة امتدت عدة ساعات، وعبرا خلالها مسافة قصيرة، غير أن الصديقين استعادا خلالها فيضا من ذكريات الطفولة. وقد تغيرت الأحوال النفسية للصديقين بشكل تدريجي عبر ذلك الوقت المحدود والمسافة القصيرة.  


شريط البروفسور "بانغ مين هو":

كان من المفترض أن يتم اقتياد "دوك جيه" إلى المنطقة العازلة بالقرب من خط العرض 38 فوق الجبل وعبر الحقل الذي كانا يمارسان فيه خلال طفولتهما صيد طيور الكركي. فجّر مشهد الحقل لديهما طوفانا من ذكريات الطفولة، حيث استعادا الأوقات الطيبة الممتعة التي كانا يقضيانها سويا في اللهو البريء. كان الطريق الجبلي المؤدي إلى الحقل بمثابة الصدمة التي أعادت الصديقين إلى حقيقة الحاجز الأيديولوجي الذي يفصل بينهما ويجعل من تلك الذكريات والروابط العاطفية والوجدانية مجرد ماضٍ منسي. تناولت القصة كل ذلك بصورة محكمة، إلى جانب تصوير جلي وواضح للمعالم والمناظر الطبيعية.

                

بدأ "صونغ سام" في التدخين بمجرد أن بدأ في اقتياد ´دوك جيه" خارج القرية. لا بد أنه شعر بالذنب وهو يقود صديقة الطفولة إلى الموت. وفي أثناء مغادرتهما لبوابة القرية تذكر قيامهما سويا بتدخين سجائر مصنوعة من أوراق نبات اليقطين، وفتحت البوابة أمامه ينبوعا من الذكريات.

نص 2

يقول النص:"عندما كانا طفلين، ذهب "صونغ سام" و"دوك جيه" ذات مرة لسرقة بعض ثمار الكستناء من بيت رجل عجوز. وكان يجب على "صونغ سام" في تلك المرة أن يتسلق الشجرة. لكنه سمع فجأة صراخ العجوز مستغيثا، مما أربكه وجعله يسقط من فوق الشجرة. ورغم انغراس أشواك الكستناء في جسده، إلا أن الصغيرين واصلا الجري".


وبعد أن ابتعدا عن العجوز بمسافة كافية، التفت "صونغ سام" نحو صديقه وطلب منه أن يساعده في نزع الأشواك المغروسة في جسمه. كان ذلك مؤلما، مما جعله يصرخ باكيا. قام "دوك جيه" بعد ذلك بإخراج ثمار الكستناء التي تمكن من قطفها ووضعها داخل جيب صديقه.


رمى "صونغ سام" بالسيجارة التي كان قد أشعلها للتو عندما تذكر تلك المغامرة. ووصل الصديقان إلى ممر جبلي هو نفس الممر الذي كانا دائما يسلكانه في الطفولة لجمع الحطب. وربما دفعت تلك الذكريات الصديقين للدخول في حوار.


نص 3                  

يقول النص:سأل "صونغ سام" صديقه قائلا: "كم شخصا قتلت؟"، فحدجه "دوك جيه" بنظرة حادة وأشاح عنه بوجهه، وقال: "ماذا عنك أنت، كم شخصا قتلت؟". كان ردا لسؤال بسؤال، لكنه جعل "صونغ سام" يشعر بأن ما بداخل صدره صار أقل ثِقلا. وسأل "صونغ سام" صديقه المعتقل الذي كان يقتاده، عن سبب اختبائه في منزل مسؤول الأمن. ووجه المسدس وأصابعه فوق الزناد مهددا "دوك جيه" بأن يقول الحقيقة وإلا فإنه لن يتردد في قتله. وكانت المفاجأة هي أن "دوك جيه" قد بدأ يتحدث عن والده.


نص 4

ويقول النص:قال "دوك جي" إنه والده كان مريضا مقعدا في المنزل وظل يعاني من مرض عُضال طوال عام ونصف العام. كان والد "دوك جيه" فلاحا فقيرا يعيش مع ابنه بعد وفاة زوجته. وقد فكر "دوك جيه" كثيرا في أن يحمله ويهرب من قسوة الحرب، لكن الأب ظل دائما يعارض ذلك، ويقول إنه لن يترك أرضه ويهرب. ودفع ذلك "صونغ سام" لأن يتذكر أباه أيضا، ويفكر فيما حدث له. فعندما حدثه في شهر يونيو الماضي عن ضرورة اصطحابه للهروب رفض والده مرددا نفس جواب والد "دوك جيه".  


ودون قصد وجد "صونغ سام" نفسه يتأمل أحوال صديق الطفولة. عبر الصديقان الجبل وهما يستنشقان نسمات خريفية منعشة تحت وهج الشمس. وعندما وصلا إلى أسفل الجبل وقعت أنظارهما على سرب من طيور الكركي، وتذكرا أول مرة قاما بها برحلة لصيد تلك الطيور.


نص 5                 

يقول النص:"عندما كان الصديقان صبييْن في الثانية عشرة من العمر قاما ذات مرة بنصب شرك لاصطياد طائر كركي دون أن يخبرا أحدا من الكبار بذلك. اصطادا كركيا بتاج أحمر اللون وربطا جناحيه بحبل من القش، وظلا يترددان عليه كل يوم ليركبا على ظهره ويلهوان به بمختلف الأشكال. وفي مرة أخرى استمعا لبعض الكبار في القرية وهم يتحدثون عن أن شخصية مهمة من سيول ستأتي للقرية لاصطياد طيور الكركي.


انطلق الصديقان نحو الحقل. كان كل همهما هو عدم تعرض طائرهما الحبيب لأي خطر. اندفعا بأقصى سرعة ممكنة بين الحشائش والصخور حتى وصلا إلى مكان الكركي وفكا القيد عن ساقيه وجناحيه، غير أن الطائر لم يطر، حيث لم يتمكن من التحرك بشكل سليم. وبالتالي حملاه بين أيديهما وأطلقاه في الهواء.


رفرف الطائر بجناحيه بضع مرات قبل أن يسقط مجددا فوق الأرض.

وعندما سقط الطائر على الأرض، شعر الطفلان بالحزن وبشيء من وخز الضمير، لأن ذلك الطائر المسكين قد يموت بسبب لهوهما.


نص 6

ثم انتفض الكركي ذو التاج الأحمر من على الأرض وفرد جناحيه مطلقا صرخة مدوية....


...ثم انطلق محلقا ومرفرفا بجناحيه عاليا في السماء وبعيدا في الفضاء العريض. وهكذا صار طائر الكركي بتاجه الأحمر الأنيق الذي يبدو مشعا فوق رأسه، بمثابة رمز للشعب الكوري.


شريط البروفسور "بانغ مين هو":

طائر الكركي قد يماثل في الطول طول الصديقين الصبييْن غير أنهما نجحا في اصطياده وأسره. لم يشأ الصديقان قتل الطائر وإنما اللهو به ومعه باعتباره صديق لهما وكسرّ مشترك بينهما في الحقل الذي يعتبرانه عالمهما الخاص. لهذا أصابهما الرعب عندما تخيلا أن غريبا وافدا قد يغدر به ويقتله بسببهما، وهو ما دفعهما لإطلاقه من جديد. هناك متعة حقيقية في قراءة المقطع الذي يصف الكيفية التي فرد بها الطائر جناحيه وحلّق بعيدا في الفضاء.  

ونهاية القصة لم تكن أقل امتاعا وعبقرية، حيث تصوّر "صونغ سام" وهو يتذكر أحداث طفولته البعيدة مع صديق عمره، وقد شعر بصوت من قلبه يقول: "هيا بنا نصطاد طائر كركي قبل أن نفترق من جديد".


نص 7                  

"هيا بنا نصطاد طائر كركي قبل أن نفترق من جديد".... قالها "صونغ سام" بشكل مفاجئ وهو لا يعرف عن ماذا ولمن يتحدث، بينما ظل "دوك جيه" ينظر إليه محتارا. قال "صونغ سام": سأقوم بصنع كمين هنا وعليك أن تدفع طيور الكركي إليه. ومن ثم، قام "صونغ سام" بفك الحبل عن يدي صديقه.


بدأ "دوك جيه" في الزحف فوق الحشائش. وكان هناك اثنان من طيور الكركي ذات التيجان الحمراء يحلقان ببطء في الأفق البعيد عبر السماء الزرقاء الصافية.


شريط البروفسور "بانغ مين هو":

استعاد "صونغ سام" هدوءه واتزانه النفسي بعد استعراض طيف من ذكريات الصبا والطفولة، حيث تبين له أن صديقه "دوك جيه" عمل نائبا لتحالف الفلاحين ليس بسبب التعصب الأيديولوجي وإنما فقط من أجل البقاء بجانب والده ومراعاته في أيام عجزه. ويتضح لنا من بين سطور القصة أن الصديقين استعادا صداقاتهما القديمة، مما دفع "صونغ سام" لفك القيد عن يدي صديق طفولته وينقذ حياته من خلال تركه يهرب، وقد فهم "دوك جيه" ذلك، مضى فورا في طريقه. هذه القصة المؤثرة هي تعبير وتجسيد لرؤية كاتبها وأحاسيسه العميقة حول الانقسام بين الأخوة في شبه الجزيرة الكورية.


"هيا بنا نصطاد طائر كركي قبل أن نفترق": جملة يبدو أن كاتبها "هوانغ سون وان" قد أراد من خلالها قهر ذلك التاريخ المأسوي الذي عاشته وما زالت تعيشه شبه الجزيرة الكورية، من خلال استعراض ذكريات الطفولة بين بطليْ قصته.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;