الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

قصور الأطفال في كوريا الشمالية

#تطورات شبه الجزيرة الكورية l 2025-09-17

تطورات شبه الجزيرة الكورية

ⓒ KBS News
في كوريا الجنوبية، توجد مدارس تسمى "نُل بوم"، التي تعني "مدارس الربيع الدائم". وتوفر هذه المدارس تعليما ورعاية شامليْن، وتضمن سلامة الأطفال وسعادتهم حتى بعد انتهاء اليوم المدرسي. كما تدير كوريا الشمالية مؤسسات تعليمية خاصة تابعة للدولة تُعرف باسم "قصور الأطفال". ومن المثير للاهتمام أن الطلاب يشيرون إلى هذه المنشآت باسم "قصور الأحلام". فما الذي يدفع الطلاب الكوريين الشماليين إلى استخدام هذا التعبير؟ 

عندما نرى الطلاب في كوريا الجنوبية يذهبون إلى المدرسة ويعودون منها كل يوم، لا يسعنا إلا أن نتساءل عن الحياة المدرسية في كوريا الشمالية. فمتوسط وقت الدراسة في المدارس الابتدائية الكورية الشمالية يبلغ حوالي 5 ساعات يوميا، أما المدارس الإعدادية والثانوية، فتتراوح ساعات الدراسة فيها عادة بين 6 و7 ساعات، لكن الطلاب المتفوقين لا يعودون إلى منازلهم بعد انتهاء اليوم الدراسي العادي.

بعد انتهاء الفصول الدراسية، يتوجه الطلاب إلى ما يسمى بـ"قصر الأطفال". 

"هام سُنغ سو" مدير مركز البعثات التعليمية في جامعة "ميونغ جي":
يشارك الطلاب الكوريون الشماليون، مثل نظرائهم الكوريين الجنوبيين، في أنشطة خارج المنهج الدراسي بعد انتهاء الفصل الدراسي اليومي. وتجري هذه الأنشطة في مؤسسات تعليمية خاصة تسمى "قصور الأطفال" أنشأتها الدولة. وقد اقترح مؤسس النظام "كيم إيل سونغ" بناء "قصور الأطفال" في بيونغ يانغ و"كيسونغ"، وهما مدينتان مهمتان في البلاد. وأبدى اهتماما كبيرا بهذا المشروع لدرجة أنه زار "كيسونغ" لاختيار موقع البناء بنفسه، مما أدى إلى افتتاح "قصر كيسونغ للأطفال" في يونيو 1961. وتشير التقارير إلى أن هناك حوالي 140 قصرا للأطفال تعمل في جميع أنحاء كوريا الشمالية، حتى عام 2022. وتوجد هذه المؤسسات حتى في المناطق التي تعتبر أقل نموا، مثل مقاطعتي "ريانغ كانغ" و"جا كانغ". ومن خلال مختلف الأنشطة الجماعية التي تقام فيها، تنفذ الدولة بفعالية التربية السياسية والأيديولوجية للطلاب. ومن المعروف أن هذه المؤسسات تركز على توفير أشكال مختلفة من التعليم النخبوي في الفنون والرياضة والمجالات الأساسية للتنمية الصناعية.

"قصر الأطفال" عبارة عن منشأة تعليمية يمارس فيها طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية أنشطة خارج المنهج الدراسي بعد انتهاء حصصهم الدراسية العادية. وفي حين أن كوريا الشمالية لا تؤيد الدروس الخصوصية من حيث المبدأ، فإنها تدعم الأنشطة الجماعية بعد الدوام المدرسي للأطفال ذوي المهارات والمواهب المتميزة. ولهذا الغرض، أنشأت الدولة قصور الأطفال في جميع أنحاء البلاد، لتوفير تعليم متخصص في العلوم والتكنولوجيا والرياضة والثقافة والفنون، وبالتالي يمكن اعتبارها مؤسسات مخصصة لتعليم الموهوبين، حيث يتم اختيار الطلاب المتفوقين من المدارس لتلقي تعليم متميز هناك. وقد أنشأت كوريا الشمالية قصور الأطفال في البلدات والمدن الكبرى، بدءا من "قصر الأطفال في كيسونغ" في عام 1961. ومن بين هذه القصور، يعد أبرزها "قصر الأطفال في مان كيونغ ديه".

يقع قصر "مان كيونغ ديه" للأطفال في منطقة "مان كيونغ ديه"، وهي منطقة ذات مناظر خلابة على ضفاف نهر "تيه دونغ" في بيونغ يانغ، وهو عبارة عن منشأة تعليمية واسعة النطاق تبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من 100 ألف متر مربع.

يكتشف قصر "مان كيونغ ديه" الأطفال الموهوبين في الفنون والرياضة، ويوفر لهم تدريبا مكثفا منذ صغرهم. ولهذا، فقد أنتجت تلك المؤسسة العديد من الفنانين والرياضيين البارزين. ويقف جنبا إلى جنب مع هذه المؤسسة "قصر بيونغ يانغ للأطفال".

تأسس قصر بيونغ يانغ للأطفال في ستينيات القرن الماضي، وهو منشأة شاملة تدرب الطلاب في جميع المجالات، بما في ذلك العلوم والثقافة والفنون والرياضة والزراعة والصناعة. وباعتباره وجهة شهيرة لكبار الشخصيات الأجنبية، فهو يضم حتى مرصدا في أعلى المبنى. علاوة على ذلك، توجد مدرسة تابعة له.

تعد مدرسة "كوم سونغ" الثانوية رقم 2 واحدة من أكثر المدارس شعبية في كوريا الشمالية، وهي تعمل على تنمية المواهب في مجال الثقافة والفنون. ويدرس الطلاب في هذه المدرسة المواد الأكاديمية في الصباح، ثم يذهبون إلى قصر بيونغ يانغ للأطفال في فترة ما بعد الظهر لتعلم مختلف المهارات الخاصة على يد أفضل المعلمين في البلاد. وبالمثل، يوجد لقصر الأطفال في "مان كيونغ ديه" مدرسة تابعة له، وهي مدرسة "كوم سونغ" الثانوية رقم 1. وتقدم مدارس "كوم سونغ" برنامجا ابتدائيا مدته 4 سنوات، وبرنامجا متوسطا وثانويا مدته 6 سنوات، وبرنامجا متخصصا مدته 4 سنوات. وبالفعل، تعتبر قصور الأطفال مهدا حقيقيا لتنمية المواهب، حيث توفر تعليما احترافيا حتى من خلال المدارس التابعة لها، مثل مدارس "كوم سونغ"، التي تقدم برامج تصل إلى المستوى الجامعي.

"هام سُنغ سو":
تشتهر قصور الأطفال بإنتاجها لأفراد موهوبين في مجالات الفنون والرياضة. وفي عام 2000، زارت مدينةَ سيول فرقةُ بيونغ يانغ للأطفال والطلاب للفنون الأدائية. وكان معظم الطلاب الذين قدموا عروضهم في سيول من قصور الأطفال. كما حظي خريجو قصور الأطفال بتقدير دولي كبير. ففي عام 2010، فاز طالب كوري شمالي يدعى "باك كون وي" بجائزة خاصة في مسابقة "إتلينغن" الدولية للعازفين الشباب على البيانو في ألمانيا. وفي عام 2012، فاز "تشو جانغ هونغ" و"هان سي نيه" بالجائزة الأولى في مسابقة "فريدريك شوبان" الدولية للبيانو للأطفال والشباب. وفي عام 2016، حصلت "ما شين آه" على المركز الأول في نفس المسابقة. وقد جذب هؤلاء العباقرة الكوريون الشماليون في العزف على البيانو، وجميعهم من قصور الأطفال، انتباه العالم بإنجازاتهم المذهلة.

يُظهر طلاب قصور الأطفال مواهبهم في الخارج. وقد قدمت فرقة الفنون من قصر "مان كيونغ ديه" للأطفال عروضا في مقاطعة "ماريتيم" الروسية في أبريل الماضي للاحتفال بالذكرى الثمانين لعيد النصر الروسي. وأشاد الجمهور الذي ملأ القاعة بالعروض، بدءا من الموسيقى إلى الرقص والألعاب البهلوانية، ووصفها بأنها كانت مثالية. وتعد السيدة الأولى في كوريا الشمالية "ري سول جو" من الموهوبات موسيقيا، حيث تخرجت من مدرسة "كوم سونغ". ولكن لماذا تهتم كوريا الشمالية بالتعليم المبكر للموهوبين؟

"هام سُنغ سو":
على الرغم من أنه كان يُعتقد في السابق أن كوريا الشمالية تفتقر إلى التعليم الملائم للموهوبين، إلا أن ذلك بدأ في الواقع خلال عهد "كيم إيل سونغ". وقد استخدم مؤسس كوريا الشمالية الفنون، وخاصة الموسيقى، كوسيلة أساسية للدعاية لتأمين شرعية النظام. ولهذا الغرض، يتم اكتشاف الموهوبين وتدريبهم. وفي عام 1959، اعتمدت الجمعية الشعبية العليا نظاما تعليميا احترافيا للفنانين، مما مثل بداية لتعليم الموهوبين. ومع ذلك، تغير تعليم الموهوبين إلى حد ما خلال عهد "كيم جونغ إيل". فقد كان الزعيم السابق يعتقد أنه من الضروري اكتشاف وتدريب ليس فقط الطلاب المتخصصين في الفنون والرياضة، ولكن أيضا الأفراد المتميزين فكريا، من أجل التنمية الوطنية. وبناء على هذه الرؤية، تم إنشاء المدارس الإعدادية رقم 1. وتم توسيع هذه المدارس المخصصة للأطفال الموهوبين في العلوم واللغات الأجنبية على مستوى البلاد، وبلغ عدد هذه المدارس 200 مدرسة في عهد "كيم جونغ إيل". واحتل الطلاب الذين درسوا في تلك المدارس لاحقا مناصب رئيسية في الجيش والحزب والحكومة، مما عزز مكانتهم كقادة في المجتمع الكوري الشمالي.

استخدم "كيم إيل سونغ" العباقرة والموهوبين في الفنون كأداة للدعاية للنظام. وفي أواخر الخمسينيات، بدأ في تنظيم التعليم الفني الاحترافي بالكامل وتوفير تدريب مبكر للأطفال الموهوبين.

بعد ذلك، قاد "كيم جونغ إيل" عملية اكتشاف الأطفال الموهوبين، لكن هدفه كان مختلفا، فقد كان يهدف إلى معالجة الصعوبات الاقتصادية من خلال رعاية المواهب في المجال العلمي، ووضع "تعليم الموهوبين" كهدف سياسي للتعليم. وفي عام 1984، أصدر تعليمات بإنشاء مدرسة بيونغ يانغ الإعدادية رقم 1، التي كانت أول مؤسسة للتعليم العلمي للموهوبين في كوريا الشمالية. ولاحقا، أُنشئت المدارس الثانوية رقم 1 في كل عاصمة إقليمية، لتكون مهدا لتعليم الموهوبين. وعلى وجه الخصوص، تعتبر مدرسة بيونغ يانغ الثانوية رقم 1، المؤسسة الأولى في البلاد لتنمية المواهب المتميزة، حتى إنها ظهرت في فيلم كوري شمالي بعنوان "بزوغ الفجر على الريف".

تتمتع مدرسة بيونغ يانغ الإعدادية رقم 1 بظروف تعليمية أفضل حتى من جامعة "كيم إيل سونغ"، التي تعتبر أفضل جامعة في كوريا الشمالية. وتعتبر هذه المدرسة الإعدادية تذكرة مضمونة للنجاح. ويتم اختيار خريجي هذه المدرسة لشغل مناصب قيادية طلابية في الجامعة. وبعد تخرجهم من الجامعة، يحصلون على مناصب مهمة في الجيش والحزب والحكومة. ولذلك تعد قصور الأطفال بوابة للتدريب النخبوي، ومن السهل أن نفهم أن القبول فيها يتسم بالتنافسية الشديدة.

يمكن للطلاب الذين يعيشون في المناطق الريفية الالتحاق بقصور الأطفال في بيونغ يانغ، طالما أن لديهم موهبة. ولكن في الواقع، لا تتاح فرص التعليم المتميز للجميع. فالطلاب الملتحقون بقصور الأطفال، خاصة في بيونغ يانغ، يتم إعفاؤهم من مختلف حملات التعبئة، مثل المساعدة في الأعمال الزراعية والانضمام إلى الغمباز الجماعي، على عكس الطلاب في المدارس العادية. وهذا يعني أنه يُسمح لهم بالتركيز على دراستهم. ونظرا للمرافق التعليمية الممتازة والمعلمين ذوي الجودة العالية في هذه المؤسسات، فإن المنافسة على اختيار الموهوبين تزداد حدة. ونتيجة لذلك، ظهرت ظاهرة سلبية وهي لجوء كبار المسؤولين والطبقة الجديدة من الأثرياء، المعروفة باسم "دون جو"، إلى الدروس الخصوصية لقبول أطفالهم.

"هام سُنغ سو":
على الجانب السلبي، من المقلق للغاية أن أقل من 1% من المجتمع الكوري الشمالي، وهم النخبة المتميزة، يحتكرون التعليم المبكر. وهذا قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات المتأصلة بالفعل في المجتمع. ومن ناحية أخرى، فإن حقيقة أن الناس يبذلون جهودا كبيرة للحصول على التعليم تظهر أن فكرة جديدة بدأت تتجذر في المجتمع الكوري الشمالي، وهي الاعتقاد بأن "أطفالي يمكنهم النجاح إذا كانوا موهوبين". في حين أن كوريا الشمالية معروفة تقليديا بأنها مجتمع يتم فيه توريث المكانة الاجتماعية والخلفيات العائلية، فإن الشغف الشديد بإرسال الأطفال إلى المدارس المرموقة يشير إلى أن المزيد من الناس صاروا يعتقدون أن القدرات أهم من المكانة الموروثة. ويمكن اعتبار ذلك تطورا إيجابيا، بالنظر إلى إمكانية تحول كوريا الشمالية إلى مجتمع قائم على الإنجاز، حيث يمكن للأطفال الارتقاء بمكانتهم الاجتماعية إذا اجتهدوا ودرسوا وأصبحوا قادرين بما يكفي. وعلينا أن نراقب عن كثب كيف ستغير هذه الاتجاهات المجتمع الكوري الشمالي في نهاية المطاف.

مع الأمل في تحسين الوضع الاجتماعي للأفراد الموهوبين، يُطلق على قصور الأطفال اسم "قصور الأحلام" بين الطلاب الكوريين الشماليين. ولكن يتوجب الانتظار لنرى كيف ستعيد هذه المؤسسات تشكيل التعليم والمجتمع ككل في كوريا الشمالية.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;