© YONHAP News

شهد سعر العملة الإلكترونية "بيتكوين" اتجاها تصاعديا خلال الآونة الأخيرة، حيث ارتفعت قيمتها لأكثر من 8000 دولار خلال الجلسة الصباحية في التعاملات الآسيوية يوم 14 مايو، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ يوليو من العام الماضي. واستمر سعر البيتكوين منذ ذلك الحين في اتجاه تصاعدي، مما دفع المراقبين إلى استنتاج أن ما يسمى بـ"شتاء البيتكوين" قد انتهى. اليوم سنرصد عودة ظهور العملات الافتراضية.

 المعلق الاقتصادي "تشونغ تشول جين":

لاقت البيتكوين، التي تعد أكبر عملة مشفرة، الاهتمام مجددًا. بعد ان وصل سعر البيتكوين مرة واحدة إلى 20 ألف دولار أمريكي لكل عملة، لكنه انخفض لاحقًا إلى 3500 دولار.  ليرتفع سعرها مجددا في الآونة الأخيرة بشكل كبير و يصل إلى 8900 دولار. ويقول بعض المحللين إن سعر البيتكوين كان قد وصل إلى أقل مستوى يمكن أن يصل إليه. وفي الوقت الحالي يتم تداول حوالي 2000 عملة مشفرة، فيما تشهد العملات الرقمية الأخرى يضا اتجاهات تصاعدية.

 وصل سعر البيتكوين إلى 13 ألف دولار يوم 31 ديسمبر 2017، عندما اكتسحت تلك العملة الإلكترونية العالم بأسره. وفي ذلك الوقت، بلغ حجم التجارة اليومية لعملة البيتكوين في كوريا ما بين خمسة تريليونات و10 تريليونات وون، أي ما يعادل ما بين 4.5 مليار و9 مليارات دولار. وهذا يعني أنه تم استثمار ما بين 135 مليارا إلى 270 مليار دولار في هذه العملة الرقمية خلال شهر واحد. ومع ذلك، بدأ سعر البيتكوين في الانخفاض في كوريا في يناير من العام الماضي، حيث إن اللوائح الحكومية جعلت المعاملات الجديدة بها شبه مستحيلة. وبالمثل، بدأت حمى العملات الافتراضية في الانخفاض في بعض الدول الأخرى أيضًا. لكن العملات المشفرة أظهرت علامات على الانتعاش مرة أخرى اعتبارًا من أبريل من هذا العام، حيث ارتفع سعر البيتكوين على وجه الخصوص بنسبة 70% خلال شهر مايو فقط، وبلغ معدل نموها الإجمالي في هذا العام 140%. ويقول الخبراء إنه يوجد عدة عوامل وراء هذا الارتفاع الأخير في أسعار العملات الافتراضية.

 المعلق الاقتصادي "تشونغ":

أحد العوامل الرئيسية لارتفاع الأسعار هو ما حدث من قبل، من انهيار في تلك الأسعار. فقد انخفض سعر البيتكوين في كوريا إلى 4 ملايين وون من الذروة التي وصل إليها والتي تجاوزت 20 مليون وون، ويعتقد المستثمرون الآن أن السعر قد انخفض إلى أقل مستوى ممكن، وبالتالي فقد حان الوقت لشرائها مرة أخرى. وهناك عامل آخر، وهو اهتمام الشركات المتزايد بتكنولوجيا "بلوك تشين blockchain"، وهي التكنولوجيا الأساسية للعملات المشفرة. قفي السابق، كانت المؤسسات تتردد في شراء العملات المشفرة بسبب التقلب الشديد في أسعارها، وكانت المعاملات تتم في الغالب بواسطة الأفراد. ولكن في تحول كبير عن هذه الممارسة، بدأ المؤسسات الاستثمارية الكبيرة في دخول سوق العملات الافتراضية، مما حفز الأفراد على الاستثمار في تلك العملات مرة أخرى. وتعد مشاركة المؤسسات تطوراً إيجابياً في هذا الصدد، حيث إنها ساعدت على استقرار السوق. 

وبالإضافة إلى تلك العوامل، فإن الشكوك المحيطة بالنزاع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين ساهمت أيضًا في ارتفاع أسعار العملات المشفرة، حيث يتم استثمار المزيد من الأموال في تلك العملات باعتبارها نوعا من الأصول الآمنة في الأسواق المالية التي تعاني من عدم الاستقرار حاليا.  

 المعلق الاقتصادي "تشونغ":

عند زيارة اليابان، يفاجأ الكثير من الناس بأن عملة البيتكوين تستخدم كوسيلة قوية للتبادلات. فالعديد من المخابز هناك تقبل الدفع بالبيتكوين. وبالمثل، في بلدان شمال أوربا كالنرويج والسويد، تُستخدم العملات الافتراضية كوسيلة للدفع أيضا. ومن المعروف أن بعض الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، مثل "ييل Yale" و"هارفارد Harvard" و"ستانفورد Stanford"، تدير أموالها الخاصة، ومن المفترض أن تكشف عن كيفية إدارة هذه الأموال. وقد أوضحت تقارير تلك الجامعات أنها زادت من استثماراتها في العملات المشفرة، بما في ذلك البيتكوين. وهنا في كوريا، قامت شركة "سام سونغ" للإلكترونيات بدمج محفظة جديدة من العملات المشفرة في أحدث هواتفها الذكية "غالاكسي إس 10". وقد لا يعلم الكثيرون ممن اشتروا هذا الهاتف الذكي أنه يمكن الآن لمالكي العملات الرقمية إجراء عمليات الدفع باستخدام محفظة التشفير الخاصة بهم على هذا الهاتف الذكي الجديد. إذن، لماذا قامت "سام سونغ" بتضمين محفظة التشفير في هاتفها الجديد؟ أعتقد أن الشركة، عملاقة التكنولوجيا، لم تكن لتفعل ذلك لو كانت تتوقع  اختفاء العملات الرقمية.

هكذا يبدو أن العملات الافتراضية تتغلغل بسرعة في الحياة اليومية. فعدد من الشركات العالمية، بما في ذلك شركة "إيه تي آند تي  AT &T" التي تعد من أكبر شركات  الاتصالات في العالم، والتي يقع مقرها في الولايات المتحدة، والشركة عملاقة التجارة الإلكترونية في اليابان "راكوتين Rakuten"، وشركة "كوربوريت ترافللر Corporate Traveller" البريطانية للسفر، قررت جميعها قبول الدفع بالعملات المشفرة. أيضا في بعض المقاهي في سيول، يمكن للناس طلب مشروبات والدفع بالعملة الرقمية، كما يمكن للمستأجرين في بعض الوحدات السكنية المشتركة دفع الإيجار الشهري بنفس الطريقة. ولذلك يجذب الانتباه حاليا أن الشركات الكبرى في كوريا وخارجها تستكشف فرص النمو في تكنولوجيا "بلوك تشين" والعملات المشفرة، وتزيد من استثماراتها في هذا المجال.

 المعلق الاقتصادي "تشونغ":

يقال إن شركة "فيس بوك Facebook"، التي يوجد لديها أكثر من ملياري مستخدم في جميع أنحاء العالم، تخطط لإصدار عملتها الافتراضية الخاصة، والتي تسمى مبدئيًا "ليبرا Libra"، مع إنشاء منصة دفع جديدة كليا قائمة على تقنية "بلوك تشين blockchain"، بحيث يمكن لمستخدمي "فيس بوك" من خلالها تبادلها الخدمات وتحويل الأموال. وفي كوريا، تخطط أيضا شركة "كاكاو Kakao" لدمج محفظة تشفير "سام سونغ" في تطبيق المراسلة الفورية "كاكاو توكKakaoTalk " الذي يضم حوالي 50 مليون مستخدم. كما تستعد كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية لإطلاق عملاتها المشفرة لتطوير شبكة دفع جديدة ضخمة. وعلى هذه الخلفية، يتم إيلاء المزيد من الاهتمام بالعملات الافتراضية.

تخطط شركة "فيس بوك"، التي تعد أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم، لإطلاق عملتها الافتراضية الخاصة بها في 12 دولة بحلول الربع الأول من عام 2020، بحيث يمكن للمستخدمين هناك إجراء عمليات دفع رقمية. وقد أصدر "بيت تورينت BitTorrent"، وهو موقع لتبادل الملفات يشترك فيه أكثر من 100 مليون مستخدم، عملته الافتراضية الخاصة في يناير من هذا العام. وتقوم شركات الإنترنت الرائدة في كوريا، مثل "كاكاو Kakao" و"نيفر Naver"، بالتحضير لخدمات جديدة مرتبطة بالعملات المشفرة. وتنضم كل تلك الشركات إلى موجة استخدام "بلوك تشين" لأنه من المتوقع جدا أن يتم تقديم جميع الخدمات المستقبلية بناء على تلك التقنية التي تقوم بتشفير المعلومات الخاصة بالمعاملات المالية، ولا يمكن أبدا بعدها تغيير تلك البيانات، مما يمكّن المستخدمين من تخزين معلوماتهم بأمان. ولذلك يتوقع المحللون أن تعتمد معظم الخدمات عبر الإنترنت على تقنية "بلوك تشين" خلال السنوات القليلة القادمة. وبالتوازي مع ذلك، حدث تغيير طفيف في موقف الحكومة الكورية، التي كان لديها رأي سلبي نحو تقنية "بلوك تشين" والعملات المشفرة، حيث إن التعامل بهذه العملات كان يرتبط في الغالب بالمضاربات.

 المعلق الاقتصادي "تشونغ":

لا تزال الحكومة الكورية متمسكة بموقفها السابق وهو أنه ينبغي تنظيم التعاملات في العملات المشفرة بإحكام، لكنها أظهرت موقفا إيجابيا مؤخرا تجاه تكنولوجيا "بلوك تشين" باعتبارها إحدى المجالات الجديدة التي ستقود الثورة الصناعية الرابعة. أعتقد أن الحكومة الكورية أصبحت أكثر انفتاحًا ومرونة فيما يتعلق بالعملات الافتراضية، مقارنةً بالسنوات القليلة الماضية عندما انفجر الطلب على العملات المشفرة. ومع ذلك، تتقاسم حكومات كوريا ودول أخرى الرأي القائل بأن عمليات تبادل العملات المشفرة يجب أن تكون تحت سيطرة مشددة.

 من المؤكد أن الارتفاع القوي الأخير الذي تمتعت به العملات الافتراضية يختلف عما حدث من مضاربات محمومة في عام 2017. ولذلك قد بدأت الحكومة الكورية في البحث عن التأثيرات المحتملة لتقنية "بلوك تشين" كعنصر رئيسي سيقود الصناعات المستقبلية. لكن سوق العملات الافتراضية المتقلبة يمكن أن تولد فقاعة مضاربة مرة أخرى. ومع أخذ هذا الاحتمال في الاعتبار، تحتاج الحكومة الكورية إلى التعامل مع هذه السوق بطريقة هادئة وحذرة، من أجل تقليل المضاربات وتعزيز الشفافية.