ⓒ Getty Images Bank

هزت جائحةُ كورونا الاقتصادَ العالمي خلال العام الماضي، حيث تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من نمو اقتصادي سلبي غير مسبوق. ولم تكن كوريا الجنوبية استثناء من ذلك، حيث شهد اقتصادها أول انكماش منذ 22 عاما. وقد قدرت المعاهد البحثية في كوريا وخارجها أن الاقتصاد الكوري انكمش بحوالي 1% في عام 2020. كما أقرت الحكومة بإمكانية حدوث نمو اقتصادي سلبي للاقتصاد المحلي. وفي العام الماضي، عانت كوريا من أزمة كبيرة وخطيرة مشابهة للأزمة المالية الآسيوية في التسعينيات، عندما أصيب الاقتصاد المحلي والمجتمع بمشاكل خطيرة. ولحسن الحظ، من المتوقع أن يحقق كل من الاقتصاد العالمي والاقتصاد الكوري انتعاشا في عام 2021، على افتراض أنه سيتم توزيع لقاحات وعلاجات فيروس كورونا بسرعة لتخفيف الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا بشكل تدريجي

"لي إين تشول" مدير معهد "ريال غود إيكونومي" للبحوث الاقتصادية:

تقلص الاقتصاد العالمي العام الماضي بسبب جائحة كورونا غير المتوقعة، ولكن من المنتظر أن يحدث انتعاش متواضع هذا العام. يتوقع البنك المركزي الكوري أن يشهد الاقتصاد العالمي تحسنا في معنويات الاستثمار وظروف التجارة هذا العام، حيث تواصل الاقتصادات الرئيسية اتخاذ تدابير لتحفيز الاقتصاد، كما أن هناك تقدما في تطوير لقاحات وعلاجات فيروس كورونا. لكن البنك المركزي الكوري يعتقد أيضا أن الشكوك ستظل باقية بشأن المسار المستقبلي لجائحة كورونا. حسب المناطق، من المرجح أن تشهد البلدان المتقدمة تعافيا اقتصاديا على خلفية السياسات المالية التوسعية القوية، على الرغم من ضعف زخم الانتعاش مؤقتا بسبب عودة ظهور الفيروس. وفي حين أنه من المتوقع أن تحافظ الصين على اتجاه التعافي، من المتوقع أن تتعافى الاقتصادات الناشئة ببطء. باختصار، من المرجح أن ينتعش الاقتصاد العالمي هذا العام بسبب التأثير الأساسي الناتج عن النمو السلبي في العام الماضي، لكن الأمر سيستغرق وقتا طويلا للتغلب على التداعيات الاقتصادية للجائحة.

من المتوقع أن تشهد الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين انتعاشا قويا نسبيا هذا العام. وقد قدر 76 بنكا استثماريا عالميا أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيزداد بنسبة 3.8 في المائة هذا العام، وهو أعلى رقم منذ 20 عاما، كما يتوقع الكثيرون أن الصين ستسجل معدل نمو مرتفعا يتراوح بين 7.8% و9%.

المدير"لي إين تشول":

يتوقع البنك المركزي الكوري أن ينمو الاقتصاد الأمريكي في نطاق ثلاثة في المائة هذا العام لتحقيق انتعاش قوي على شكل حرف "في V". في العام الماضي، تقلص الطلب والإنتاج في الولايات المتحدة بسبب إجراءات الإغلاق الصارمة، كما أدت البطالة الهائلة إلى تدهور سوق العمل. ونتيجة لذلك، يُقدر أن الاقتصاد الأمريكي قد انكمش بنسبة 3 إلى 4 في المائة العام الماضي. هذا العام، من المتوقع أن تجمع إدارة جو بايدن بين سياسات مختلفة، مع مراعاة المؤشرات الاقتصادية بما في ذلك النمو والتوظيف والتوزيع. وربما سوف يدفع باتجاه سياسات مستدامة تهدف إلى رفع معدل النمو المحتمل على المدى المتوسط إلى المدى الطويل. لقد نجت الصين، حيث نشأ الفيروس، من أزمة الوباء بشكل أسرع من أي دولة أخرى. ومن المتوقع أن تحقق معدلات نمو عالية هذا العام. نمو الصين مهم بالنسبة لكوريا، حيث إن له علاقة كبيرة بزيادة الصادرات الكورية. ويتوقع اتحاد الصناعات الكورية أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 7.8% هذا العام، وهو أعلى مستوى منذ ثماني سنوات.

على الرغم من الصدمة التي أحدثتها جائحة كورونا، إلا أن الاقتصاد الكوري حقق أداء جيدا نسبيا العام الماضي بفضل صادراته القوية. وقد ساهم الانتعاش الاقتصادي الصيني الذي جاء في وقت أبكر من المتوقع، في زيادة حجم التجارة العالمية، واستفادت منه الصادرات الكورية. هذا العام، من المتوقع أن يكون للارتفاع الحاد في معدلات النمو في الاقتصادات الرئيسية والزيارة المحتملة من قبل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى كوريا الجنوبية، تأثير إيجابي على الاقتصاد الكوري. لم تتحقق زيارة "شي" إلى كوريا العام الماضي بسبب الوباء. إذا زار الرئيس الصيني كوريا الجنوبية هذا العام، فمن المتوقع أن تعود العلاقات بين كوريا الجنوبية والصين إلى ما كانت عليه قبل عام 2016، عندما ساءت العلاقات الثنائية في أعقاب قرار سيول بنشر نظام "ثاد" الأمريكي للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية. على خلفية ذلك، من المرجح أن يتعافى الاقتصاد الكوري بوتيرة متواضعة في عام 2021. وتتوقع الحكومة والمؤسسات الرئيسية داخل وخارج البلاد أن يتراوح معدل نمو الاقتصاد الكوري هذا العام بين 2.5 إلى 3.3 في المائة، لكّن الكثير من المراقبين يشيرون إلى أنه من السابق لأوانه استنتاج أن الاقتصاد قد دخل في مرحلة الانتعاش الكامل.

المدير"لي إين تشول":

هذا العام، يحتاج الاقتصاد الكوري إلى الاهتمام بثلاثة جوانب رئيسية، هي: الدَيْن الوطني، والتوظيف، وسوق العقارات. الديْن الوطني لكوريا هذا العام يقدر بـ956 تريليون وون، وهو أكبر بمقدار 100 تريليون وون مقارنة بالعام الماضي. مع ارتفاع الديون، من المتوقع أن تتجاوز نسبة الديْن إلى الناتج المحلي الإجمالي 47%. في عام 2022، من المرجح أن يتجاوز الديْن الوطني 1000 تريليون وون. أعتقد أنه من الضروري وضع قاعدة مالية تحافظ على الدين القومي عند مستوى معين. ثانيا، تشير التقديرات إلى اختفاء أكثر من 220 ألف وظيفة العام الماضي في أعقاب الوباء. وتتوقع الحكومة أن يتم خلق 150 ألف فرصة عمل هذا العام. قد تختلف وتيرة التعافي في سوق العمل اعتمادا على مدى فعالية التغلب على أزمة فيروس كورونا. ثالثا، ارتفعت أسعار المساكن في العام الماضي، وقفزت أسعار المساكن وأسعار الإيجارات بنظام "جون سيه" بأقصى وتيرة منذ 14 عاما. ويتوقع العديد من المحللين أن تستمر أسعار المساكن في الارتفاع هذا العام، مع الأخذ في الاعتبار كمية المنازل الجديدة المعروضة وانخفاض سعر الفائدة. ومع ذلك، تتوقع الحكومة أن يكون لسياستها العقارية التأثير المقصود لتحقيق الاستقرار في سوق الإسكان.

أحدثت جائحة كورونا تغييرات جذرية في البيئات الاقتصادية والصناعية في كوريا، وأصبحت السياسة المالية واسعة النطاق شائعة في سياق التعامل مع الوباء. أيضا، زادت الخدمات غير المباشرة بشكل كبير في الحياة اليومية، بينما أصبحت مؤتمرات الفيديو عن بُعد معيارا جديدا. وأدى التوسع في التقنيات الجديدة، مثل تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، إلى تسريع التحول الرقمي للاقتصاد. وحتى إذا دفع توزيع لقاحات فيروس كورونا الاقتصاد العالمي إلى العودة إلى المسار الصحيح هذا العام، فمن المرجح أن تستمر هذه التغييرات التي أحدثتها الجائحة.

المدير"لي إين تشول":

لقد حفزت جائحة كورونا وصول عصر عدم التلامس، الذي تكيف الناس معه الآن. وفي حين أن الأعمال التجارية وجها لوجه آخذة في التراجع، تزدهر برامج التمارين المنزلية والخدمات الإعلامية المتطورة. اعتبارا من هذا الشهر، ستقدم الحكومة الكورية الجولة الثالثة من أموال الإغاثة الطارئة لدعم أصحاب الأعمال الصغيرة الذين تضرروا بشدة من الارتفاع الجديد في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا. لقد انخفض سعر الفائدة الرئيسي في كوريا بالفعل إلى النطاق الصفري، ومن المرجح أن تحافظ الحكومة على المستوى الحالي، بدلا من تخفيض السعر أكثر. ومن المفترض أن تعتمد كوريا لبعض الوقت على السياسات المالية الهادفة إلى إنفاق الميزانية، بشكل أكبر من السياسات النقدية التي تعتمد على سعر الفائدة. وفي البيئة الصناعية، من المتوقع حدوث منافسة عالمية في مجال الأعمال التجارية الجديدة المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة.

يعتقد المحللون أن التكيف مع هذه التغييرات سيحدد القدرة التنافسية للشركات الكورية. فقطاع السيارات وقطاع بناء السفن وقطاع البتروكيماويات قادت الاقتصاد الكوري حتى الآن، لكن حصة هذه الصناعات التقليدية في الاقتصاد أصبحت أصغر وأصغر، في حين أن الشركات التي أدخلت بنجاح التكنولوجيا المبتكرة صارت تنمو وتصبح شركات قائدة عالميا. ويقول الخبراء إنه من الضروري للصناعات التقليدية زيادة قدراتها التنافسية من خلال دمج تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، كما ينصحون الحكومة بتقديم الدعم اللازم وإجراء إصلاحات تنظيمية.

المدير"لي إين تشول":

يواجه الاقتصاد الكوري تحديا هائلا للتغلب على حالات عدم اليقين في الداخل والخارج. أعتقد أنه من المهم أولا تأمين اللقاحات وتطعيم الناس في أقرب وقت ممكن. لقد وقّعت كوريا بالفعل صفقات مع شركات أجنبية، بما في ذلك موديرنا وأسترا زينيكا، لشراء جرعات لقاح لجميع السكان. أيضا، من المهم جدا تنفيذ تدابير لتخفيف اللوائح حتى تتمكن الشركات من دفع الابتكار التكنولوجي وتعزيز قدراتها التنافسية. حاليا يمكن للشركات ذات الكفاءة العالية الظهور كشركات عالمية وزيادة صادراتها، وهو ما يشكل الأساس للاقتصاد الكوري. وأخيرا، تحتاج الحكومة إلى الاستجابة بشكل مناسب للسياسات الاقتصادية لحكومة بايدن وأيضا لبيئة التجارة العالمية الجديدة. هذا العام، تقف كوريا عند مفترق طرق رئيسي في مكافحة الوباء وإعادة اقتصادها إلى طبيعته.

لقد بدأ العام الجديد، لكن آفاق الاقتصاد الكوري ليست مشرقة بالكامل. فالموجة الثالثة من وباء كورونا لم تُظهر حتى الآن علامات على التراجع، كما أن معنويات المستهلكين لا تزال منخفضة. وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر العوامل الخارجية على الاقتصاد المحلي في أي وقت. ورغم كل ذلك، لا يزال لدينا أمل في أن يكون عام 2021 أفضل من عام 2020، وأن نتمكن من استئناف أنشطتنا الاقتصادية قريبا، واستعادة حياتنا الطبيعية الثمينة.