الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

كوريا الشمالية : فقر وشيخوخة !!

2017-01-10

سيول بانوراما

كوريا الشمالية : فقر وشيخوخة !!
الفقر ظاهرة ومشكلة مجتمعية منتشرة في العديد من بلدان العالم النامي خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق وغرب آسيا، وأكثرها بلدان تعاني من مشكلات متصلة بالفقر من مرض وجهل وتخلف وعدم قدرة على الاستغلال السليم لما حباها الله من موارد طبيعية، وهو ما يساعد في تقصير المعدلات الحياتية والعمرية حيث لا يزيد المتوسط في أغلب تلك البلدان عن مطلع الخمسينات أو ربما دون ذلك. لكن ورغم فقر نلك البلدان وقِصر المعدلات الحياتية إلا أن أعداد السكان فيها في تزايد مستمر، وذلك نتيجة تسارع وتزايد معدلات الإنجاب. والشيخوخة كذلك هي ظاهرة ومشكلة مجتمعية منتشرة بشكل متزايد في العديد من البلدان المتطورة اقتصاديا وخاصة أوروبا التي صارت تعرف باسم القارة العجوز. أهم أسباب انتشار الشيخوخة في تلك المجتمعات هو قلة الإنجاب مع تكرّس وانتشار مفاهيم مثل تحديد النسل واكتفاء الأسرة بإنجاب طفل واحد أو اثنين مع الاهتمام بتوفير التنشئة والتربية السليمة من تعليم وصحة، بجانب إن التطور العلمي والصحي واتباع النمط الحياتي والغذائي والعلاجي الصحيح أسهم في تطويل أعمار أفراد تلك المجتمعات بشكل ملحوظ، لكن ذلك خلق في نفس الوقت مشكلة مجتمعية لهذه البلاد تمثلت في إحداث نقص مستمر في القوة البشرية المنتجة، وهو نقص قد يستدعي في كثير من الأحيان معالجته عن طريق استيعاب قوى مهاجرة وهو ما قد يتسبب بدوره في خلق مشكلات من نوع آخر.
وكوريا الجنوبية دولة عرفت الظاهرتين والمشكلتين ولكن بشكل لا يخلو من إيجابية في الحالتين. فحتى قبل خمسين عاما فقط كانت كوريا دولة فقيرة متخلفة تعاني من ما يشبه الانفجار السكاني في منطقة جغرافية ضيقة لكنها تمكنت بشكل لافت من الاستفادة القصوى من مواردها البشرية عبر ما أُطلق عليه جيل الطفرة وتمكنت في وقت قصير ربما لم يعرف العالم له مثيلا من إحداث ثورة تنموية اقتصادية عمرانية هائلة وهو ما أطلق عليه العالم اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان. لكن كوريا الدولة المتطورة نهجت نفس نهج الدول المتطورة الأخرى من سياسات تحديد النسل وهو ما وضعها في الوقت الراهن ضمن قائمة المجتمعات المهددة بالشيخوخة، وإن ظلت مؤخرا تسعى لانتهاج سياسات لمعالجة تلك المشكلة قبل أن تتفاقم وتتطور.
أما المشكلة الحقيقية فهي في كوريا الشمالية التي بدأت الآن تعاني من مهددات المشكلتين وهما الفقر والشيخوخة في نفس الوقت، فكوريا الشمالية دولة تعاني من مشكلات اقتصادية لا حد لها ، حيث يعيش السواد الأعظم من السكان تحت خط الفقر وفي ظروف من التخلف المعيشي، ويتعرضون لكل المشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها الآخرون في الدول النامية والمتخلفة. ومشكلة كوريا الشمالية إنها تعيش في ماضٍيها الشيوعي السحيق المنغلق الذي لا علاقة له بالواقع السائد في عالم اليوم القائم على التطور والانفتاح الاقتصادي. ففي الوقت الذي توجهت فيه بقية القلاع الشيوعية السابقة مثل روسيا والصين وفيتنام في طريق التنمية والانفتاح الاقتصادي بقيت كوريا الشمالية توجه كل مواردها على شحها من أجل تطوير برامجها النووية والصاروخية والعسكرية على حساب التنمية الاقتصادية والاستقرار المعيشي للشعب الكوري الشمالي الذي ظل يعيش حياة كفاف وتخلف في وقت تستقطب فيه جلّ موارد البلاد لصالح قلة قليلة في القيادة العليا للحزب والجيش والحكومة. وبسبب تلك السياسات انتشرت ظواهر عديدة مثل المشكلات الناجمة عن أمراض سوء التغذية وسط الأطفال خاصة في المناطق الريفية مما أدى إلى موت الكثيرين من الأطفال هناك حيث أن الأطفال هم القطاع الاجتماعي الأكثر هشاشة وتأثرا سلبيا بمثل تلك المشاكل مع ضعف وربما انعدام الخدمات الطبية في الأرياف البعيدة حيث أن جلّ اهتمام الحكومة الكورية ينحصر الآن على الفئات الحضرية التي تعيش في المدن الكبرى والتي تشكل العمود الفقري في المؤسستين الأهم في كوريا الشمالية وهما الحزب والجيش. إذا اعتمدنا على الإحصائيات الكورية الشمالية نفسها فهي تؤكد الآن إن معدلات الإنجاب هناك أقل من 2% في حين أن متوسط عمر الفرد هو 70 عاما، ولا تنشر كوريا الشمالية أرقاما رسمية على مستوى دخل الفرد أو الناتج الإجمالي المحلي إلا أنه حسب التقديرات والتسريبات والإحصائيات الخارجية فإن المستوى يقل عن واحد على عشرين مقارنة بكوريا الجنوبية، وهو ما يعني إن كوريا الشمالية تمثُل نموذجا عالميا نادرا وفريدا يجمع بين الفقر المدقع والمجتمع الشائخ .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;