الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

جمهورية الأكاذيب:

2017-02-28

سيول بانوراما

جمهورية الأكاذيب:
كوريا الشمالية، والتي تطلق على نفسها رسميا اسم جمهورية كوريا الديمقراطية، هي دولة أتقنت لحد كبير فنون القتل والترويع والبطش، خاصة بعد تولي زعيمها الشاب السلطة، ومضيه قٌدما في تثبيت وترسيخ أركان تلك السلطة بما قد يقتضي التخلص من كل من يمكن أن يكون مصدر خطر على تلك السلطة بأي شكل من الأشكال، والأقربين منهم خاصة قبل الأبعدين، كما حدث مع زوج عمته ومستشاره وساعده الأيمن قبل فترة قصيرة، وما حدث مع شققيه الأكبر قبل ايام في مطار كوالالمبور. لكن كوريا الشمالية لم تتقن فنون البطش وحده، ولكنها اتقنت كذلك فنون الكذب والإنكار، وبمنتهى الجرأة ودون أن يرمش لها طرف. الأمر ليس جديدا وليس مرتبطا بالزعيم الشاب، وربما يكون قد بدا قبل سنوات طويلة منذ مولده، والكثيرون ما زالوا يتذكرون تلك الجرأة التي تم بها إنكار حوادث كانت واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار مثل حادثة قصف الوفد الرئاسي الكوري الجنوبي التي وقعت في ميانمار عام 1983 والتي راح ضحيتها عدد من كبار المسئولين الكوريين الجنوبيين الذين كانوا في زيارة رسمية في بورما، أو عملية تفجير الطائرة الكورية الجنوبية أثناء طيرانها في عام 1987، وهما عمليتان لم تتردد كوريا الشمالية في إنكار مسئوليتها عن أي منها رغم ما اثبتته التحريات والتحقيقات الدقيقة من تورط لا يرقى له الشك. الأمر تكرر وربما بجرأة أكبر عند وقوع حادثة تسميم الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي قبل أيام قليلة في ماليزيا. فعلى الرغم من ما التقطته الكاميرات المثبتة في المطار والتي رآها الملايين حول العالم عن طريق النافذة الإلكترونية "يو تيوب" عبر لقطات دقيقة ومتسلسلة، إلا أن المسئولين الكوريين الشماليين في السفارة الكورية الشمالية، يدعون إن الحادث كان قضاء وقدرا، ومجرد سكتة قلبية، رغم أن المغدور والمجني عليه، وهو شاب في الخامسة والأربعين من عمره، توجه بعد دقائق من وقوع الحادث، نحو مسئولين في المطار شارحا لهم ما تعرض له، راجيا اسعافه، غير إنه خرّ صريعا بعد دقيقتين من ذلك، بسبب قوة وفاعلية السم الذ استعمل في تنفيذ الجريمة المحكمة التدبير. وإمعانا في الاستهتار طالبت السفارة الكورية الشمالية تسليمها جثة مواطنها المغدور به حتى تتولى تشريحها وتحديد سبب الوفاة ودفنه في أرض آبائه وأجداده.
ومن خلال التحريات الدقيقة التي قامت بها السلطات الماليزية تبيّن إن الجريمة كانت محكمة التخطط ودقيقة التنفيذ وشارك فيها عدد من المسئولين الكوريين الشماليين الذي تمكن جميعهم من الهروب من كوالالمبور في نفس يوم الحادثة، واستغلوا فتاتين من فيتنام وماليزيا في تنفيذ عملية الاغتيال. وبلغت الجرأة بالسفير الكوري الشمالي المعتمد لدى ماليزيا أن يعلن إن بلاده لا تعترف بالتحقيقات التي أجرتها ماليزيا، بل اتهم ماليزيا بأنها متواطئة ومتآمرة مع كوريا الجنوبية بهدف تلبيس الجريمة لكوريا الشمالية وهي منها براء على حد ادعاء السفير.
يُحمد لماليزيا إنها تصرفت بمسئولية وحكمة تستحق الثناء وبحياد وموضوعية ودون أي ارتجال أو تعجل أو اكتراث للاتهامات والادعاءات الكورية الشمالية ضدها حيث خرج السفير الكوري عن اللياقة والكياسة الدبلوماسية وهو يتهم الدولة التي يمثل بلاده لديها بالتواطؤ وتسييس قضية جريمة نكراء تم ارتكابها داخل أراضيها وفي انتهاك لقوانينها واستهتار بسمعتها.
أغلب الظن إن ما حدث سيكون له انعكاسات سيئة جدا على العلاقات الماليزية الكورية الشمالية حيث ان ماليزيا قامت فعلا باستدعاء سفيرها المعتمد لدى كوريا الشمالية تعبيرا عن غضبها. ماليزيا كانت من الدول القليلة في العالم التي لها علاقات تتميز بنوع من التوازن مع كل من كوريا الشمالية والجنوبية، وما قامت به بيونغيانغ قد يؤدي إلى حدوث شكل من القطيعة أو الفتور على الأقل في علاقات البلدين ، وهو ما يجعل كوريا الشمالية أكثر عزلة، وأقل أصدقاء، ويعزز من سمعتها وصيتها كدولة مارقة خطيرة على الأمن والسلم العالميين، ويفقدها القليل جدا من المصداقية التي كانت تتمتع به لحفنة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة من الدول، وتكرس من سمعتها كجمهورية للبطش والترويع والجرائم والأكاذيب.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;