الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

كمامات الربيع:

2017-04-18

سيول بانوراما

كمامات الربيع:
كمامات الأنف والفم، وأقنعة الوجه، هي أدوات تستعمل في العادة في فصول مناخية قاسية وصعبة مثل صقيع وزمهرير الشتاء عندما يكون في عنفوانه، أو إبان العواصف الثلجية والجليدية في الأجزاء الجنوبية من العالم، أو للوقاية من الأتربة والغبار والعواصف الرملية في الأجواء والمناطق الصحراوية الجافة. غير أن الأمر في كوريا يختلف، فأنت لا تشاهد منظر الكثيرين في الشوارع الكورية وهم يرتدون الكمامات التي تغطي أنوفهم وأفواههم إلا مع بداية شهر إبريل وعند حلول فصل الربيع المنعش المدهش بكل ما فيه من جمال وبهاء، وحلاوة وطلاوة وطراوة، وأنفاس ندية طلية منعشة. الأجنبي الذي يزور كوريا للمرة الأولى خلال موسم الربيع قد يتعجب ويستغرب ويندهش لذلك المنظر الغريب الذي يشاهده وهو يمشي منتشيا مزهوا مختالا مع اختيال موسم الربيع الذي يذكّر الشخص بقصيدة الشاعر العرب الخالد البحتري في وصف الربيع وقوله " أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا... من الحسن حتى كاد أن يتكلما". كل ذلك قد يدفع الشخص الأجنبي، كما كان الحال معي وأنا في حالة استمتاع وانتشاء بأول أيام ربيعية قضيتها في كوريا، لمعرفة السبب، فإذا عرف السبب بطل العجب. في شهر إبريل، ورغم البراري والتلال والأسطح المتسربلة بالجمال والخُضرة، والأزهار والورود المتفتحة والمختلفة الألوان المنتشرة داخل الحدائق والساحات، والأشجار الظليلة المتمايلة والمتشابكة الأغصان التي تتراقص مع نسمات الهواء العليلة، إلا أنك في الواقع تتنفس وتملأ رئتيك بالكثير من الغبار الشديد الدقة والنعومة رغم أنك لا تحس بأي مظاهر أو إشارات لذلك من أي نوع، لكنه هو أمر حقيقي واقع، حيث تطالب الجهات الصحية المختصة من جميع المواطنين اتخاذ كافة إجراءات الحذر والحيطة، واتباع كل الإرشادات التي تصدر في هذا الشأن حرصا وتوخيا للسلامة، من كل الأخطار والأضرار التي قد يسببها ذلك الضيف الثقيل والمكروه والمؤذي الذي يحرص على القدوم من الصين مع مطلع كل ربيع ليحيل سحر وجمال ربيعها إلى خطر يدعو إلى سد الأنوف وتجنب استنشاق تلك النسمات التي تبدو منعشة عليلة. الضيف الصيني الثقيل الذي يعرف باسم الغبار الأصفر هو عبارة عن ذرات غبار ترابية ورملية مفرطة الدقة وموغلة النعومة بحيث أن الشخص لا يمكن له مشاهدتها أو حتى الإحساس بها، لكنها أغبرة وأتربة شديدة القدرة على تلويث الجو وتسبيب الكثير من المخاطر. وحسب الجهات المتخصصة في الرصد الجوي ومكافحة التلوث فإن هذه الأغبرة الناعمة بلغت معدلات هائلة في كوريا تجعل من كوريا في هذه الأشهر المنطقة الأكثر تلويثا في العالم بعد الهند بكل ما فيها من زحام، مما يجعل من هذا النوع من الغبار قاتلا صامتا على المدى الطويل، وحسب إحصائيات عملية عالمية مثبتة بدأت منذ العام 2007 فإن نحو ثلاثين ألف شخص في كل من كوريا واليابان يموتون سنويا بسبب أمراض في الجهاز التنفسي ناتجة عن استنشاق هذا الغبار القادم من الصين، وحسب ذات الجهات فإن الأمر يمضي في تزايد متسارع.
الجهات الكورية الحكومية الصحية والبيئة المختصة بدأت تشعر حقيقة بالقلق وإن الأمر بات يمثل مشكلة تستدعي التعامل معها بشكل جدي، خاصة وإن كوريا صارت على المستوى العالمي من الدول الأكثر اهتماما بمشكلات البيئة والتلوث البيئي والاحتباس الحراري والمتغيرات المناخية والنمو الأخضر حيث تستضيف العديد من الأنشطة والمناسبات والمنتديات والمؤسسات العالمية ذات الصلة، وهو ما دفعها للقيام بعدد من الإجراءات الداخلية الرامية لمكافحة مشكلات التلوث البيئي وتنقية الهواء وتشجيع كافة أنواع المبادرات الخاصة بتقليل وتقليص العوامل الضارة بالبيئة، واستبدال مصادر الطاقة التقليدية الحالية بمصادر طاقة خضراء من شمسية ورياح وكهرباء وما شابه وهي إجراءات جيدة لكنها محدودة الفعالية إذ أنه، وحسل الإحصائيات الرسمية، فإن 80% من مسببات التلوث البيئي في كوريا هي بسبب الغبار الصيني الأصفر وهو ما يستدعي تحركات عالمية تستلزم التنسيق مع الجهات الصينية من أجل مكافحة مشكلة التلوث والغبار الصيني الأصفر الذي يحرم الكثيرين من متعة فصل الربيع الذي يأتي بعد شتاء كئيب وطويل وقارص وقاسٍ، ويمنحهم فرصة استنشاق هواء منعش عليل دون أقنعة وبلا كمامات في عز موسم الربيع وهو يرفل ويختال طلاقة وبشاشة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;