تحدثنا في حلقة الأسبوع الماضي عن أن أكثر المحللين والمتابعين للشأن السياسي الكوري مجمعون بأن ما شهدته كوريا الجنوبية من تحوّل في القيادة السياسية والحزبية في البلاد في أعقاب الأزمة الطاحنة التي عاشتها، يمثل نقطة تحول مهمة في التاريخ السياسي المعاصر للبلاد ، وأشرنا إلى خلفية الرئيس الجديد وحزبه الديمقراطي والذيّن سيحكمون كوريا على مدى الأعوام الخمسة القادمة. ونشير اليوم إلى أهم القضايا والتحديات التي يتوجب على الرئيس التصدي لها ومعالجتها. كان للرئيس عدد من المواقف والرؤى على المستويات الداخلية والخارجية التي ركّز عليها إبان حملته الانتخابية، أهمها، داخليا، تغيير نظام الانتخابات الرئاسية في كوريا من نظام ولاية واحدة إلى نظام ولايتين كما في النظام الأمريكي، و إصلاح وإعادة هيكلة مجموعات الشركات الكبرى ومحاربة كل أشكال التداخل والتشابك بين دوائر المال والسياسة على نحو ما أبرزته الفضيحة الرئاسية الأخيرة، بجانب معالجة مشكلة المجتمع الكوري الذي يُعتبر أكثر المجتمعات في العالم شيخوخة مما يعني تدني كبير في القوى المنتجة وهو ما يتطلب برنامج معالجات متخصص للتعامل مع تلك الظاهرة من تشجيع للزواج والإنجاب ورفع السن المعاشية. وعلى الصعيد الخارجي تتعدد وتتشعب القضايا وأهمها ضرورة التناول المنهجي المرحلي للقضية الكورية الشمالية وجعل كوريا الشمالية تتخلى وتقبل بتفكيك برامجها النووية والصاروخية بشكل عملي ومدروس وممكن وتدريجي متعدد المراحل وبخطوات محددة وشاملة ومقنعة، وعن طريق وضع خطة تهدف لخلق وحدة كورية متعددة المراحل ومبرمجة تأخذ في الاعتبار فرض العقوبات عند الحاجة، وتشجيع المفاوضات ما أمكن، ووضع خطة سلام كوري مشترك في إطار آلية عسكرية مشتركة بين الكوريتين. كذلك فمن الأشياء التي تحدث عنها ضرورة تحسين العلاقات مع الصين وأمريكا واليابان في نفس الوقت حيث يرى إن التحالف الأمريكي الكوري الجنوبي هو تحالف استراتيجي وهو يمثل عصب واساس الأمن الدفاعي لكوريا الجنوبية في شبه الجزيرة الكورية مما يستوجب تطوير قدرات ردع أمريكية كورية جنوبية مشتركة. لكنه يدعو في نفس الوقت للمحافظة على علاقات صداقة متينة مع الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لكوريا. ولما كان لكل من واشنطن وبكين رؤية وفهم مختلف تماما لموضوع نشر المنظومة الصاروخية الأمريكية الدفاعية " THAAD فإن ذلك يتطلب أن تسعى كوريا الجنوبية لاستثمار علاقاتها الوطيدة مع الطرفين من أجل إيجاد أرضية تفاهم مقبول للطرفين. بالنسبة لليابان فهو يدعو لإعادة التفاوض حول ما تم الاتفاق عليه إبان إدارة الرئيسة الكورية السابقة حول قضية "نساء المتعة" ممن تعرضن للاسترقاق الجنسي في معسكرات الجيش الياباني ويرى إن ما تم الاتفاق عليه لم يجد أي تقبل شعبي على مستوى الشارع الكوري وبالتالي لم ينعكس بشكل ملحوظ في تحسن العلاقات الكورية اليابانية مما يحتّم المراجعة.
هكذا يجمع أكثر المراقبين على أن الرئيس الكوري الجديد رغم السهولة الشديدة التي فاز بها وبفارق كبير عن أقرب منافسيه إلا أنه سيواجه العديد من التحديات الصعبة والمعقدة التي تحتاج لإرادة وصبر للتعامل معها ويمكن إيجاز التحديات الرئيسية منها على المستوى الداخلي الوضع داخل البرلمان. فرغم أن الحزب الديمقراطي يملك أكثرية المقاعد البرلمانية ( 119 مقعدا من 300) إلا أنه لا يملك الأغلبية المطلوبة لإجازة أي قرارات حتى بالأغلبية البسيطة مما قد لا تمكّنّه من تنفيذ كل برنامجه إلا من خلال تنازلات وتفاوض مع أحزاب لا تحمل تجاهه نظرة إيجابية. ومنها توحيد الجبهة الداخلية التي ظلت تشهد طوال الفترة الماضية خلافات وانشقاقات بين الأحزاب وتعمقت بشكل كبير بسب التطورات الناتجة عن الفضيحة الرئاسية. ومنها إنعاش الاقتصاد الكوري الذي ظل يعاني من تناقص وتباطؤ في معدلات نموه لخمسة أعوام متتالية. ومنها استعادة سمعة وصورة كوريا الخارجية بعد الفضيحة، بجانب القضايا الخارجية المعقدة التي أشرنا لها.
النسبة الكبيرة التي تم بها انتخاب الرئيس الكوري الجديد بفارق شاسع عن بقية المرشحين الذين بلغ عددهم 15 مرشحا هذه المرة، وفي ظروف صعبة وخطيرة مرت بها كوريا الجنوبية ربما كانت الأصعب منذ استقلالها، جعلت الكثيرين يتفاءلون بأن الرئيس الجديد قد يستطيع قيادة كوريا بحنكة وتجرد، ويساعدها في عبور الأزمة الصعبة التي ظلت تعيشها منذ الربع الأخير من العام الماضي، ويعيد لها استقرارها. لكن الكثير من المحللين عبروا أيضا عن أمنياتهم بألا يكون مصير الرئيس الجديد مشابها لمصير الرؤساء الخمس الذين سبقوه في العهد الكوري الديمقراطي الأخير والذين انتهت عهودهم جميعا وبدون استثناء بفضائح ، وبمن فيهم صديقه الرئيس الراحل روه والذي أنهى حياته منتحرا من قمة جبل شاهق بسبب فضيحة تورط فيها بعض أفراد أسرته.