الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

تدقيق أم شطط !!!

2017-06-13

سيول بانوراما

تدقيق أم شطط !!!
ارتبط اسم في كوريا في الماضي بالممارسات المتعلقة بالفساد واستغلال النفوذ واساءة استعمال السلطة والتداخل والتشابك الشديد بين دوائر المال والتجارة والسياسة وما يتصل بذلك من رشاوى وتسهيلات وحوافز ومحسوبية وواسطة وذلك بسبب موروثاتها الكونفوشية التي لا ترى عيبا في ذلك من جهة، والتقاليد التي ارتبطت بالأنظمة الدكتاتورية الباطشة والقمعية التي توالت على كوريا من الجهة الأخرى. لكن مع دخول كوريا مرحلة التحول الديمقراطي في بداية تسعينات القرن الماضي بدأ الكوريون يستشعرون أهمية وضرورة التخلص من تلك النظرة السالبة والتي تقف حجرة عثر أمام تمكن كوريا من التحول لدولة ديمقراطية حقيقية تتماشى مع ما استطاعت تحقيقه من تطور تنموي هائل وسريع أثار إعجاب العالم ، وهو ما جعل كوريا إحدى أهم دول العالم وأكثرها تطورا اقتصاديا وتكنولوجيا وتنمويا واستثماريا ومن ثَم سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا وفنيا ورياضيا. كان لا بد من أن يواكب مثل ذلك التطور انفتاح واسع وشامل نحو العالم الحر وبالتالي الالتزام بكل القيم والأخلاقيات والممارسات والسلوكيات السائدة فيه وعلى رأسها محاربة كل أشكل الفساد وانتهاج سياسات متسمة بالنظافة والشفافية والمصداقية وملتزمة بكل القيود والأحكام واللوائح والمعايير التي تحكم العلاقات بين بلدان العالم على نحو ما تحدده مؤسسات عالمية كبرى مثل منظمة التجارة العالمية أو البنوك والمنظمات والمؤسسات الخاصة بالاستثمارات والتبادلات التجارية العالمية. كل ذلك اقتضى وجود قيادات سياسية واقتصادية ودبلوماسية تتمتع بنظافة اليد ونقاء السيرة والمصداقية. ومع تجذّر مظاهر الديمقراطية في كوريا تجذرت مظاهر وممارسات ومطلوبات لازمة لاختيار تلك القيادات والتأكد من نقاء سيرتها وبعدها عن الشبهات والتأكد من مدى التزامها بالقانون وخلوها من أي ممارسات إجرامية، ومن هنا لزم البحث والتقصي حول ماضي وخلفيات كل من يتولى منصبا قياديا رسميا عاما للتأكد من ذمته الأخلاقية وسمعته والتزامه بالخلق القويم والممارسات الصحيحة. صار ذلك يتم على عدة مستويات وبمختلف الوسائل أهمها جلسات الاستماع البرلمانية التي يتم من خلال مسائلة كل من يتم ترشحيه لتولي منصب قيادي والتحري عن ماضيه والتحقق عن ذلك بمختلف الوسائل المتاحة ومواجهته بأي تهم أو شكوك أو أدلة ومطالبته بتفنيدها وإقناع أغلبية أعضاء البرلمان ببراءته ونقاء ذمته المالية وصلاحيته من كافة الجوانب المطلوبة للمنصب المرشح له.
لكن نجاح ذلك لحد كبير في القضاء على الكثير من مظاهر الفساد والممارسات الملتوية وتنقية اسم وسمعة كوريا، أغرى البعض للمضي في القيام بذلك بشكل فيه الكثير من الشطط والغلو والمبالغة وتوجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة أو قائمة على مجرد شائعات وأقاويل، أو حتى التمسك بمجرد هنّات وجُنح قديمة ومخالفات طفيفة وتجاوزات صغيرة وعابرة ، وصار الأمر يتم في أحيان كثيرة انطلاقا من مواقف سياسية ولتصفية حسابات فردية الطابع أو التشّفي والرغبات الشخصية في تشويه وتسفيه وقتل شخصيات الآخرين. بدا ذلك جليا لدى البعض بعد انتخاب الرئيس الكوري الجديد وشروعه في ترشيح عدد من الشخصيات لتولي المناصب الرئيسية في إدارته القادمة مما رآه البعض نوعا من الشطط والتطرف. فرئيس الوزراء الذي يراه الكثيرون شخصية مناسبة تتمتع بسمعة جيدة والذي اختاره الرئيس لشغل المنصب لاعتبارات رآها ضرورية لإحداث العدالة والتوازن الإقليمي اللازم نتيجة انتمائه لإقليم مهمش، لم يتمكن إلا بشق الأنفس من نيل المصادقة البرلمانية اللازمة بعد أن وجه البعض اتهاما لزوجته بالقيام قبل أكثر من ثلاثين عاما بتسجيل اسمها في مركز سكني مجاوز لمركزها الأصلي للحصول على وظيفة معلمة في مدرسة أولية. ووزيرة الخارجية المرشحة Kang Kyung-wha وهي موظفة دولية مرموقة عملت لسنوات طويلة في عدة مناصب رفيعة في الأمم المتحدة منها مستشارة لأمينها العام، والتي تعتبر أول امرأة كورية ترشح لمثل هذا المنصب في بلد ذي تاريخ ذكوري متعصب ما زالت تعاني حتى لحظة كتابة هذا المقال من معارضة بعض النواب البرلمانيين لترشيحها بسبب ابنتها التي تبلغ الآن ال33 من العمر والشخصية البالغة المستقلة بحياتها وبكينونتها القانونية كشخص آخر والتي ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية واستحقت الجواز الأمريكي بسبب القانون الأمريكي الذي يمنحها ذلك وتملك بالتالي جنسية مزدوجة كما هو حال الملايين في العالم ومن بينهم مسئولين عالميين كبار.
تدقيق وحرص كوريا على محاربة كل أشكال صورتها القديمة كدولة ترمز للفساد، ورفض كل مسئول مشكوك في أهليته لتولي منصب عام، شيء ممتاز ويستحق الثناء، لكن في المقابل فإن التطرف والمبالغة والغلو والشطط في أي شيء هو أمر ممقوت وضار، فخير الأمور أوسطها، والإفراط في الشيء كالتفريط فيه، وكلما ما تجاوز الحد انقلب إلى الضد.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;