كنت قد أشرت في حلقة الأسبوع المنصرم والتي كان موضوعها وداع شهر رمضان المكرم إلى قصيدة بديعة في ذلك الشأن يقول مطلعها:

ا أكرمَ الأضيافِ طبتَ صنيعا
فلِمَ ارتحلتَ عنِ الديارِ سَريعا؟
فَلَكَم رجونا أن تُقيمَ على المدى
فإذا بشهركَ يسبقُ الأُسبوعا.

وها هو الأسبوع يمر سريعا كلمحة البرق ليحل محله عيد الفطر المبارك ونستقبل هلاله اليوم ببيتين من قصيدة بديعة أخرى للشاعر ابن المعتز قال فيها ::
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه **** فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ *** قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
ومعهما نقول ونحن نرحب بهلال العيد: أهلا وسهلا أيها العيد السعيد . فيك تسبيح وذكر، وتراتيل وعطر. أنت نواّر ونور، وسرور وحبور ، أيها العيد المضاء ، فيك ود وصفاء، وسلام وهناء، مرحبا أهلا وسهلا ، أيها العيد السعيد ". كل هذه كلمات جزلى نستذكرها كل ما هلّ علينا هلال رمضان الذي استقبلناه هنا في كوريا منذ بضعة أيام بالكثير من الابتهاج والشكر والامتنان كما هو حال المسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها . وبهذه المناسبة أقول لكم مستمعينا الأعزاء في كي بي إس ورلد ، كل عام وجميعنا ،كوريين وعرب، مسلمين ومسيحيين وبوذيين ومن شتى الأديان والمشارب والاتجاهات، بخير وصحة جيدة، وتوافق وصداقة وانسجام، وإحساس بالهم البشري الواحد، ومن أجل بناء عالم يسود كل ربوعه الأمن والسلام، وندعو الله عزّ وجلّ أن يجعله عيد محبة ووئام وأن يعود علينا بالخير والسعد واليمن والبركات ، مواسم فرح لا تنتهي إلا لتتجدد.. نغتنم هذه المناسبة لنقول لمستمعينا في كل البلاد العربية والإسلامية وبكل اللهجات والعبارات كل عام وأنتم بخير، وكل سنة وأنتم طيبون، وعيد سعيد أعاده الله عليكم وعلينا جميعا وعلى جميع المسلمين باليمن والبركات والخير والسعد والسعادة ، ولمن يحتفلوا به هنا في كوريا نأمل أن يستمتعوا به ويعيشوه بكل جوانحهم مهما انعدمت مظاهر العيد هنا عن تلك المظاهر المبهجة التي تعودنا أن نعيشها في بلداننا العربية والإسلامية خلال العيد . فالعيد في كوريا لا يختلف بالنسبة للغالبية الساحقة من المسلمين المقيمين في كوريا عن بقية الأيام العادية، فبخلاف الأقلية التي تعمل في السفارات العربية والإسلامية هنا، والذين يستمتعون بعطلة قصيرة لمدة يومين أو ثلاثة ، فإن البقية يستمرون في أداء عملهم على النحو الروتيني العادي، ولا يكون العيد بالنسبة لهم سوى أنه نهاية لشهر الصيام الكريم ، والعودة لحياتهم الروتينية السابقة التي كانوا يحيونها قبل رمضان. رغم ذلك إلا أن المسلمين هنا ، بدافع من حب وتمجيد للعيد الكريم يحرصون على إضفاء ولو مظهر بسيط من المظاهر المعتادة للعيد ، فلو صادف العيد يوم عطلة نهاية الأسبوع ، فلن تكون هنالك مشكلة، حيث يتوافد المسلمون المقيمون في كوريا في مختلف المدن والضواحي ومن كل مناحي البلاد إلى المسجد المركزي في سيئول لأداء صلاة العيد، حيث ترى عشرات الألوف منهم وهم يتدافعون للمسجد وعادة ما لا تكفي باحة المسجد الرئيسية ولا قاعاته الجانبية ولا حتى فناءاته لإيواء حشود المسلمين وهم يقيمون صلاة العيد .وبعد أن تنقضي الصلاة تراهم في مشهد بديع رائع وهو يحتضنون ويقبلون بعضهم البعض ويتبادلون التهاني، ويتجاذبون أطراف الحديث في ابتهاج وسعادة ،وبعضهم يلتقط الصور الفوتوغرافية مع الأحباء والخلان، وبعد انتهاء الصلاة، تتوجه العديد من المجموعات من الأصدقاء لمختلف المطاعم الباكستانية والهندية والتركية والعربية التي تقدم الأطعمة الحلال لتناول طعام الغداء سويا، ويقبلون عليها بوجوه مستبشرة فرحة بعيدها ، سعيدة بفطرها بعد صيام مقبول بإذن الله.
هكذا لا يخلو العيد من بهجة في سيئول عندما تصادف أيامه أو بعضها عطلة نهاية الأسبوع أو يوم عطلة رسمية في كوريا س ، وهو أمر في واقع الأمر لا يحدث كثيرا، ووقتها لا تتمكن الأغلبية الساحقة من المسلمين المتواجدين في سيئول ، وجلهم من العمال المهاجرين الذين يعملون في المصانع الكورية المتوسطة والصغيرة، من المشاركة في أي أنشطة خاصة بالعيد، خاصة إذا كانت مصانعهم تبعد قليلا عن سيئول مما لا يتيح إلا لقلة قليلة أخذ أذون خاصة من أرباب العمل للحضور لبضعة ساعات لأداء الصلاة ولقاء الأحبة قبل العودة للعمل. لكن ومهما كان الأمر، فإن عيد الفطر المبارك تكمن فرحته الحقيقية في أنه يجيء بعد شهر الصيام وشهر الخير، وكل من حباه الله بنعمة الصحة والعافية ومكنه من صيام وقيام شهر رمضان فهو في كل الظروف يستقبل العيد بكل الفرحة وكل الترحاب. نأمل الله أن يكون عيد خير وسعادة وبركة ، وأن يهل علينا بكل البهجة وكل العطاء ، وأن يجعل الله الأمة الإسلامية والعربية تعيشه خيرا ونعمة وهي ترفل في ثوب من العافية والازدهار. وليس كعيد أبي الطيب المتنبي الذي يستقبله الناس في كل عام بذلك السؤال المتكرر، عيد بأي حال عدت يا عيد لما مضى أم لأمر فيك تجديد.،. دعواتنا لكم بعيد سعيد مبهج متجدد بكل ما فيه من خيرات وبركات وأوقات طيبة سعيدة ممتعة وتجديد نحو الأجمل والأفضل والأمثل وكل عام وأنتم بخير ودامت أيامكم أعيادا..