الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

عدو نفسه :

2017-07-18

سيول بانوراما

عدو نفسه :
منذ انقسام كوريا إلى دولتين، ظلت السبل والكيفية الكفيلة بالتعامل مع كوريا الشمالية وسياساتها وأطماعها ومخططاتها ومؤامراتها هي الصداع الدائم لكل رئيس كوري جنوبي ، وهو ما اضطر أغلب الرؤساء الكوريين الجنوبيين ، وجلهم من الرؤساء اليمينيين المحافظين المحسوبين على التيار الأمريكي المعادي تقليديا لكوريا الشمالية بدءً من الرئيس سينجمان ري وحتى الرئيسة بارك كون هاي، لانتهاج سياسات عدائية تجاه كوريا الشمالية ما عدا ثلاثة منهم هم الرئيس كيم دي جونغ الذي زار كوريا الشمالية وعقد أول قمة كورية مشتركة مع الزعيم الشمالي، ونال عن ذلك جائزة نوبل للسلام عن سياسته تجاه بيونغيانغ والتي أطلق عليها اسم الشروق، وخلفه الرئيس روه موو هيون الذي ظل ينتهج نفس السياسة القائمة على التعاطي والتعاون الإيجابي بين الكوريتين ، وأخيرا الرئيس الحالي مون الذي بشّر وشرع فعلا في السير على خطى سلفيه اللبراليين وحرص منذ بداية عهده على تطوير علاقة إيجابية موضوعية مفيدة وقائمة على المصالح المتبادلة للبلدين ولشبه الجزيرة الكورية، وعلى استثمار أي سانحة أو فرصة مواتية أو مناسبة عالمية من أجل الدعوة والتبشير لمثل تلك السياسة رغم أنه ، ومنذ أن ابتدر عهده قبل حوالي الشهرين، ظل عرضة دائمة للتحرشات والاستفزازات والمغامرات النووية والصاروخية الكورية الشمالية.

رغم كل ذلك حرص الرئيس على مد حبال الصبر على أمل أن تفهم كوريا المتغيرات الجديدة التي حدثت في كوريا الجنوبية بفضل تداعيات وانعكاسات الفضيحة الرئاسية الأخيرة التي أطاحت بالرئيسة الكورية وفتحت الباب على مصراعيه لعودة التيار اللبرالي للحكم بواسطة رئيس كوري جنوبي معروف بميوله اللبرالية اليسارية ورؤاه التي لا تخلو من تعاطف ملحوظ مع كوريا الشمالية ودعاويه لانتهاج علاقة تعاطي وتعاون إيجابي معها. كان ذلك الرئيس هو "مون جي إن" الذي عاد للتو من ثاني رحلة خارجية له بعد توليه الرئاسة في منتصف مايو الماضي وكانت هذه المرة إلى ألمانيا للمشاركة في قمة العشرين، وكانت فرصة طيبة للرئيس الجديد للقيام بنشاط دبلوماسي واسع . خاطب الرئيس القمة وطرح العديد من الرؤى لكيفية تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية وتحقيق الهدف الاستراتيجي لكوريا الجنوبية في إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية في المستقبل وأكد إنه لا يسعى ولا يعمل من أجل إحداث أي انهيار للنظام الكوري الشمالي، وإن ذلك يمكن أن يتم من خلال حوار ومفاوضات مباشرة بين الكوريتين، وأعرب عن أمله في تنظيم جولة جديدة من جولات لم شمل الأسر المشتتة بين الكوريتين منذ اندلاع الحرب الكورية في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي.

وجه كذلك الدعوة للرياضيين الكوريين الشماليين للمشاركة في الدورة الأولمبية العالمية الشتوية التي ستنظمها كوريا الجنوبية في Pyeong Chang في 2018 وأن ذلك يمكن أن يسهم في توطيد وتعزيز العلاقات والأنشطة بين الكوريتين عبر المنطقة المنزوعة السلاح بحيث يساعد في كسر الحاجز النفسي وخلق الأجواء اللازمة لإعادة توحيد كوريا. بل أن الرئيس مون مضى أبعد من ذلك عندما أعرب عن استعداده للقاء الزعيم الكوري الشمالي والحوار معه حول كافة المشاكل العالقة بين البلدين ومن أجل خلق الظروف المواتية لعلاقة إيجابية طبيعية بين البلدين والنظر في إمكانية التوقيع على اتفاقية سلام بينهما. وبجانب مخاطبة القمة عقد الرئيس الكوري لقاءات قمة جمعته مع عدد من الرؤساء والزعماء المشاركين في القمة فتبادل الآراء مع المستشارة الألمانية حول كيفية الاستفادة من التجربة الألمانية في التوحيد، والتقى كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الياباني وعقد معهم قمة ثلاثية استراتيجية مشتركة بين زعماء الدول الحليفة الثلاثة تناولوا فيها سبل التنسيق والتعامل مع كوريا الشمالية.

وعقد الرئيس كذلك قمة مع الرئيسين الصيني والروسي حيث تم الاتفاق حول شجب وإدانة ما تقوم به كوريا الشمالية من استفزازات وعلى أهمية بقاء شبه الجزيرة الكورية منطقة منزوعة السلاح النووي.
رغم كل ذلك النشاط الواسع والتحركات الدبلوماسية الإيجابية التي يمكن أن تمثل فرصة نادرة للإسهام في خلق مناخ إيجابي يمثل خطوة نحو تطبيع علاقات الدولتين والمضي في قيام عملية سلام متبادل إلا أن ردود الفعل الكورية الشمالية كانت ممعنة في السلبية ومليئة بالتحرشات والتهديدات، فبدلا من اغتنام الفرصة لقيام علاقات طبيعية ودية بين أبناء الأمة الواحدة من أجل جعل كوريا الموحدة قوة عالمية ضاربة وقوى يحسب لها ألف حساب، تعاملت مع كل تلك النوايا الطيبة للرئيس مون بمنتهى اللؤم والغباء لا تدرك ما يدور في العالم المتغير من حولها وكأنها لا تعرف مصالحها ومصالح شعبها المثقل بالمشاكل واقتصادها المتهالك.

كوريا الشمالية هي الآن دولة منبوذة مارقة تغرد خارج السرب العالمي في عالم يقوم الآن على المصالح المتبادلة وعلاقات التقارب الودي و التصالح ونبذ السياسات والمواقف العدائية والخصومات، لكن مشكلة كوريا الشمالية الأكبر والأخطر في الوقت الحالي ليست الأعداء الخارجيين باي شكل كما تتوهم وإنما عدوها الرئيسي والأول هو النظام الكوري الشمالية ذلك إن كوريا الشمالية هي عدو نفسها.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;