الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الشقيق فرّاج الضيق:

2017-07-25

سيول بانوراما

الشقيق فرّاج الضيق:
المثل العربي يقول الشقيق فرّاج الضيق، وتظهر أهمية الأخ والشقيق بصورة جلية عند وقت الملمات والشدائد والمحن وحيث يبتعد الآخرون، لأن الشقيق يحس ويشعر إن محنة شقيقه وأزمة أخيه هي كذلك محنته وأزمته، حتى لو كان ذلك الشقيق مخطئا أو منفلتا أو سفيها أو أنه هو من جلب لنفسه المشكلة نتيجة سوء تصرف أو غباء أو سفه أو استهتار أو رعونة. وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية هما دولتان شقيقتان ليس بمعني الكياسة والمجاملة الدبلوماسية كما يحدث في العلاقات بين الدول الصديقة، وإنما كحقيقة وواقع، وهما ليسا بلدين شقيقين فحسب وإنما توأم، وإن اختلفت بهما السبل وفرقتهما الدروب، فمضت كوريا الجنوبية في طريق التعمير والإنماء والتطور وصناعة الإنسان وبناء دولة الرفاهية حتى حققت ما عرفه العالم باسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان، بينما مضت الشقيقة الشمالية في طريق التآمر وزرع الفتن وتكديس أسلحة دمار الشامل من صاروخية ونووية وإهمال الشعب المغلوب على أمره وإهدار موارد البلاد على قِلتها من أجل أوهام وشعارات لا تسمن ولا تغني عن جوع. وهكذا صار الشقيق الجنوبي عملاقا ماردا من ضمن الدول العشرة الأكبر تطورا في العالم، بينما غرق الشقيق الشمالي في مشاكله وهمومه وصار من بين القلة القليلة من الدول المارقة المنبوذة الفقيرة المثقلة بالأزمات بكل أنواعها.

وبينما ظل الشقيق الشمالي يسخّر كل قدراته وموارده الشحيحة للقيام بمغامرات واستفزازات وتحرشات
بشقيقه الجنوبي، كان ذلك الشقيق لا يدخر جهدا ولا يتوقف عن البحث عن الوسائل المناسبة والمبادرات المتتالية لانتشال شقيقه من أزماته ومساعدته دون جدوى للعودة لجادة الصواب وانتهاج سبيل الخلاص والانطلاق. وكان آخر تلك المبادرات هي التي طرحها الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن ،في الأسبوع الماضي والتي صارت تعرف الآن باسم "مبادرة برلين" وهي تتكون من شقين، شق عسكري يقترح البدء الفوري لمحادثات عسكرية أمنية لنزع فتيل أي أزمة ممكنة ومحتملة بسبب وقوع أي حادث عابر في المنطقة المنزوعة السلاح اسما والمدججة فعلا بمختلف أنواع الأسلحة على الجانبين المحيطين بالخط العسكري الفاصل.

ويدعو الشق الثاني الإنساني لتنظيم جولة جديدة من جولات لم شمل الأسر المجزأة والمشتتة بين الكوريتين منذ اندلاع الحرب الكورية ، وهي مسألة تستحق أولوية خاصة فوق كل اعتبارات سياسية، حيث أن نحو 60 ألف شخص فقط هم من تبقوا على قيد الحياة من أصل 130 ألف شخص من المسجلين في قوائم طالبي الاستفادة من مثل تلك الفعاليات تجاوز أكثرهم الثمانين من العمر، ويبلغ متوسط عدد الوفيات من بينهم 3000 شخص كل عام. تأتي تلك المبادرة المقدمة لكوريا الشمالية الآن بعد العديد من التوضيحات التي قام بها الرئيس والذي أكد إنه يسعى لخلق وفاق وسلام وتوحيد كوري لا من خلال فرض وحدة قهرية قسرية أو تذويب لنظام في نظام وإنما عبر حوار ومفاوضات مباشرة بين الكوريتين، وبشكل سلمي تدريجي من خلال مناسبات وفعاليات شعبية، وعلى سبيل البيان بالعمل، وجّه الدعوة للرياضيين الكوريين الشماليين للمشاركة في الدورة الأولمبية العالمية الشتوية التي ستنظمها كوريا الجنوبية في 2018 على أمل أن يسهم ذلك في توطيد وتعزيز العلاقات والأنشطة بين الكوريتين عبر المنطقة المنزوعة السلاح بحيث يساعد في كسر الحاجز النفسي وخلق الأجواء اللازمة لإعادة توحيد كوريا. بل أن الرئيس مون مضى أبعد من ذلك عندما أعرب عن استعداده للقاء الزعيم الكوري الشمالي والحوار معه حول كافة المشاكل العالقة بين البلدين ومن أجل خلق الظروف المواتية لعلاقة إيجابية طبيعية بين البلدين والنظر في إمكانية التوقيع على اتفاقية سلام بينهما.

مهما اختلفت المواقف وتباينت الرؤى الآن، إلا أن الكوريين في البلدين الجارين المختلفيّن هم في نهاية الأمر أخوان وأشقاء وربما أكثر من ذلك،فالرئيس الكوري الجنوبي الجديد الذي انتخبه الشعب الكوري الجنوبي بأغلبية كبيرة هو في الأصل مواطن كوري شمالي جاء لكوريا الجنوبية كلاجئ في أسرة فقيرة جاءت للجنوب هربا من الحرب بين الأشقاء، ونشأ وترعرع وهو يحلم بعودة الوحدة والصفاء والوفاق للكوريين جنوبا وشمالا، وظل يعمل من أجل ذلك بشتى السبل والأساليب والأطروحات، ورغم أن كوريا الشمالية استقبلته منذ مقدمه للسلطة قبل بضعة أشهر بالكثير من التحرشات والاعتداءات والمغامرات الصاروخية والنووية، إلا أنه ظل عازما ومستعدا للمضي قدما في سياساته المعلنة ، لأنه يعلم إنه ابن الشعب الكوري بكل تمازجه شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، ويأمل أن يضع لبنة في طريق بناء كوريا الواحدة الموحدةٍ، ويسهم في خروج العملاق والمارد الكوري الجديد من قمقم الانقسام والطاقات المهدرة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;