كوريا حققت في فترة وجيزة ربما تكون الأقصر على المستوى العالمي تطورا فريدا على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا وصناعيا وتقنيا وثقافيا وإعلاميا وفنيا، وصارت قوة معروفة في كل هذه المجالات وتتمتع بشبكة علاقات عالمية واسعة ومتنوعة مما جعل العالم الخارجي لكوريا بمثابة الرئة التي تتنفس بها.

وفي المجال الفني والثقافي بالذات صارت كوريا قلعة عالمية معروفة وصارت الفنون الكورية بكل أشكالها من موسيقى وسينما ومسلسلات، شائعة ومطلوبة على المستوى العالمي فيما عرف باسم الموجة الكورية أو "هاليو" كما يسميها الكوريون. والعالمان العربي والإسلامي هما من المناطق التي وجدت فيها الفنون الكورية الكثير من الرواج والشعبية مع ذلك الانتشار العريض الذي وجدته مسلسلات مثل "جوهرة القصر " و"أحفاد الشمس" .
غير أن المسلسل الأخير الذي حمل اسم " رجل يعيش ليموت " وجد استقبالا سيئا لدى الكثيرين جدا من العرب والمسلمين في العالم وكان له تأثير سلبي ملحوظ على ما ظلت تجده الفنون الكورية من شعبية هناك بسبب ما رآه الكثيرون يحمل صورا سلبية سيئة وشائهة للإسلام والمسلمين كما ظهر جليا في سلسة الهجوم والاحتجاجات والسخط الذي ظهر وانعكس في شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وواتساب وجلهم من الشباب الصغير السن وممن عشاق ومتابعي الدراما الكورية.
يدور المسلسل عن رجل ذهب وعاش في العالم العربي في فترة سبعينات القرن الماضي وهي فترة الطفرة النفطية حيث نجح في جمع ثروة كبيرة وتحول إلى شخصية ثرية، وهي حكاية لا غبار عليها حيث نجح الكثيرون من كوريين وخلافهم من مختلف أرجاء العالم من تحقيق ثروات لا بأس بها في الشرق الأوسط في تلك الحقبة غير أن المسلسل، حسب رأي الكثيرين، اشتمل على العديد من الأخطاء والصور السلبية وغير الحقيقية والتي تصور العرب والمسلمين بشكل كاراكيتري مجافي للواقع مثل الصورة التي وضعت على الملصق الدعائي الرئيسي للمسلسل لبطل المسلسل وهو في صورة رجل مسلم يرتدي الزي العربي المعروف من عقال وجلباب وهو يضع قدميه على منضدة بجانب المصحف الشريف وهو منظر استفزازي لجميع المسلمين الذين يتعاملون دائما مع كتب القرآن الكريمة بكل التقديس والاحترام ولا يحملونه إلا وهم على طهارة حيث لا يمسه إلا المطهرون.
هناك أيضا عدة صور غير لائقة ولا تمت للحقيقة بصلة مثل صور نساء مسلمات على شاطئ البحر يرتديّن المايوه البكيني والبرقع أو الحجاب الذي يغطي الرأس. .
وبسبب ما أثاره المسلسل من مشاعر استياء وسخط لدى المشاهدين العرب والمسلمين سعت الجهات المنتجة للمسلسل امتصاص تلك المشاعر العدائية من خلال تقديم اعتذار باللغات العربية والإنجليزية والكورية أوضحت فيه إنها لم تقصد الإساءة للإسلام أو الثقافتين الإسلامية والعربية بأي شكل من الأشكال ولا تحمل لها إلا كل احترام. وإن الفيلم هو مجرد خيال لكاتبه ويدور في دولة خيالية وأشارت إلى أنها ستعمل فيما تبقى من حلقات على إصلاح كل الصور التي عرضها بشكل مشوه ومرفوض وتقديم الشخصية الإسلامية بصورة أفضل وخالية من أي تشوهات.

يرى الكثيرون وبينهم مسلمون وعرب إن الجهات المنتجة للمسلسل لم تكن تقصد التعمد للإساءة والإسلام، وإن كل السلبيات التي تضمنها المسلسل جاءت نتيجة عن عدم معرفة بالإسلام أو الوقوع تحت تأثير الدعاية العالمية الناجمة عن ظاهرة الإسلامفوبيا التي انتشرت مؤخرا ، والانجرار وراء الصور الزائفة التي تصور الإسلام بشكل متطرف سواء من أعداء الإسلام أو من المتطرفين والمتشنجين الإسلاميين أنفسهم من شاكلة داعش والقاعدة وغيرهم. ذلك لأن كوريا دولة عرف عنها إنها دولة بدأت تسير في طريق تكريس الحرية والديمقراطية بشكل ممتاز وتحترم الرأي والرأي الآخر ولا تحمل أي شكل من أشكال التطرف أو التمييز الديني فكل أصحاب الأديان سماوية وغيرها يعيشون بشكل متسامح يكفل لكل شخص حرية العقيدة والعبادة وبمساواة كاملة ودون أي مضايقات. وحتى عندما تعرضت كوريا لاعتداءات وحوداث من جماعات إسلامية متطرفة مثل ذبح المواطن الكوري كيم سونيل في العراق أو تحطيم التماثيل البوذية وقتل مبشرين كوريين في أفغانستان ظل المسلمون في كوريا يمارسون حياتهم وتجمعاتهم وعباداتهم في مساجدهم بشكل عادي ودون أي مضايقات كما حدث في بلدان آسيوية أخرى. "رجل يموت ليعيش" مسلسل لم ينته بعد. وهو كغيره من المسلسلات قابل لأن يمتد لحلقات طويلة أخرى أو لأجزاء عديدة مثل الكثير من المسلسلات الأخرى ونأمل، كما وعدت الجهات المنتجة للمسلسل، أن يتم في بقية الحلقات تتلافى أي أخطاء أو صور مشوهة. كوريا دولة ديمقراطية حرة وكل شخص أو مؤسسة في كوريا تتمتع بحرية التعبير وإبداء الرأي بالشكل المناسب والصحيح وبما يساعد كوريا في متابعة انطلاقتها ومسيرتها الناهضة، ولكن من المهم أن يتم ذلك على أسس مرتكزة على حقائق وواقع لا مجرد خيال شاطح أو لمجرد الإثارة. "رجل يموت ليعيش" مسلسل نتمنى له أن يعيش ويصحح نفسه بنفسه ليقتل أي أفكار مشوهة أو مفاهيم مشوشة ومغلوطة ويسهم في خلق حياة صحية أفضل وتعايش أمثل في عالم أروع وأجمل.