الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

أيام الكلب:

2017-08-22

سيول بانوراما

أيام الكلب:
كوريا دولة تتمتع بأربعة فصول مناخية متميزة ومحددة بشكل واضح.
والربيع والخريف هما من الفصول الجميلة والممتعة في كوريا، كما أن فصل الشتاء بارد لكن بشكل معقول مقارنة مع العديد من الدول الأخرى التي تقع في أقصى شمال الكرة الأرضية، والصيف قائظ وشديد الرطوبة، لكن فصل قصير لا تتجاوز مدته شهر ونصف وشهرين على الأكثر، وعادة ما يشهد بضعة أيام فقط شديدة الحرارة والرطوبة وهي التي تعرف باسم " أيام الكلب" وهي تقليديا ثلاثة أيام فقط تقع في فترات متفرقة بين شهريّ يوليو وأغسطس وتبلغ فيها الرطوبة والسخانة ذروتها وتعرف هذه الأيام في كوريا بأسماء Chobok و Jungbok و malbok.

شهدت كوريا هذا الصيف حرارة فوق المعتاد لم تشهد لها مثيلا ربما في العقود الأربعة الماضية حتى أن عدة أشخاص ماتوا بسبب الحر، وتعرض الألوف للأمراض الناجمة عن شدة الحرارة، كما نفق نحو مليونيّ حيوان حسب الإحصائيات الرسمية.
وفي مثل هذا الحر القائظ عادة ما تجد في كوريا صفوفا وطوابير طويلة من الرواد والزبائن أمام مطاعم متخصصة في صناعة الحساء والشوربة التي يعتقد الكوريون إنها أنواع صحية من الحساء وذات خواص تساعد في التخلص من الحرارة وتكسب الجسم ما يحتاج من انتعاش وطاقة لتحمل وطأة الحر الشديد. وهناك نوعان من هذا الحساء. النوع الأول هو " سامغيتانغ" وهو حساء من لحم الدجاج مع الأرز والخضروات، والنوع الثاني هو " بوسينتانغ" وهو حساء مصنوع من لحم الكلاب. لذا فإن مثل هذه الأيام الصيفية الحارة عادة ما تشهد الكثير من النقاشات والجدل والمعارك الكلامية الحادة والمظاهرات الشعبية المعارضة المتضادة بين مؤيدة ومعارضة لظاهرة أكل واستهلاك لحم الكلاب في كوريا بين من ينتقدونها ويعتبرونها ممارسة بربرية غير حضارية، وبين من يعتبرون الأمر ظاهرة عادية موروثة من التقاليد والتراث الكوري ومجرد مسألة ذوق شخصي واختلاف ثقافي، وخضوع لوجهات نظر وآراء غربية وأجنبية.

يمكن القول إن ظاهرة أكل لحم الكلاب في كوريا هي ظاهرة في حالة تلاشي خاصة وسط الشباب الذين يرون فيها ممارسات متخلفة وهمجية يستوجب القضاء عليها واستئصالها تماما من المجتمع الكوري، خاصة بعد أن أصبحت ظاهرة اقتناء الكلاب كحيوانات أليفة مدللة هي ظاهرة آخذة في الانتشار في المجتمع الكوري بشكل واسع حتى لا يكاد يخلو منها بيت خاصة في العاصمة سيول والمدن الحضرية الكبرى، وحسب آخر إحصاء فقد بلغ عددها أكثر من عشرة مليون كلب وصارت صناعة رائجة تقدر قيمتها بمئات الألوف من الدولارات وبوجود لألوف المحلات المتخصصة في بيع الكلاب المدللة وأخرى للزينة والعلاج والحلاقة والتجميل وملاعب ورياض ومنتزهات الكلاب وغير ذلك.

في الجانب الآخر يدافع المؤيدون للظاهرة وجلهم من كبار السن لتبرير الأمر وتصويره كمجرد اختلاف ثقافي. يقولون إن ليس كل أنواع الكلاب تؤكل وإنما كلاب محددة يتم تربيتها كماشية، وإن الكلاب في نهاية الأمر هي مجرد حيوانات مثل غيرها من الحيوانات التي تؤكل بواسطة الشعوب في مختلف أنحاء العالم من أبقار وأغنام ودواجن وأوز وديوك رومية وخنازير، وليس هناك ما يبرر استثناء الكلاب من بقية الحيوانات، كما أن هناك العديد من الشعوب التي قد تأكل أو تمتنع عن أكل حيوانات محددة مثل المسلمين الذين يحرّمون أكل لحم الخنزير، أو الهندوس الذين يمتنعون عن أكل الأبقار، كما أن شعوب تدعي الحضارة مثل الفرنسيين تأكل لحم الضفادع، وهناك من يأكل لحم الضب البري، ومن يستسيغ لحوم التماسيح.

وبالمناسبة، فإن ظاهرة أكل الكلاب غير مقتصرة على كوريا، بل هي عادة تمارس في عدة بلدان آسيوية أخرى مثل الصين وفيتنام والفلبين وإندونيسيا، وهي في كوريا تعتبر أمرا غير قانوني لكنها مخالفتها لا تستوجب أي عقاب، بمعنى إن أي مطعم أو فندق أو شخص لا يستطيع الحصول على ترخيص قانوني لذبح أو بيع لحوم الكلاب، لكن القانون لا يعاقبه إن فعل ذلك، ويبدو أن ذلك هو الحل الوسط الذي تم التوصل له لتفادي الانتقاد العالمي الشديد من جهة، وعدم إغضاب محبي أكل تلك اللحوم في كوريا، اللذين يعتقد الكثيرون منهم إن لحوم الكلاب صحية ولذيذة، وإن كوريا لا يجب أن تخجل من موروثها الثقافي وتقاليدها، لمجرد إن ذلك أمر لا يرضي الغربيين، فالحيوان هو الحيوان، ولا فضل لكلب على بقرة إلا من حيث جودة اللحم، وإنما من يتسترون خلف ما يسمونه الرفق بالحيوان يمارسون أبشع أنواع التمييز بين الحيوانات، فحسب ما يرون، لا فرق بين لحم كلب ولحم حمل أو عجل برئ، وإنما الذي يتوجب أن يمتنع عنه كل إنسان، هو فقط الامتناع عن أكل لحم أخيه الإنسان سواء أن كان ذلك بالمعنى المباشر، أو بكافة المعاني الأخرى غير المباشرة من استغلال واستبعاد واضطهاد.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;