الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

حبيب الشعب:

2017-09-12

سيول بانوراما

حبيب  الشعب:
"حبيب الشعب" و" محبوب الجماهير" و"ملهم الملايين" هي ألقاب سادت في العالم العربي وفي غيره من دول العالم الثالث في فترات سابقة لوصف زعماء وقادة إبان فترة مقاومة الاستعمار وحركات التحرر الوطني ، ثم تمّ إفراغها من مضامينها الحقيقية بعد ذلك عندما صارت تستعمل وتستغل بواسطة زعماء وقيادات دكتاتورية باطشة متسلطة لإحكام قبضتها على السلطة من خلال تخدير الشعب وخداع الجماهير وإرساء حكم الفرد، حتى أصبحت مثل هذه الأوصاف مرتبطة بهذا النوع من الزعماء والقادة، وليس بأسماء رؤساء أو قادة حتى وإن جاءوا بسند جماهيري واسع وتكليف شعبي وديمقراطي وعن طريق انتخابات حرة وشفافة.
والرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن هو من النوع الثاني، حيث احتفل مؤيدوه قبل بضعة أسابيع بمناسبة مرور مائة يوم على توليه السلطة ، وسط تزايد ملحوظ ومتصاعد في مدى ما يجد من شعبية وجماهيرية كبيرة وسط مختلف القطاعات الشعبية، حيث بلغت شعبيته حسب آخر استطلاع للرأي 84% وهي أعلى نسبة تأييد شعبي يجده رئيس كوري جنوبي في التاريخ، أي أن شعبيته تضاعفت خلال المائة يوم الأولى من حكمه إذ أنه انتخب بنسبة لا تتعدى 41% .
ورغم أن الرئيس تعهد وأعرب عن عزمه في عدة مناسبات على أن يصبح رئيسا لكل الكوريين، لمن انتخبه ولمن عارضه بشدة وضراوة، وأن يمتثل لإرادة الشعب في كل شيء يهمه، ويبتعد عن سياسات الهيمنة والانفراد بالرأي وإخراس الرأي الآخر والبطش بالخصوم كما كان يفعل بعض الرؤساء، إلا أن هناك من يخشون أن يغتر الرئيس بتلك النسبة العالية من الشعبية، وأن يسكره خمر السلطة والزعامة والتفاف الشعب حوله، فيجنح للتسلط والاستبداد، كما في حالات سابقة داخل كوريا أو خارجيها.
قد يجد أي رئيس شعبية مهولة في أي حكم ديمقراطي ، ويصبح شخصية محبوبة من قبل أغلبية أفراد الشعب، غير أن أي خطأ أو تصرف قد يفقده كل ذلك الحب، ويجعل منه رئيسا مكروها ملفوظا، فعظمة الديمقراطية تكمن في احترام قوانينها، والتقيد بأحكامها، والرئيسة الكورية السابقة بارك كون هاي هي خير مثال لذلك فقد انتخبها الشعب بأغلبية جيدة وظلت كافة استطلاعات الرأي تُظهر مدى ما تلاقي من شعبية وقبول متزايد ، ولقبها البعض بالأميرة واللؤلؤة وجوهرة القصر، لكن كل ذلك لم يمنع من سقوطها ذلك السقط المشين المهين والشنيع الفظيع عندما بدأت في ارتكاب الأخطاء المتتالية والتصرف برعونة وبلا أي قدر من المسئولية، فتحولت بين عشية وضحاها، من تلك الأميرة المحبوبة المبجلة إلى سجينة ملفوظة ونسيا منسيا.
ربما إن من بين الأسباب التي أسهمت في ارتفاع شعبية الرئيس بذلك القدر هو بساطته وتواضعه ونفوره من الأشياء المظهرية والسلطوية والشكليات والقشور التي تعطي انطباع بالتعالي أو الأنانية، فهو ما يزال يحتفظ بنقاء ابن الشعب البسيط الذي ظل يميز ذلك الطفل الذي جاء بصحبة أسرته لاجئا من كوريا الشمالية، ثم ترعرع فتى عصاميا متفوقا دراسيا، وصار ناشطا في حقوق الإنسان ودعاية ضد التسلط العسكري والأنظمة الشمولية، وهو ما قاده للعمل السياسي ودفع به للمنصب الأكبر في جمهورية كوريا .
لهذا يعتقد البعض إن على الرئيس الحفاظ على هذا الإرث المتميز، وألا يتصور أو يفسر إن ارتفاع شعبيته بتلك النسبة الكبيرة هو تفويض له للتصرف كما يريد أو فرض إرادته ومشيئته والعمل على تسيير وتمرير كل سياساته وأجندته اللبرالية، وهناك من يرى ظهور مؤشرات لذلك، مثل إصراره على المضي قدما في تعيين كل من رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية اللذيّن رشحهما رغم عدم حصولها على المصادقة البرلمانية، وهو ما اعتبره البعض تحديا واستخفاف بالإرادة البرلمانية، وكذلك إصراره على تنفيذ بعض من وعوده الانتخابية، رغم أن ظروف البلاد والأوضاع ربما لا تكون مواتية الآن لذلك.
أغلب تحركات وخطابات الرئيس الآن تجد شعبية كبيرة مثل استبعاده التام لاحتمال اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية في الوقت الراهن، ودعوته للتعاطي الإيجابي مع كوريا الشمالية دون التهاون معها، ومطالبتها بعدم تجاوز الخطوط الحمراء ،والتزامه بالتنسيق مع الحليف الأمريكي .
صحيح إن الرئيس مون اجتاز امتحان المائة يوم الأولى بنجاح عظيم وفائق، لكنه لا يجب ألا ينسى إن الأصعب هو القادم، خاصة وإنه كرئيس لبرالي له أجندة وسياسات وأفكار سابقة، أمر يستدعي منه التعامل بحذر ويقظة مع كافة التقاطعات ،وإن أفكاره كشخص وناشط وسياسي سابق، قد لا تتسق بالضرورة مع ما يجب أن يتخذ من سياسات وقرارات كرئيس، في ظل وجود قضايا حساسة مثل التهديدات الكورية الشمالية و"ثاد" و" دوكدو" ، وزعماء متقلبي المزاج مثل "ترمب" و"كيم جونغون".

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;