تقلّد الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن ، خلال رحلته التي قام بها في الأيام القليلة الماضية للولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وسام "المواطن العالمي" Global Citizen Award الذي قُدم له بواسطة " المجلس الأطلنطي Atlantic Council وهو معهد أمريكي متخصص في الشئون الدولية المختلفة يقدم أوسمة وجوائز في كل عام لبعض الشخصيات الدولية التي لعبت أدوارا عالمية متنوعة في صيانة السلام ونشر وتثبيت أسس الديمقراطية في العالم. فاز الرئيس مون بالوسام العالمي لهذا العام مع شخصيتين عالميتين أخريتين هما رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو وعازف البيانو الصيني لانغل انغ.

أعلنت المنظمة إنها منحت الرئيس مون الوسام للدور القيادي المتميز الذي لعبه في قيادة الجماهير الكورية التي شاركت في الانتفاضة والهبة الكبرى للجماهير الكورية والتي أطاحت بالرئيسة الكورية السابقة بارك كون هاي والتي ارتكبت أخطاء وتصرفات وفضائح كادت أن تسهم في تشويه الديمقراطية الكورية الناشئة التي حققها الشعب الكوري عبر سلسلة نضالات مختلفة. شارك الملايين من أفراد الشعب الكوري في تلك الهبة الديمقراطية الدرامية البديعة كما وصفتها العديد من الجهات العالمية والتي أطلقت عليها اسم "ثورة الشموع". كان ملايين الأشخاص يتوجون كل ليلة للميادين والساحات العامة وهم يحملوا الشموع ويوقدونها ويظلون في حالة التفاف حولها طوال الليل وهم يرددون الهتافات والشعارات والأغاني التي تطالب باستقالة الرئيسة بسبب تصرفاتها المخالفة لروح الديمقراطية والموغلة في ممارسات وسموها بالفساد واساءة استقلال السلطة والاستخفاف بقيم الحرية. كانت تلك الجماهير التي ظلت تسهر الليالي المتتالية على ضوء الشموع مطالبة بإقالة الرئيسة هي نفس الجماهير التي صوتت لها وحملتها لرئاسة البلاد ووقفت ورائها داعمة لها وتشد من أزرها قبل أن يسكرها خمر السلطة وتنساق في تلك الممارسات التي تسببت في سقوطها ذلك السقوط المذري الشنيع واضطرتها لمغادرة القصر الرئاسي التي عاشت فيه أميرة محبوبة معززة مكرمة لتعيش بقية حياتها سجينة ملفوظة نادمة تطاردها وتشيّعها لعنات الجماهير.
وعند تسلمه وسام المواطن العالمي ألقى الرئيس مون خطبة رائعة مؤثرة قال فيها إنه لا يستحق وحده هذا الوسام لأنه كان مجرد فرد من ملايين الجماهير الكورية التي شاركت في تلك الهبة، ولذا فهو يهدي الوسام لتلك الجماهير ويتسلمه نيابة عنها واسمها. قال إنه مصمم على قيادة كوريا من أجل تكريس الديمقراطية الحقيقية سياسيا واقتصاديا وشعبيا، وإنه يأمل في تقديم النموذج الكوري التنموي الذي حققته كوريا الجنوبية من خلال تلك الطفرة التنموية المدهشة التي أطلق عليها العالم اسم المعجزة الاقتصادية على نهر الهان من خلال تشارك وتقاسم تلك التجربة مع كل الدول النامية في العالم حتى يسهم ذلك في خلق عالم أفضل يسوده الخير والرفاهية والمساواة والقيم الديمقراطية الحقيقية.

قال مون إن انتفاضة وثورة الشموع التي شارك في قيادتها وأوصلته للمنصب الأكبر والأعلى في جمهورية كوريا لم تكن الأولى من نوعها من حيث الطريقة النضالية، لكنها تختلف من حيث إنها لم تكن مثل الانتفاضات والثورات التي سبقتها، والتي كانت عبارة عن انتفاضات ضد أنظمة عسكرية باطشة ومستبدة، ومن أجل الديمقراطية والحرية. فقد جاءت كثورة شعب ضد رئيس جاء برغبة الجماهير وذهب برغبة الجماهير بعد أن فشل في احترم مبادئ وقيم ومتطلبات الديمقراطية ومن هنا فهي قد جاءت تلقينا لدروس عملية في كيفية احترام الديمقراطية والتمسك بها، وإرساء لمبادئها وقيمها وأسسها، مما يعني إن كوريا قد نجحت أخيرا في إرساء نظام ديمقراطي صلب مستند على سلطة وقوة الجماهير.
الشعب الكوري ظل عبر زمان طويل يسعى من أجل الديمقراطية عبر العديد من الثورات والانتفاضات منذ ثورة 19 إبريل في عام 1960 ومرورا بانتفاضة كوانجغو عام 1980 وحتى هبة 1987 التي مهدت الطريق للديمقراطية التي تعيشها كوريا اليوم، غير أن ثورة الشموع هي ما أرسى قاعدة ديمقراطية صلبة لكوريا سترسخ المعنى الحقيقي للديمقراطية باعتبارها حكم الشعب للشعب حسب التعريف العلمي الأمثل للديمقراطية منذ أن عرفها العالم القديم في أثينا وأيام افلاطون وأرسطو وسقراط.