الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

نظرية الرجليّن المجنونيّن:

2017-10-24

سيول بانوراما

نظرية الرجليّن المجنونيّن:
نظرية الرجل المجنون Madman Theory هي نظرية ظهرت في الأدبيات الأمريكية في ستينات وسبعينات القرن الماضي والتي صاحبت وقتها انتشار وتداعيات حرب فيتنام، وهي ليست نظرية بالمعنى الفلسفي العام، لكنها برهنت على الصعيد التطبيقي بأنها ضرب من سوء التقدير، وصاحب النظرية هو وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنغر الذي كان يقود المفاوضات السرية التي جرت في باريس بين الوفدين الأمريكي والفيتنامي لوضع حد لتك الحرب التي كانت من الحروب الأشرس في التاريخي البشري المعاصر. ويقال إن كيسنغر في محاولاته لانتزاع تنازلات من الجانب الفيتنامي كان يستعمل لغة تهديد مبطنة مثل تكرار القول" دعونا نسعى لإحراز تقدم قبل أن يقوم ذلك الرجل المجنون الجالس في البيت الأبيض، ويقصد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، بإصدار أوامر جديدة تسهم في تأجيج الحرب وتطويل أمدها، وهي النظرية التي كانت مادة للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات والروايات والكتب وأشهره كتاب " حرب العشرة ألاف يوم.
ويرى مراقبون إن النظرية التي لم تنجح في إيقاف الحرب الفيتنامية القديمة تجددت اليوم بتعديل طفيف بحيث صار اسمها نظرية الرجلين المجنونين، وهما الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم جونغون والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، اللذّين ما انفكا يتبادلان التهديدات والتصريحات النارية ويحاول كل واحد تخويف وردع الآخر بالفناء والدمار. ويبدو أن تلك النظرية الجديدة سوف تسود لبعض الوقت، وبينما يوقن الكثيرون إنها سوف تسهم في توتير الأوضاع ونشر أزمة متطاولة في العالم، لا يستبعد آخرون أن تؤدي فعلا لحرب في المنطقة حسب الطبيعة المجنونة للرجلين. فليس من المتوقع أن يرضخ كيم جونغون وهو شاب متحمس مفتقر للخبرة والحكمة ولا يخلو من تهور وعناد وسوء تقدير لقوة بلاده ويتمتع بتأييد كاسح في أوساط القيادات العليا للجيش والحزب التي تستفرد بمزايا ومصالح ضخمة تحت قيادته وتستأثر بأغلب ثروات البلاد على حساب الشعب المغلوب على أمره، وهي بالتالي لن تتردد في تنفيذ أوامره حتى لو طلب القيام بهجوم نووي صاروخي في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شمال شرق آسيا حتى لو كان ثمن ذلك التدمير الكامل لكوريا الشمالية نفسها وملايين الضحايا في كوريا الجنوبية واليابان والمنطقة وأماكن أخرى في بقية العالم.
في الجانب الآخر فإن الرئيس الأمريكي شخصية متقلبة المواقف والمزاج ويتعامل مع المشاكل الأمنية والسياسية الكبرى بمنطق رجل الأعمال الذي لا يتردد في دخول مغامرات كبرى في سبيل تحقيق ما يراه أرباحا مادية بمنطق الربح والخسارة، كما أنه شخصية غريبة الأطوار وغير مأمونة الجانب، ولا يتردد في اتخاذ قرارات أو الإدلاء بتصريحات خطيرة ومربكة ومتناقضة عن طريق تغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر ، أو الدخول في مشاحنات حتى مع مسئولين كبار في إدارته كما حدث قبل أيام مع وزير خارجيته الذي تحدث حديثا دبلوماسيا مسئولا في دولة كبرى مثل الصين وذكر إن بلاده تفضل خيار التفاوض والحوار مع كوريا الشمالية فرد عليه ترمب بتغريدة قال فيها إنه يضيع وقته وطاقته وقال إن بلاده ستقوم بفعل ما ينبغي أن يُفعل.
إزاء كل ذلك وحكما بشخصيتيّ الرجلين يصبح كل أمر واردا وممكنا بما في ذلك حرب تسبب خسائر لا حد لها للجانبين وللمنطقة وللعام. ولكن ما قد يحول دون ذلك هو أن الزعيم الكوري الشمالي رغم ما يبدو عليه من طيش ورعونة وغرور إلا أنه لا يبدو شخصية انتحارية أو فاقدة للأعصاب وسريعة الغضب، ويعرف إنه وبلاده سيكونان الخاسرين الأكبر. من الناحية الأخرى فرغم أن ترمب كان قد وصل للسلطة على خلاف أكثر التكهنات، وإنه يبرهن في كل يوم إنه نوع مختلف تماما عن جميع الرؤساء الذين عرفتهم أمريكا منذ جورج واشنطن وحتى باراك أوباما، إلا أن أمريكا في النهاية كدولة مؤسسات سيكون لها القرار والقدرة على لجم الرئيس عند تجاوزه لأي من النقاط الحمراء التي تهدد مصالح البلاد وشعبها بالكثير من الوسائل المختلفة.
وكما لم تحقق نظرية الرجل المجنون في السابق أي نجاح يذكر وعادت أمريكا إلى رشدها واحتوت خسائرها وخرجت من الحرب الفيتنامية اللعينة في الوقت المناسب، فإنها ستتمكن كذلك من إفشال نظرية الرجلين المجنونين بالشكل المناسب وبالتعاون مع كافة حلفائها والراشدين والحكماء في المنطقة وفي العالم العريض .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;