الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

الوجه الآخر لترمب:

2017-11-14

سيول بانوراما

الوجه الآخر لترمب:
الوجه الأول لدونالد ترمب ظهر كالحا عبوسا منذ أن كان مرشحا محتملا لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استبعد الكثيرون حتى مجرد فوزه بترشيح الحزب الجمهوري، بسبب آرائه الغريبة المتطرفة غير المألوفة التي طالت الكثيرين في مختلف أنحاء العالم من مسلمين وعرب ومكسيكيين وحتى الكثيرين من أقرب حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الأمريكية حتى داخل حلف الناتو.
كان ترمب في تلك المرحلة مثل الثور في مستودع الخزف، وصار حديث المجالس ومحل تندر الكثيرين في مختلف الدوائر وخاصة الدوائر الإعلامية الشهيرة في العالم من مرئية مثل السي إن إن أو مكتوبة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست. لهذا كانت الأغلبية الساحقة تتوقع له سقوطا سريعا ودويا، لكنه تمادى في أسلوبه وحملته المخالفة لكل ما سبقها، مما أكسبه تعاطف البعض خاصة من دعاة التغيير وعشاق المغامرات والذين تأثروا بحملته التي وعد فيها أمريكا باستعادة أمجادها القديمة كالكاوبوي الذي يسيطر على العالم ويحقق الانتصارات المتتالية والمدهشة، وتحمسوا للسياسات التي وعد بها من خلال السياسة التي اسماها أمريكا أولا والوعود التي كان يقذف بها بعقلية ومنظور التاجر ورجل الأعمال وليس السياسي أو رجل الدولة.

وكوريا الجنوبية لم تكن مستثنية من تلك الحملات بل أصابها الكثير من الرشاش من جراء التصريحات والتغريدات التي كان يطلقها مثل أحاديثه عن أن كوريا الجنوبية تعيش تحت الحماية الأمريكية لكنها لا تدفع إلا الفتات، وإن الأمريكيين هم من يوفر لها الحماية من التهديدات الخطيرة من جارتها الشمالية دون أن تتكفل بما أسماه الجزء المستحق من تلك الفاتورة الباهظة التي تتحملها أمريكا، ووصف اتفاقية التجارة الحرة بين بلاده وكوريا الجنوبية بأنها أسوأ اتفاقية في التاريخ، وإنها اتفاقية ظالمة منحازة، ووعد بتمزيقها في حالة فوزه.
وفوق كل ذلك لم يتردد ترمب في بداية عهده كمرشح بإبداء نوع من الإعجاب بالزعيم الدكتاتور الكوري الشمالي ، ووصفه بالشاب المتحمس، وأعرب عن استعداده للجلوس معه على ساندويتش هامبورغر لبحث ما بينهما من مشاكل. وعندما تزامن وصول ترمب للسلطة مع وصول زعيم لبرالي جديد لكوريا الشمالية في شخص الرئيس مون، تصور الكثيرون إن الشقة بين البلدين الحليفين سوف تتسع بسبب اتساع الفجوة بين أفكارهما وتصوراتهما ورؤيتهما السياسية. ومع أول تحرش كوري شمالي صاروخي ونووي جديد، غيّر ترمب لغة حديثه تجاه كوريا الشمالية تغييرا شاملا كاملا، وصار يتحدث عن تدميرها تدميرا شاملا وإحراقها وإغراقها في بحر من لهب، مما مثل اختلافا كبير عن السياسة التي يدعو لها مون والتي تنادي بالحوار والدبلوماسية والحل السلمي مع الضغط وتشديد العقوبات.

لهذا فعندما تواردت الأخبار بأن الرئيس ترمب يعتزم القيام بأول جولة آسيوية له تشمل كوريا الجنوبية ساد البعض نوعا من القلق من أن يتمادى ترمب في تصريحاته وانفعالاته وتغريداته العجيبة التي ظلت تتري منذ توليه السلطة مما قد يحرج كوريا كدولة مستضيفة تريد أن تُظهر كل ما عرفت به من حسن ضيافة وقدرات في تنظيم وإخراج مثل تلك المناسبات، غير أن زيارة ترمب الأخيرة لكوريا الجنوبية جاءت مختلفة وبوجه آخر مغاير تماما، حيث بدا منفتحا متزنا منشرحا وديا منذ أن بدأ زيارته لقاعدة Humphreys التي صارت تمثل أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة بتكلفة زادت عن عشرة مليار دولار، تكفلت كوريا الجنوبية بما يزيد عن 90% منها والتي تضم حاليا 26 ألف جندي أمريكي وسيرتفع العدد بحلول 2020 إلى 46 ألف حسب الخطط المعلنة لتعزيز التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
صحبه في تلك الجولة الرئيس الكوري الجنوبي مون وكانت جولة ذات طابع ودي اشتملت على ضحكات ودردشة مع الجنود الأمريكيين في القاعدة التي صارت تمثل رمزا من رموز التحالف الكوري الجنوبي الأمريكي.
واستمر الجو وديا مفعما بروح الصداقة بعد انعقاد جلسة مباحثات بين الرئيسين، وعقد المؤتمر الصحفي المشترك الذي أظهر أن الجانبين اتفقا على استراتيجية مشتركة للتعاطي مع المشكلة الكورية الشمالية النووية والصاروخية. بدا الرئيس الأمريكي في أحاديثه موضوعيا وبعيدا عن ذلك الشكل الانفعالي المتشنج القديم حيث أعرب عن اعتقاده بأن المشكلة النووية الصاروخية الكورية الشمالية لا تخص أمريكا أو كوريا أو منطقة شمال شرق آسيا وحدها وإنما تمثل مشكلة دولية وهما عالميا يستوجب تضافر كل الجهود العالمية .
أشار أيضا إلى أنه يشعر بأن هناك مظاهر تحسن وانفراج نسبي في المشهد المتوتر في شبه الجزيرة وأعرب عن أمله في أن يستمر ذلك، وأن تتصرف كوريا الشمالية التصرف الصحيح ليس من أجلها وحدها وإنما من أجل البشرية جمعاء، وأوضح استعداده للتفاوض واتباع نهج سلام مسنود بالقوة .وفي اليوم الثاني للزيارة خاطب الرئيس الأمريكي البرلمان الكوري وهي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك مما أشار إلى مدى ما يحمل من تثمين إيجابي جديد لكوريا ودورها في الاستراتيجية الأمريكية وقارن في خطابه بين الحالة التي وصفها بالبائسة التي يعيش تحت وطأتها الشعب الكوري الشمالي، وبين ما تحققه كوريا الجنوبية من تطور وتقدم وإنجازات متواصلة، مما يجب أن يمثل نموذجا ودافعا لكوريا الشمالية للتغيي. رغم قصر الزيارة التي استغرقت أقل من يومين إلا أنها كشفت عن وجه آخر وجديد ومغاير للرئيس ترمب.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;