الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

كوريا ما بين الكلاب والخنازير:

2018-03-06

سيول بانوراما

كوريا ما بين الكلاب والخنازير:
ظل الكوريون خلال الشهر الماضي يعيشون سلسلة من الاحتفالات والأفراح والأعياد المستمرة، حيث بدأت احتفالاتهم بعام الكلب الذي يعتبر من بين أبرك الأعياد حسب التقويم القمري التقليدي القديم وما أن انتهت احتفالاتهم بعام كلبهم الجديد، حتى توالت احتفالات جديدة بمناسبة الأولمبياد الشتوي في بيونغشانغ والذي تابعه العالم باهتمام ونجحت كوريا في تحويل المناسبة من مجرد مناسبة رياضية إلى مناسبة قومية للسلام العالمي عندما تحول ما كان يشبه شبح الحرب الذي يلوح في المنطقة بسبب التحرشات النووية والصاروخية الكورية الشمالية إلى طيف سلام ووفاق محتمل بدأ يلوح ويتوهج ويكسب الثلوج المتجمدة دفئا وسخونة.
وما أن انتهت بيونغ تشانغ حتى تواصلت الاحتفالات من جديد بعيد المقاومة والاستقلال وحركة الفاتح من مارس التي يعتز بها كل كوري، وقد احتفل الشعب الكوري بتلك المناسبات بصورة متميزة على نحو ما اوضحنا في عدد من حلقاتنا في الأسابيع الأخيرة.
كثير من الأجانب الذين عايشوا وتابعو احتفالات كوريا تلك متفقون بأن الشعب الكوري شعب يكن احتراما شديدا لتراثه وتقاليده وماضيه الثقافي والتاريخي ويملك حسا وطنيا عاليا، وهو شعب يتوحد عند الأفراد والأتراح والمصائب والمباهج، ويبدي تجاوبا وتفاعلا منقطع النظير بالموضوعات العامة والمسائل القومية.
وكثيرا ما يدهش الشعب الكوري العالم من خلال توحده وتضامنه للتعبير عن فرحته واعتزازه وانفعاله ببعض القضايا مثل تشجيع الفرق الرياضية القومية في المنافسات الدولية على نحو ما حدث عندما استضافت كوريا منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم للعام 2002 وتحول الشعب الكوري بأسره إلى ما يشبه شخص أو مشجع واحد أو مجرد فميص أحمر يحمل شعار المنتخب الوطني الكوري مما بث في الفريق روحا وعزيمة صادقة أوصلته للدور ربع النهائي حتى بات قاب قوسين أو أدنى من الفوز بكأس البطولة مهددا فرقا عالمية ذات تاريخ ومهارات عالية مثل البرازيل وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

ويرى الكثيرون إن الشعب الكوري شعب سهل التعبئة والتجييش بشكل مفرط وأقرب للمبالغة وإنه يتمتع بما يشبه روح القطيع.
ورغم أنه في الحالات العادية شعب مسالم منضبط موضوعي متفادي للتطرف والانفلات وقادر على تفهم الحدث في إطاره السياسي المناسب وبالشكل السلمي المطلوب كما حدث في حالة عديدة مثل مقتل وذبح مواطنين كوريين على أيدي متطرفين في أفغانستان والعراق أو نتيجة أعمال تخريبية إرهابية كورية شمالية، إلا أنه في نفس الوقت ميال للتعبير عن آرائه ومواقفه بشكل جماعي منظم وسلمي كما يظهر جليا في المواكب والتظاهرات التي عادة ما تتم بشكل مسرحي ملحمي درامي منظم.
والشعب الكوري لا ينفعل فقط تجاه الاعتداءات الأجنبية والتهديدات الخارجية كما يتصور الكثيرون من الأجانب لكنه قد يوجه غضبه نحو كل من يرتكب خطأ أو استفزازا في حقه حتى لو كان من الكوريين أنفسهم كما حدث خلال الفضيحة الرئاسية الأخيرة وبالشكل الذي أطاح بالرئيسة بارك رغم حب الكثيرين من الكوريين لها وتقديرهم لوالدها الرئيس الذي يراه الكثيرين مؤسس نهضة كوريا الحديثة ومحقق معجزتها الاقتصادية، وكذلك قبل بضعة أعوام عندما غضب الشعب الكوري واحدة من غضباته الضارية لمجرد تصريح فردي من مسئول حكومي غير مسئول ومفتقر للأدب والكياسة.
كانت الصحف اليومية قد نقلت ما جاء على لسان مسئول حكومي رفيع يشغل منصبا هاما في وزارة التعليم خلال مؤتمر صحفي وصف فيه قطاع من الشعب الكوري بأنهم مجرد شراذم من الرعاع والغوغائيين وشبههم بالكلاب والخنازير، وقال إن الحديث عن المساواة بين كل أفراد وقطاعات الشعب هي مجرد أوهام مما يستدعي ضرورة أن تتعامل الحكومة مع بعض قطاعات الشعب بحزم وشدة وبما يستحقون من معاملة قاسية. وبمجرد أن نقلت الصحف وقائع المؤتمر الصحفي للمسئول الكبير في المجال التعليمي انتشر الخبر مثل النار في الهشيم وتدافع الكثيرون جدا من أفراد الشعب الكوري وتبارت الأقلام ووسائل الإعلام المختلفة من مكتوبة ومسموعة ومصورة وإلكترونية في تداول ذلك التصريح وصب جام غضبها على ذلك المسئول الذي تفوه بتلك العبارات غير اللائقة والتي لا يمكن أن تصدر عن أي شخص مسئول ناهيك عن مسئول رفيع وفي قطاع تعليمي هام.
واتسعت دائرة الغضب الشعبي العارم حتى وصل الأمر إلى البرلمان نفسه الذي قرر استدعاء وزير التربية والتعليم نفسه للرد على ما يثيره النواب من تساؤلات وما يطلبون من توضيحات وقد تبارى النواب من الحزبين الممثلين لكل من الحكومة والمعارضة في توجيه الهجوم اللاذع ضد ذلك المسئول الذي نال بالفعل أقسى عقوبة اجتماعية تخطر على بال، وما زال يعيش كشخصية منبوذة مهمشة.

كوريا كدولة، والكوريون كشعب، أوفياء لتراثهم وتاريخهم وأبطالهم وحتى كلابهم وخنازيرهم، ولكنهم قد يفقدون صفات التسامح والغفران مع كل من يستهين بكرامتهم ويستخف بقيمهم التاريخية والتراثية، ويسئ لهم كأمة وشعب ، أجنبيا كان أم كوريا .

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;