الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

رفقا بالطفولة:

2018-04-03

سيول بانوراما

رفقا بالطفولة:
الأطفال في كل مكان في العام هم كائنات رقيقة بريئة تجد تعاملا إنسانيا خاصا من كل شخص لأنه يرى فيهم كائنات تذكره بطفولته وصباه وعالمه البريء الذي والى ولن يعود بكل ما فيها من براءة وخيال. ولأنهم كذلك فهم يتمتعون بحقوق إنسانية خاصة بهم تحميهم وتوفر لهم ما يحفظ لهم براءتهم ونقاء وصفاء طفولتهم وكل ما يحتاجون من رعاية حتى بلوغ السن القانونية التي يستطيعون فيها حماية أنفسهم والتصدي لأي محاولات لاستغلالهم أو إساءة التعامل معهم. ولكل الدول الغربية بالذات حقوق متشددة لصالح الطفولة وتمنع التحرش بها أو استغلالها أو التعامل معها بشكل لا يتسق مع القوانين حتى لو كان ذلك من قبل آبائهم أو أمهاتهم. وليست القوانين الوضعية وحدها هي التي تؤكد على ضرورة حماية الطفولة من أي عبث أو تحرش ، بل أن جميع الأديان والشرائع السماوية والمعتقدات والمذاهب الفكرية والحضارية تفعل ذلك، باعتبارهم مخلوقات أقرب للملائكة، نظراً لبقائهم على الفطرة التي وُلدوا عَليها , فلذلك استحقوا لقب " أحباب الله" بجدارةٍ وإجماعٍ لا يُعرَفُ لهُ مُخالِفٌ ، كيفَ لا وكُلُّ واحدٍ منهم يغدو ويروح ويصحو وينامُ وما عليه خطيئةٌ , وما تُثقلهُ سيئةٌ ، وما يُقلقُه ذنبٌ.
وكوريا هي من بين أكثر الدول اهتماما بالطفولة على نحو ما يظهر في الكثير من نواحي الحياة وهو ما يبدو جليا ومحسوسا في مظاهر الاهتمام الشديد بالطفولة . والأطفال الذين يشاهدهم الشخص في الشوارع والساحات والمنتزهات في كوريا أطفال تبدو مظاهر الرعاية والاهتمام بادية على وجوههم وملابسهم التي تتسم بالنظافة والأناقة والجمال حتى يبدون كاللؤلؤ المنثور. وكل الأشياء المتصلة بالطفولة من رياض أطفال ومدارس وساحات وحدائق ومنتزهات ومنشآت للعب والترفيه موجودة ومجهزة بكل ما يحلم به الأطفال من سنين الطفولة الأولى وحتى سنين الصباب والمراهقة.
لكن رغم كل ذلك ، ولأن تمام الحال من المحال فإن كوريا صارت تشهد مؤخرا بعض الحوادث والممارسات التي لا تتسق مع كل ما أشرنا إليه ،فقد شهدت البلاد خلال الأشهر الأخيرة العديد من الحوادث التي ينبغي أن تتصدى لها الجهات المسئولة بالدراسة والتحليل والمتابعة ليس فقط من أجل توقيع العقوبات الصارمة على مرتكبيها ولكن لمعرفة دوافعها وأسباب والعمل من أجل معالجتها بالشكل الممكن. وسأكتفي اليوم بإيراد حادثتين فقط أثارتا الكثير من القلق والتوجس وسط الرأي العام الكوري.
الأولى هي مأساة الطفلة " كوه جن هي " والتي تم العثور على جثتها في منطقة جبلية قريبة من مدينة جنسان بعد قيام والدها بإبلاغ الشرطة عن اختفائها، وبعد قيام الشرطة بالتحري وإجراء الكشف الطبي اللازم على الجثة ، تبين إن الطفلة تعرضت للعنف والضرب المبرح ألذي أدى إلى موتها، وشهد الكثيرون من الجيران وسكان الحي ومنهم أطفال في سنها إن والدها كان يتعامل معها بقسوة ويمعن في ضربها عند قيامها بأي تصرف طفولي بسيط، وعند مواجهة الأب انهار واعترف بأنه ضربها حتى الموت. والمأساة الثانية هي مأساة هزت الضمير الكوري إذ راح ضحيتها ثلاثة أطفال أبرياء في عمر سنة واحدة وعامان ونصف وأربعة أعوام وهم نيام ، تركهما كل من والدهم الذي ذهب للشرب في حانة قريبة وأمهم التي ذهبت لسهرة مع شلة اصدقاء وتركوا الأطفال لوحدهم ليندلع حريق يلتهم الغرفة بكل ما فيها. وعند قيام الشرطة بالتحقيق كذلك تبيّن أن خلافات حادة ظلت ناشبة بين الزوج وزوجته خلال الأسابيع الأخيرة كان آخرها في نفس يوم الحريق الذي عادا فيه للمنزل مخمورين ويبدو أن أحدهما ، بقصد أو دون قصد رمى بعقب سيجارة مشتعلة تسببت في الحريق الذي راح ضحيته الأطفال الأبرياء.
هاذان مجرد نموذجان من عشرات المآسي التي تعرض لها أطفال كوريون بسبب أخطاء وتجاوزات لأشخاص بالغين وكبار. وحسب إحصائيات رسمية فقد بلغ عدد حالات إساءة معاملة الأطفال بمختلف الأشكل في كوريا بلغت خلال العام 2017 وحده نحو عشرين ألف حالة والمؤسف إن النسبة الأكبر من الجناة هم أحد الوالدين.
كوريا دولة اشتهرت بالاهتمام الشديد بالطفولة لكن ما حدث خلال الأعوام الأخيرة من حوادث لم تكن معروفة في كوريا ظاهرة تستحق الدراسة والتوقف والتحليل والتصدي لها بكل الوسائل الممكنة من قانونية وتربوية واجتماعية وتوعوية حماية للأطفال أحباب الله وهم الآن سلع نفيسة ونادرة ومطلوب الحفاظ عليها بشكل خاص في كوريا وفي المجتمع الكوري الذي يهرول بصورة مخيفة نحو الشيخوخة.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;