الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

لقاء السحاب:

2018-05-01

سيول بانوراما

لقاء السحاب:
وسط اهتمام عالمي ملحوظ، وبحضور وتغطية إعلامية دولية مكثفة، تركزت أنظار المجتمع الدولي بأسره يوم الجمعة الماضي نحو تلك القرية الصغيرة " بان مون جوم" في المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود الكورية الجنوبية الشمالية، والتي ظلت على امتداد نحو 65 عاما رمزا للتقسيم والتمزق والمواجهة العسكرية المسلحة بين شطرّي شبه الجزيرة الكورية، غير أنها تحولت يومها لرمز للآمال والتفاؤل والأحلام التي ظلت تراود الكثيرين من أبناء الأمة الكورية في جنوبها وشمالها. كان ذلك من خلال تحقق الحدث الكبير الذي ظلت الكوريتان منهمكتين طوال الأسابيع الأخيرة في الترتيب له والذي يتوقع له الكثيرون أن يكون بداية لمسيرة جديدة من التعاون والتصالح والوفاق الكوري المشترك في شبه الجزيرة الكورية.

والحدث الكبير هو القمة الكورية المشتركة التي جمعت بين الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغون ، وهي القمة الكورية الثالثة بعد قمتين تاريخيتين انعقدتا في الأعوام 2000 و7200 بين كل من الرئيسين الكورين الجنوبيين السابقين، الراحل كيم دي جونغ، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والراحل روه مون هيون، مع الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونغ إيل. ورغم إن القمتين السابقتين حققتا انفراجا كبيرا ومشهودا في العلاقات الكورية/الكورية شهدت شبه الجزيرة الكورية بعدهما حراكا ونشاطا جيدا متمثلا في العديد من مشروعات التعاون المشترك من اقتصادية وصناعية وتجارية وسياحية وثقافية، إلا أن العلاقات عادت لتنتكس من جديد وبشكل أكبر مع تبلوّر البرامج النووية والصاروخية الكورية الشمالية وما صار يصحبها من أخطار.

لكن الكثيرين ظلوا يتوقعون أن تحقق هذه القمة الثالثة ما تحق فعلا بحكم ما صحب الترتيب لها من تطورات إيجابية، وبسبب إن كوريا الشمالية وعلى مستوى زعيمها الشاب لعبت دورا حقيقيا وفعالا وقامت بمبادرات ذاتية، في جعل انعقادها ممكنا، أن يكون لهذه القمة ما بعدها، من أنشطة ولقاءات ومحادثات واتصالات كورية مشتركة ، وأن تسفر عن اتفاقات مهمة وعلى رأس ذلك التوصل لإعلان رسمي لإنهاء الحرب الكورية كما حدث فعلا، فربما لا يعرف الكثيرون، إن الكوريتين ظلتّا من الناحية الفنية والرسمية في حالة حرب معلنة لمدة 65 عاما متصلة، لأن الحرب الكورية التي توقفت عام 1953 لم تتوقف بموجب اتفاقية سلام، وإنما بمجرد هدنة مؤقتة.

لقد ظلت فكرة تأسيس نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية هي فكرة ظلت مطروحة منذ أكثر من عشرين عاما ، عندما اقترحتها بيونغيانغ لكنها ربطتها بتوقيع معاهدة سلام ثنائية منفصلة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد سحب قواتها من كوريا، وجرت محادثات رباعية بين الكوريتين وأمريكا والصين في هذا الشأن لم تثمر شيئا بسبب تلك المطالب غير الواقعية وغير العملية ،ولأن بيونغيانغ حاولت وقتها استبعاد كوريا الجنوبية.

بعدها تم استئناف عقد مثل تلك المحادثات من جديد لكن على مستوى سداسي بعد ضم كل من اليابان وروسيا لها كأطراف جديدة. وتم إصدار إعلان للمرة الأولى جاء فيه إن الدول المعنية ستقوم بعقد محادثات في محفل منفصل بهدف النظر في إمكانية نشر نظام سلام في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما مهّد الطريق لقيام تطور موازي في منبر مخصص لبحث سُبل نزع السلاح النووي وقيام محادثات سلام متعددة الأطراف في شبه الجزيرة الكورية.
يرى الكثير من الخبراء والمراقبين إن إعلان الإنهاء الرسمي للحرب الكورية واستبدال ذلك بنظام سلام دائم كما جاء في البيان المشترك الصادر عن القمة هو الخطوة الأولى الضرورية للتوصل لحل للمشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية في القمة الأمريكية الكورية الشمالية المرتقبة، فمقابل تخليها عن أسلحتها النووي، تطالب كوريا الشمالية بتقديم ضمانات أمنية مؤكدة لها وهو ما يحتاج لوجود نظام سلام حقيقي على الأرض.

على ضوء كل تلك الحقائق فإن القمة الكورية/ الكورية التي جرت بالأمس، والكورية الشمالية الأمريكية ، المرتقبة في الأسابيع القليلة القادمة هي جهود قد تقود لحزمة تطورات إيجابية على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والدبلوماسي ليس على شبه الجزيرة الكورية وحدها وإنما على منطقة شمال شرق آسيا بأسرها، ونأمل أن يكون لقاء السحاب الذي تم بالأمس هو بداية لانطلاقة حقيقية لمسيرة سلام جاد، لا مجرد هدنة أخرى أو استراحة محارب قصيرة، يعقبها توتر أكبر ومواجهات أخطر كما حدث في القمتين السابقتين.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;