الذهاب إلى القائمة الذهاب إلى النص
Go Top

الثقافية

البقرة السوداء والبقرة البنية

2020-04-17

ⓒ Getty Images Bank

كان يا ما كان، في قديم الزمان، وتحديدًا في أحد أيام الصيف، استلقى أحد العلماء الشباب تحت شجرةٍ ليحظى ببعض الراحة في الطريق إلى منزله. راح يمسح العرق الذي تصبب على جبينه، وبينما هو كذلك رأى مزارعًا يحرث حقله مع بقرتين، إحداهما سوداء، والأخرى بنية. بدت القوة والعافية على البقرتين، وكانتا تعاونان صاحبهما بكل قوة وتفانٍ. ولسبب ما، انتاب العالم الشاب فضولٌ قويٌ حول البقرتين، فحدّث الفلاح بصوت عالٍ قائلًا: "مرحبًا أيها الرجل العجوز. إن هاتين البقرتين قويتان عفيتان. ترى أيهما تعمل بجد أكثر من الأخرى؟ السوداء؟ أم البنية؟". هكذا سأل المزارع العجوز وهو يشير إلى البقرتين.

بدا الإحراج على المزارع، وتردد قليلًا قبل أن يتوقف عن العمل، ويترك البقرتين والمحراث في منتصف الحقل قبل أن يقترب من الشاب الذي كان لا يزال جالسًا تحت الشجرة. تعجب الشاب من هذا، فلقد بدا له من الغريب أن يترك المزارع عمله ويأتي إليه فقط ليجيبه عن سؤاله. لكن دهشته هذه تعاظمت حين رأى أن الرجل لم يتوقف إلا عندما وصل إلى جواره، ومال عليه هامسًا: "بكل صراحة، البقرة البنية أقوى، وتعمل بجد أكثر من السوداء". صحيح أن إجابته تلك أشبعت فضول العالم الشاب حول البقرتين، لكنه الآن أصبح أكثر فضولًا حيال سلوك الرجل العجوز غير المبرر. فسأل الرجل العجوز سؤالًا آخر: "آه! فهمت! البقرة البنية هي الأفضل بين الاثنتين إذن. لكن، لماذا أتيت كل هذه المسافة لتهمس لي بالإجابة؟ كنت تستطيع أن تصيح بصوتٍ عالٍ كما فعلتُ أنا، وكنت سأسمعك، دون أن تضطر  لإيقاف عملك".

ابتسم المزارع العجوز وقال: "أيها الشاب، أنت محق. لا أحد يسمعنا، نحن نتحدث عن الأبقار فحسب. لكن حتى إن كانت حيوانات عجماء، فأظن أنها قد تشعر بالحزن إن سمعتني أصفها بأنها ليست جيدة كالأخرى. لا أظن أن الحيوانات تحب أن يقارن المرء بينها وبين الحيوانات الأخرى. ولذلك، خشيت أن تسمعني إحدى بقراتي، ولهذا جئت وهمست في أذنك".

اندهش العالم كثيرًا من هذه الإجابة، فلقد أدرك كم أنه من المهم ألا يلوم المرء الآخرين أو أن يذكرهم بالسوء. لقد علمه المزارع العجوز درسًا لن ينساه أبدًا. فيما بعد، أصبح العالم الشاب موظفًا حكوميًا ممتازًا، وهو الشخصية الشهيرة باسم "هوانغ هي". كان من النبلاء الذين عاشوا ليخدموا أربعة ملوك متتاليين، كما شغل منصب كبير الوزراء لمدة 18 عامًا، فلعب دورًا كبيرًا في إرساء القواعد الأساسية التي بنيت عليها مملكة جوسون بعد ذلك. ويقال إن ذلك العالم والسياسي المرموق ظل يتذكر الدرس الذي علمه إياه المزارع العجوز طوال حياته.

موضوعات بارزة

Close

يستخدم موقعنا الكوكيز وغيرها من التقنيات لتحسين الخدمة. مواصلة استخدام الموقع تعني أنك موافق على استخدام تلك التقنيات، وعلى سياسة موقعنا. عرض التفاصيل;