أولت ممكلة تشوسون عناية خاصة وأهمية قصوى للموسيقى توازي أهمية الإنحناء والفضيلة في ثقافة المملكة الكنفشيوسية. إيمانا بأن الموسيقى الجميلة يمكن أن تنير القلوب لصنع عالما أفضل، وعلى العكس رأوا أن الموسيقى السيئة يمكن أن تكون سببا في سوء إدارة الحاكم. ومن المظاهر التي تدل على أهمية الموسيقى فلسفة (يه ياك) التي تقضي بتقديم الإستقامة والموسيقى على العقاب. كما أنشأت الدولة العديد من المعاهد الموسيقية لرعاية الموهوبين. إضافة إلى صنع العديد من الآلات الموسيقية المتنوعة المستخدمة في إحياء ذكرى الأجداد والإحتفالات التي عم بها القصر الملكي وجميع المناسبات في أرجاء المملكة. ولهذا أقتضت الضرورة أن تسجل الألحان والكلمات في كتاب، وكان هذا الكتاب يضم النظريات والقواعد الخاصة بموسيقى البلاط الملكي و مختلف أنواع الموسيقى الكورية الأخرى إضافة لرسوم توضيحية للشرح. وقد حوى كتاب (آك هاك كويه بوم) لمؤلفه (سونغ هيون) على تلك المعلومات الوفيرة فحق أن يكون الكتاب مرجعاً هاماً وكتابا جامعاً في دروب الموسيقى الكورية.
ولد (سونغ هيون) في عام 1439 وعرف عنه النباهة والذكاء منذ الصغر. وقد نجح في إجتياز إمتحان التوظيف الحكومي بعمر الثالثة والعشرين في عام 1462. وبعدها بأربع سنوات حصل على المركز الثالث في الإمتحان الخاص بتوظيف المدنين والعسكريين في مناصب عليا بعدة محاكم. وقد قضى السنوات الأخيرة من عقدة الثاني في إلقاء محاضرات عن الكنفشيوسية للملك. وبينما كان في رحلة إلى ممكلة (مينغ) الصينية أخذ بتأليف قصائد عن رحلته مظهراً براعتة أدبية. ولاحقا شغل (سونغ) العديد من المراكز الحكومية، فقد كان وزيرا للطقوس الكورية والتي تختص بالنظر في الآداب والموسيقى وحسن الخلق وإحياء طقوس الأجداد والدبلوماسية والتعليم. ويحكى أنه بينما كان في منصب رئيس مقاطعة (بيونغ يانغ) في عام 1488 أقام حفلا على شرف مبعوثين صينيين كانا في مهمة لتسليم بعض الوثائق الملكية وأذهلهم براعة وجمال القصائد الكورية التي عقدها (سونغ). كان سونغ عالما وكاتبا عظيما و موظفا مرموقا في البلاط الملكي. فلم يكن عجيبا أن يقع عليه الإختيار من قبل الملك (سونغ جونغ) تاسع ملوك ممكلة تشوسون لكتابة المرجع الموسيقى لتشوسون المعروف باسم (آك هاك كويه بوم).
(آك هاك) هي أكادمية عنيت تبدريس الموسيقى أوائل عهد ممكلة تشوسون. والكتاب يحتوي على جميع الفنون التي قدمت في البلاط الملكي لمملكة تشوسون. الكتاب في أجزاءه التسع يعرض نظريات الموسيقى، ترتيب الآلات الموسيقية، عملية العزف، عملية تصنيع الآلات الموسيقية، التقنيات والرقصات المصاحبة للعزف. فعلى سبيل المثال في الجزء الخاص ب(الآلات الموسيقية) فيشرح الحجم واللون لمختلف الآلات، وطريقة العزف على الأوتار مع إلحاق الشرح بالرسوم التوضيحية. وعند شرح الرقصات المصاحبة للعزف الموسيقي يذكر الكاتب عدد الراقصين وإتجاه العازفين. كما يتطرق في شرحه لطريقة الرقص.وعليه فلن يصعب على أي عازف العزف على الآلات الكورية طالما تتبع الخطوات والإرشادات الموضحة في الكتاب.
للأسف قتل العديد من الموسيقين الكوريين أو أسروا ورّحلوا إلى اليابان إبان فترة الإحتلال وتم التخلص من العديد من المستندات والكتب التي تحفظ ذلك التاريخ الموسيقي للمملكة وبحلول عام 1610 تم نسخ العديد من النسخ من ذلك الكتاب لإحياء وحفظ تاريخ الأمة الموسيقي. وفي عام 1504 كتب (سونغ) مقطوعة أخرى من التحف الفنية حيث يعبر فيها عن بعض آرائه السياسية والإجتماعية والأخلاقية كما أنه تطرق لمهام الملك ومفاتيح إدارة الدولة. ويتضمن الكتاب أيضا العديد من الحكايات والمواقف الطريفة عن العائلة المالكة والأسر النبيلة التي سكنت ذلك العصر. عاش (سونغ) مكرسا حياته في الحفاظ على التراث وبعد موته في عام 1504 كرم لكونه المسؤول المثالي لدولة تشوسون جمع خصائص شتى مثل القدرة على إدارة شؤون الدولة والنزاهة والأخلاق العليا والإحترام إضافة للعدالة والأنسانية.