"في اللحظة التي أمسك فيها مقبض باب تلك الغرفة يبدأ قلبي يخفق...وأحس كأنما الكتب التي تملأها تتوجه جميعها نحوي...تنتظر أن تلمسها أصابعي لأتصفحها فأعرف أسرارها وأعيش مع حكياتها...". الكلمات السابقة خير ما يصف شغف(لي دوك مو) بالقراءة والإطلاع. فكانت تغمره السعادة طوال اليوم إذا ما قرأ كتاب لم يكن قد قرأه سابقا. وكان يعكف في غرفته يأتنس بحبه الأول وهو قراءة الكتب حتى أطلق عليه (مهووس الكتب). ما رأيكم أن نتعرف اليوم على قصة هذا الشغف العميق؟
ولد (لي دوك مو) في سيؤل عام 1741 وينحدر من عائلة عريقة. ولكنه عاش طيلة عمره ينتمي إلى طبقة العامة. تربى بين والديه اللذين ينتميان إلى طبقة إجتماعية مختلفة حيث أن الأب من طبقة النبلاء بينما الأم من طبقة العامة وبحسب الأعراف الكورية ينتمي الأبن بالتبعية إلى طبقة العامة متجردا من حقوقه في الإنتساب لطبقة النبلاء. كان من الشائع في ذلك الوقت في مجتمع تشوسون أن يتخذ النبلاء خليلة أو محظية لهم، بينما كان الأبناء من ثمرة هذا الزواج لا يحصلون على حقهم في التوظيف مما يخضعهم دوما لحالة من التقييد. قام والد (لي دوك مو) بتعلييم ابنه الرموز الصينية وهو بعمر السادسة من أحد كتب التاريخ الصينية وبسرعة تمكن من قراءة الرموز حتى قبل أن ينهي الكتاب بأكمله فيما يظر نباهته وقدرته السريعة على الإستيعاب. ولكنه لم يكن له الحق في الإلتحاق بأحد الوظائف الحكومية على الرغم من إنتماء والده لطبقة النبلاء. فلم يجد سوى العمل الشاق في زراعة الحقول أو التجارة فكان الحصول على لقمة العيش أمرا في غاية الصعوبة. عاش حياة صعبة للغاية ولم يجد سوى القراءة ملاذا له من هذا الواقع. وبعمر العشرين أطلق مع شعراء آخرين ديوانا اكتسب من بعده شهرة واسعة. ثم انتمى إلى جماعة أدبية تتكون من الأدباء الذين ينتمون لطبقة النبلاء من طرف الأب فقط وهناك تعرف على الكثير من الأدباء المشهورين الذين ساهموا في تكوين فكره. وفي عام 1778 ارتحل إلى الصين مع مبعوث من تشوسون للقيام بمهمة التسجيل ليعود إلى تشوسون ومعه سجلا تفصيليا بأهم العلوم الصينية. كما شارك في تطوير العلوم المستمدة من الصين من خلال جمع أهم المؤلفات لأشهر العلماء الصينين. أخذ اسم( لي دوك مو) يسطع في أفق المثقفين الكوريين خاصة في عام 1779. لم يكن بإمكان (لي دوك مو) العمل في المراكز الحكومية وخاصة أن امه كانت تعمل خادمة في القصر الملكي ولكن تغيرت الظروف بإعلان قانون أبناء طبقة النبلاء من طرف واحد والذي يتيح لهم العمل في المناصب الحكومية بشكل رسمي. وبذلك بدأ عهد جديد لكل من (لي دوك مو) وغيره ممن ينتمون لتلك الفئة حيث عُهد إليهم مهمة بحث الكتب والمؤلفات الرئيسية. وهكذا تفانى (لي دوك مو) ليساهم بشكل إيجابي في أعمال إصدار الكتب الجديدة وترتيبها. وبفضل جهوده لتطوير العلوم التطبيقية تولى العديد من المناصب الهامة. ولكن وافته المنية في عام 1793. وحتى بعد وفاته حظيت أعماله ومؤلفاته باهتمام كبير من ملك تشوسن وعلى الرغم من ظروفه الصعبة إلا أنه لم يترك يوما يمر عليه دون أن يقرأ ويتعلم من الكتب فغير مصيره وحظي بإهتمام واحترام الملك وظل ذكرى خالده ترمز للنجاح وتشع برسالة هامة ملخصها الإهتمام بالقراءة وحب المعرفة.