يتوسط المسرح القومي الكوري مكانا أسفل جبل نام وعلى بعد عشر دقائق فقط مشيا على الأقدام من محطة جامعة دونغ غوك لمترو الأنفاق الخط البرتقالي الثالث. المسرح يقع على مرتفع جبلي صغير، لكن سرعان ما سوف تتحقق من أن المسرح القديم العتيق الذي تأسس قبل 61 عاما يستحق الزيارة بكل ما فيه من تاريخ وتراث أصيل، حيث إنه المكان الذي شهد أصل وتطور وازدهار الفنون الاستعراضية في كوريا بكل ما وصلت له من زخم ومجد اليوم.
تأسس المسرح القومي الكوري في خمسينيات القرن الماضي. هذا المكان هو مهد وموطن كل أشكال الفنون الاستعراضية في كوريا. يسهم المسرح اليوم في تقديم عروض ترفيهية متعددة ومعاصرة للمشاهدين. هناك ثلاث فرق مسرحية فنية كبرى تقدم عروضها بشكل مستمر ومنتظم هنا، وهي فرقة شانغ غوك القومية الكورية، والأوركسترا القومية الكورية، والفرقة الكورية القومية للرقص. بجانب هذه الفرق فإن عددا كبيرا من الفرق الأخرى المتنوعة تقدم أعمالا فنية هنا.
ثلاث من أكبر وأعظم وأشهر الفرق الفنية والمسرحية والموسيقية والاستعراضية تقدم عروضها هنا. وجود مثل هذه الفرق ليس هو السبب الوحيد وراء ما اكتسبه المسرح من صِيت وشُهرة، فالمسرح يقوم في كثير من الأحيان بإنتاج وإبداع أعماله الفنية الخاصة.
يضم المسرح القومي الكوري عدة قاعات وصالات، منها القاعة الرئيسية الكبرى "هيه "، والقاعة الأصغر "دال " والقاعة الصغرى "بيول". يوجد أيضا قاعة شبابية هي الأولى من نوعها في كوريا التي تُبنى على شكل قبة وهي قاعة " كي بي هانول " وتتسع لسبعمائة متفرج. لهذا فإن المسرح يستطيع استضافة ألوان وأشكال وأنواع مختلف من العروض والاستعراضات. المسرح قريب كذلك من غابة "أون ها سو" التي تعرف في كوريا باسم الطريق اللبني حيث الهواء العليل والإحساس الجميل والشعور بالراحة والسلام.
ويقدم المسرح طائفة من المناسبات والحفلات والأعمال والأنشطة الفنية المتنوعة على مدار العام مثل المهرجان العالمي للفرق الاستعراضية القومية ، ومهرجان الفرق الشبابية الاستعراضية، ومهرجان المواسم والفصول. المهرجان العالمي للفرق الاستعراضية القومية الذي ينظم هذه الأيام هو مهرجان دولي سنوي بدأ عروضه منذ عام 2007 وصار الآن أحد أكبر المهرجانات المسرحية الاستعراضية في العالم.
المهرجان العالمي للفرق المسرحية القومية يعتبر فرصة طيبة للاستمتاع بفنون عالمية متنوعة ورفيعة الإنتاج والإخراج، قد يعود تاريخ بعضها لبضعة قرون من الزمان. تم افتتاح مهرجان هذا العام في كوريا في ال14 من أغسطس وسوف يستمر حتى نهاية أكتوبر. سيقدم المهرجان خلال هذه الفترة خمسة وتسعين عملا فنيا مختلفا من كوريا وخارجها، بواسطة ثلاثين فرقة فنية من تسع دول. تتراوح الأعمال الفنية المقدمة بين مسرحيات مختلفة واستعراضات موسيقية وراقصة وحفلات وعروض فنية وثقافية متنوعة.
المسرح القومي الكوري شاهد على تطور تاريخ الفنون والثقافة في كوريا. وعندما احتفل بعيد ميلاده الستين في العام الماضي قام، احتفالا بهذه المناسبة، بتأسيس متحفه المخصص فقط للفنون الاستعراضية. يقع المتحف في نفس المبنى الذي يضم استوديو بيول ويتكون من ثلاثة طوابق : طابق تحت الأرض، وطابقين فوقها. يضم المتحف كذلك صالات للعرض والأرشيف والتعليم.
قاعة العرض الدائمة في المتحف تحتل الطابق الثاني، والطريق المؤدي إليها مزيّن بالعديد من الملصقات الجذابة والملفتة للنظر. القاعة مقسمة لقسمين، قسم خاص بتاريخ الفنون الاستعراضية، والآخر خاص بإنتاج هذه الفنون.
وفي القاعة الثانية يمكن للزائر أن يتعرف على الكيفية التي تغيرت بها الفنون الاستعراضية الكورية مع اكتسابها نوعا من الحداثة في مطلع القرن العشرين.
أما الطابق الثالث فهو مخصص لحقبة ستينات القرن الماضي، وهي حقبة كانت تمثل قمة ازدهار الفنون الكورية الاستعراضية في الماضي وفي فترة ما بعد الحرب. يتعرف الزوار هنا على قصص معبّرة ومؤثّرة عن فنانين ومبدعين كوريين تلقوا تعليمهم وتدريبهم وصقلوا مواهبهم في اليابان وحققوا أمجادا هناك لكنهم آثروا العودة لكوريا للمساهمة في بناء كوريا الحديثة بعد التحرير.
وحتى بعد انتهاء العرض المسرحي فإن أغلب أفراد الجمهور لا يرجعون مباشرة إلى منازلهم بل يقضون بعض الوقت وهم يتجولون داخل صالات وممرات ودهاليز المسرح لمشاهدة كافة المعروضات واللوحات والصور المنتشرة على ردهات المسرح وهم في حالة استغراق وتأمل واستمتاع بما يشاهدون، وكأنهم يشاهدون مسرحية حية على الطبيعة.