تطورات شبه الجزيرة الكورية

شبه الجزيرة الكورية من الألف إلى الياء

تطورات شبه الجزيرة الكورية

الأفلام الوثائقية في كوريا الشمالية

2022-06-29

ⓒ YONHAP News

في الأول من فبراير، بث التلفزيون المركزي في كوريا الشمالية فيلما وثائقيا بعنوان "عام النصر العظيم: 2021". وظهر في ذلك الفيلم الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" على حصان أبيض، وهو يتأمل شروق الشمس.


صوّر الفيلم كيم وهو يمتطي الحصان عبر الغابة بأقصى سرعة، ممسكا بزمامه بيد واحدة. وفي كوريا الشمالية، فإن الحصان الأبيض لديه معنى رمزي. وقد بدأت الرمزية من مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ"، حيث تزعم كوريا الشمالية أنه امتطى حصانا أبيض اللون في أثناء قتاله لليابانيين خلال الفترة الاستعمارية. ولذلك فإنه من المُفترض أن ركوب حصان أبيض يعبر عن صورة القائد المثالي. ومن خلال استعادة صورة جده تلك، عزز الزعيم الحالي "كيم جونغ أون" تقديس شخصيته وبرر شرعية الخلافة الوراثية للسلطة. في عامه الأول في الحكم، عندما كانت قاعدة سلطته ضعيفة نوعا ما، عرضت كوريا الشمالية مشاهد للقائد الشاب وهو يمتطي حصانا. وعندما أدى انهيار قمة هانوي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في عام 2019 إلى تفاقم الأجواء داخليا، أصدرت الدولة الشيوعية صورا لزعيمها وهو يركب حصانا يركض فوق جبل بيكدو المغطى بالثلوج، وذلك في بهدف توحيد موقف الشعب. وتنتج كوريا الشمالية ما يقرب من 30 فيلما وثائقيا سنويا من هذا النوع. فما هو المقصود من تلك الأفلام؟


يبث التلفزيون الكوري المركزي الأفلام الوثائقية في الكثير من الأحيان. وتدور معظم تلك الأفلام حول سياسات الدولة والأحداث السياسية والقضايا الراهنة. 

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

تستند الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية إلى أحداث واقعية، تماما مثل نظيراتها في كوريا الجنوبية، لكن الأفلام الكورية الشمالية هي أكثر من مجرد أفلام، حيث يمكن اعتبارها سجلات تاريخية، لأنها تظهر تاريخ ثورة الحزب والقادة. من الواضح أن الأفلام الوثائقية تُستخدم كأداة دعاية مهمة للنظام الحاكم في الشمال. وعادة ما تعرض الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية مشاهد لحشود ضخمة، وتحث السكان على الانضمام إلى حملات الحكومة. وتستهدف تلك الأفلام تحقيق إحكام الانضباط الداخلي، وكذلك إظهار الوحدة الداخلية للعالم الخارجي.


أدرك مؤسس كوريا الشمالية "كيم إيل سونغ" أهمية الأفلام الوثائقية. ولذلك قام مباشرة بعد تحرير كوريا من الحكم الاستعماري الياباني، بإنشاء استوديو لإنتاج الأفلام. وبدأت كوريا الشمالية في إنتاج أفلام وثائقية منذ عام 1946 للتأكيد على شرعية نظامها الحاكم.

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

من السهل نسبيا إنتاج أفلام وثائقية يمكنها تثقيف الناس بسرعة. لهذا السبب قدمت كوريا الشمالية الدعم الكامل لإنتاج الأفلام الوثائقية في سنواتها الأولى، على الرغم من عدم كفاية المواد والتكنولوجيا. على سبيل المثال، يُظهر فيلم وثائقي بعنوان "الموازي الثامن والثلاثون، تم إنتاجه في عام 1948، مشهدا جويا لمصنع "هُنغ نام 흥남" للأسمدة، كما لو كان مقطع فيديو جويا تم تصويره بواسطة طائرة بدون طيار. بالنسبة لكوريا الشمالية، كان عام 1967 عاما مهما، عندما تم تطهير ما يسمى بفصيل "غاب سان 갑산"، وأنشأ "كيم إيل سونغ" نظاما أيديولوجيا مترابطا. في ذلك الوقت، تم تقديم الموضوع الرئيسي للأفلام الوثائقية في البداية ثم تكرر في النهاية. أصبحت الأفلام تعليمية بشكل متزايد بعد ذلك. في العديد من الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية، تحل موسيقى الخلفية محل السرد أو الضوضاء المحيطة. لكن الإفراط في استخدام الموسيقى يجعل بعض الأفلام الوثائقية تبدو وكأنها فيديوهات موسيقية.


استخدمت الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية داخل وخارج البلاد لإثبات الشرعية السياسية للحزب والقادة. ويبدو أن كوريا الشمالية حصلت على كمية هائلة من مواد الفيديو حول كبار القادة وتستخدمها عند الضرورة. على سبيل المثال، ظهر فيلم وثائقي عن "كو يونغ هوي" والدة "كيم جونغ أون" في عام 2012، بعد وصول "كيم" إلى السلطة. وقد تم إنتاج الفيلم الوثائقي بعنوان "أم كوريا العسكرية الأولى العظمى" في عام 2011 وعُرض على كبار المسؤولين في العام التالي. وفي ذلك الفيلم الوثائقي، شوهدت "كو" وهي ترافق الزعيم السابق "كيم جونغ إيل" في عمليات التفتيش التي كان يقوم بها للوحدات والشركات العسكرية، وفي حضور المناسبات العامة مثل الحفلات الموسيقية العسكرية. ويمكن لمشاهدي الفيلم أيضا سماع صوتها.


يعرض الفيلم صورا لـ"كو" وهي تشاهد ابنها "كيم جونغ أون"، عندما كان صغيرا، وتقرأ كتابا، وترسم صورة وتزرع شجرة، وتليها مشاهد "كيم جونغ أون"، بصفته وريثا واضحا، وتجري عمليات تفتيش ميدانية، وتحضر عرضا عسكريا برفقة والده "كيم جونغ إيل". ويفترض المحللون أن ذلك الفيلم الوثائقي يحاول التأكيد على أن "كيم جونغ أون" ينتمي رسميا إلى ما يسمى بـ"سلالة بيكدو". 

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

كان ذلك أول فيلم وثائقي يكشف مشاهد "كو" وصوتها، وقد تم تصويره في أواخر التسعينيات من القرن الماضي ولكن لم يتم إطلاقه حتى عام 2011. الجدير بالذكر أنه في أواخر التسعينيات لم يكن الناس يتوقعون حقا أن الزعيم آنذاك "كيم جونغ إيل" سيسلم السلطة لابنه "كيم جونغ أون". ومع ذلك، عملت كوريا الشمالية على مواد فيديو عن والدة "كيم جونغ أون". يبدو أن كوريا الشمالية تدير عددا كبيرا من مقاطع الفيديو وتستخدمها عند الضرورة.


استخدم الزعيم الكوري الشمالي الحالي "كيم جونغ أون" الأفلام الوثائقية أيضا لأغراض سياسية، تماما مثل والده وجده. ففي يناير من عام 2012، أي بعد حوالي شهر من وفاة "كيم جونغ إيل"، كشفت كوريا الشمالية عن فيلم وثائقي بعنوان "وراثة الإنجازات العظيمة للثورة العسكرية الأولى لجبل بيكدو".


يبدأ الفيلم بمشهد "لكيم جونغ أون" وهو على متن حصان، وأيضا وهو يزور قصر الشمس "كوم سو سان"، حيث توجد جثتا والده وجده، ثم يظهر وهو يوجه تدريبات عسكرية واسعة النطاق تشمل بعض السفن البحرية. مرة أخرى، يؤكد ذلك الفيلم على أن كيم هو الخليفة الشرعي. ولإيصال تلك الرسالة بشكل فعال، استخدمت كوريا الشمالية تقنيات تحريرية متطورة.

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

يؤكد الفيلم أن "كيم جونغ إيل" كان لديه ثقة مطلقة في ابنه "كيم جونغ أون"، وهو أنه الخط الرئيسي في سلالة بيكدو، كما يؤكد على أن "كيم" الأصغر هو جنرال عظيم يحافظ على الروح العسكرية أولا، تماما مثل والده. ومن خلال ربط الابن بالأب، يستخدم الفيلم تقنية تسمى "النقل"، كما يستخدم تقنية التحرير "الشاملة" لتبرير توارث السلطة من الجيل الثالث. يوصف "كيم إيل سونغ" بأنه رائد في الثورة، بينما تُستخدم استعارات الشمس والعَلم "لكيم جونغ إيل" و"كيم جونغ أون" على التوالي. بعد مشاهدة هذه المشاهد مرارا، من الطبيعي أن يعتقد الكوريون الشماليون أن "كيم جونغ أون" هو الخليفة الرسمي. 


في الفيلم، تظهر صورة "كيم إيل سونغ" وهو شاب أولا، ثم يتحول المشهد إلى "كيم جونغ إيل"، ثم إلى "كيم جونغ أون" وهو يلوّح بيده تجاه الناس.


في الفترة الأولى من حكمه، كان على "كيم جونغ أون" الاعتماد على مجد أسلافه، وقد أبرزت الأفلام الوثائقية شرعيته السياسية من خلال أسلوب التحرير الشامل. ولكن تم الكشف عن تغيير طفيف في الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية في عام 2016، وهي السنة الخامسة "لكيم جونغ أون" في السلطة، حيث ذهب القادة السابقون، وبدأ القائد الشاب في الترويج لإنجازاته فقط. وقد تم عرض فيلم وثائقي بعنوان "كشف ذروة الثورة" مباشرة بعد انتهاء المؤتمر السابع لحزب العمال الحاكم، وهو يلفت الأنظار إلى القائد وهو يتفقد الوحدات العسكرية للتباهي بالقوة العسكرية للبلاد، كما يعرض مشاهد التجارب النووية وإطلاق الصواريخ لإبراز إنجازاته.

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

تكوين شاشة الفيلم مختلف عن الشاشات السابقة. ففي أي صورة أو مقطع فيديو، يجب وضع القائد الأعلى في المنتصف. هذا هو المبدأ الأساسي. لكن في هذا الفيلم الوثائقي، يُشاهد"كيم جونغ أون" وهو يقف بمفرده على خلفية جبل. وقد تم تصوير هذا المشهد من مكان مرتفع. لقطة الرافعة تجعل المشهد يبدو مهيبا والكاميرا المتحركة تجعل مظهر القائد الشاب والديناميكي أكثر وضوحا. وفي أحد المشاهد يظهر القائد وهو يتابع إطلاق صاروخ، وقد تم تصويره من الخلف. هذا التصوير وإظهار مظهر القائد من الخلف كان بالتأكيد محاولة جديدة.


جزء مميز آخر من الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية في عهد "كيم جونغ أون" هو وصفه بأنه زعيم طيب القلب يحاول الاقتراب من شعبه. فعلى ما يبدو، تُظهره الأفلام الوثائقية كقائد يحب شعبه والأجيال القادمة ويهتم بهم.

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

تُظهر الأفلام الوثائقية بشكل متكرر مشاهد أطفال يجرون ويقذفون بأنفسهم بين ذراعي القائد، رجال ونساء يمسكون بأيدي القائد، والجماهير وهي تهتف، وأشخاص يقفزون في الماء لمتابعة القائد، وحرّاس وهم في حيرة من أمرهم عندما يتجاوز الكثير من الناس الخط الأمني. من خلال القيام بذلك، تصور الأفلام "كيم" كأب محب، وليس كقائد قاسٍ. بهذه الطريقة، أعاد الزعيم الشاب صياغة أيديولوجية جده "كيم إيل سونغ" الحاكمة، وهي: "خدمة الناس هي خدمة السماء". تجدر الإشارة أيضا إلى أن العديد من مشاهد الأفلام الوثائقية تم تصويرها على مستوى عيون الأطفال، على عكس تلك التي تم إنتاجها في حقبة "كيم جونغ إيل" السابقة والتي شوهدت من وجهة نظر الآباء.


تغيرت صورة "كيم جونغ أون" في الأفلام الوثائقية مرة أخرى في عام 2018. في ذلك الوقت، اقتربت كوريا الشمالية من الساحة الدبلوماسية الدولية، وعقدت أول قمة على الإطلاق مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تعاملت الأفلام الوثائقية في ذلك الوقت مع موضوعات تحسين الاقتصاد وسبل العيش العامة.


ومع ذلك، تحول الوضع فجأة إلى الأسوأ بعد انتهاء قمة هانوي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في عام 2019، دون اتفاق. وفي فيلم وثائقي بعنوان "التاريخ الرائع للنصر"، صدر في أكتوبر من ذلك العام، ظهر الزعيمان السابقان "كيم إيل سونغ" و"كيم جونغ إيل" مرة أخرى، وتم إبراز "الاعتماد على الذات" باعتباره التوجيه الذي تركه الزعيمان الراحلان. 


ويقول المحللون إن "كيم جونغ أون" بدأ في استخدام أسلافه مرة أخرى في محاولة لمعالجة الصعوبات الحالية، مثل العقوبات الدولية على كوريا الشمالية والعلاقات المتعثرة مع واشنطن. ولأن الأفلام الوثائقية في كوريا الشمالية تم استخدامها لتسجيل وتعزيز إنجازات كبار القادة، فمن المتوقع أن تستمر البلاد في إنتاج مثل هذه الأفلام في عهد "كيم جونغ أون" كأداة سياسية في الدعاية والتحريض.

البروفسور "كيم سُنغ " الأستاذ بقسم الثقافة والمحتويات الرقمية في جامعة كونكوك:

في كوريا الشمالية، يفوق عدد الأفلام الوثائقية عدد الأفلام الفنية بكثير. أعتقد أن الأفلام الوثائقية ستستمر في لعب دورها كأداة للدعاية لبعض الوقت. هذا ببساطة لا يمكن تصوره في بلد رأسمالي. كيف يمكن للأفلام الوثائقية، التي تكون حصتها في السوق منخفضة، أن تشكل الاتجاه السائد في صناعة السينما؟ لكن في كوريا الشمالية الشيوعية من السهل استخدام الأفلام الوثائقية فيما يسمى بـ"معارك السرعة" أو "الحملات العمالية". لذلك، من المرجح أن تستمر تلك الأفلام في أداء مهامّها السياسية في عهد "كيم جونغ أون". ربما، تدرك السلطات الكورية الشمالية أن الناس يظهرون اهتماما أقل بالأفلام الوثائقية، والتي أصبحت الآن شبه نمطية. ولمعالجة أوجه القصور تلك، من المتوقع أن تستخدم كوريا الشمالية خبراء في الإنتاج الوثائقي، تقدر نسبتهم بـ15%، لإنشاء قصة نجاح "كيم جونغ أون" وتضمين بعض المشاهد في الأفلام الوثائقية الجديدة. أتخيل أن كوريا الشمالية ستجري تجارب سينمائية متنوعة.


تكشف الأفلام الوثائقية الكورية الشمالية بشكل صريح عن نوايا السلطة الحاكمة. ولذلك يمكن من خلال تلك الأفلام قراءة الجانب الخفي للنظام الحاكم في الشمال، واستطلاع مستقبل البلاد. 

أحدث الأخبار