ⓒ KBS News
يُعد نظام مترو الأنفاق في كوريا الجنوبية نموذجا يُحتذى به في العديد من الدول.
يمتاز مترو الأنفاق في كوريا الجنوبية بأبوابه المزودة بشاشات للأمان، وتصميماته الداخلية النظيفة والمريحة، وأوقات الانتظار القصيرة، وسهولة الوصول إلى بطاقات النقل، وظروف التبريد والتدفئة الملائمة، وخدمة الواي فاي السريعة والمجانية. إنه حقا من بين الأفضل في العالم. ولا يسعنا إلا أن نتساءل كيف يبدو مترو الأنفاق في كوريا الشمالية.
في عام 2020، عرضت قناة دعائية كورية شمالية على "يوتيوب" تُعرف باسم "صدى الحقيقة" مترو الأنفاق في بيونغ يانغ. وأشادت صانعة المحتوى على "يوتيوب"، وهي الكورية الشمالية "أون إيه"، بمترو بيونغ يانغ كرمز للفخر الوطني. واليوم، سنلقي نظرة على نظام مترو الأنفاق في كوريا الشمالية مع "بارك مين جو" الباحثة في معهد "إيهوا" لدراسات التوحيد.
بدأ تشغيل مترو بيونغ يانغ في عام 1973، أي قبل عام واحد من تشغيل أول خط مترو أنفاق في سيول.
افتتحت كوريا الشمالية خط "تشول لي ما" في عام 1973، وتزامن ذلك مع الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها. وافتُتح القسم الأول من خط "هيوك شين" في عام 1975، وتم تشغيل القسم بأكمله في عام 1978. وتم افتتاح خط "مان كيونغ ديه" في عام 1987 كامتداد لخط "تشول لي ما"، حيث امتد طول المسار الإجمالي إلى حوالي 34 كيلومترا.
"بارك مين جو 박민주":
تشتهر محطات مترو الأنفاق في بيونغ يانغ بتصميماتها الداخلية الباهظة، مقارنة بتصاميم مترو الأنفاق الأكثر عملية في كوريا الجنوبية. وتتميز محطة "بو هونغ"، على وجه الخصوص، وهي وجهة شهيرة للسياح الأجانب، بتصميماتها الداخلية الرائعة. إنها أشبه بمتحف مزخرف. غالبا ما تشيد الدول الاشتراكية المباني على نطاق واسع مع زخارف فخمة، حيث تروج لأيديولوجيتها السياسية الاشتراكية من خلال حجم وروعة الهياكل. والتزاما بهذا المبدأ، صممت بيونغ يانغ أرصفة بعض المحطات لتكون شديدة البهرجة. وتزيّن جدران الأرصفة لوحات كبيرة وجداريات فسيفسائية يمتد بعضها لعشرات الأمتار. ويقدّم مترو بيونغ يانغ مشهدا مبهرا للسياح الأجانب الذين لم يألفوا هذه الثقافة، وحتى للكوريين الشماليين الذين لم يعيشوا في بيونغ يانغ.
يطلق سكان كوريا الشمالية على المترو اسم "القصر تحت الأرضي". وذلك لأن الديكورات الداخلية لمحطات مترو الأنفاق ذات الأسقف المقببة الممتلئة بالثريات والرخام، إلى جانب الجدران المزينة باللوحات الجدارية والمنحوتات التي تحمل موضوع الثورة.
تم تجديد محطة "جون سونغ"، التي تعني محطة "النصر في الحرب"، في عام 2020. وقد وضعت المحطة في قاعتها تحت الأرض والممرات المتصلة بها صورا لمبانٍ بارزة تعتبرها البلاد نتيجة للنجاح الاقتصادي. وتُظهر الصور مدينة "سام جي يون" ومزرعة "جونغ بيونغ" للخضروات ومنتجع "يانغ دوك" للينابيع الساخنة. وقد صنف موقع أمريكي للسيارات نظام مترو الأنفاق في بيونغ يانغ كتاسع أفضل نظام في العالم في عام 2012، قائلا إنه نظيف وجميل. كما أشار "جالوبنيك" إلى أن مترو أنفاق بيونغ يانغ أعمق من أي مترو أنفاق آخر في العالم.
"بارك مين جو 박민주":
يقدر عمق مترو أنفاق بيونغ يانغ بما يتراوح بين 100 و150 مترا. وقد صُممت قطارات الأنفاق في الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية لتعمل كنظم نقل وملاجئ من الغارات الجوية. وقد حذت كوريا الشمالية حذوها. كما تلتزم كوريا الشمالية بمبدأ تقليل المسافة بين المنازل وأماكن العمل لتمكين الناس من الذهاب إلى العمل سيرا على الأقدام. لذلك، ليس من الضروري حقا بالنسبة للعديد من العمال استخدام مترو الأنفاق عند التنقل. ويمكنني القول إن مترو الأنفاق في كوريا الشمالية يخدم الدعاية السياسية وله أغراض عسكرية، بدلا من تلبية احتياجات النقل العملية. حتى إن التكهنات الأخيرة تشير إلى أن مترو أنفاق بيونغ يانغ يوفر خدمات النقل في وقت السلم، ولكن يمكن استخدامه كطريق لإجلاء كبار المسؤولين في أوقات الحرب. ويفترض أن مترو الأنفاق يمكن أن يكون بوابة لمركز قيادة استراتيجي للطوارئ تحت الأرض في زمن الحرب.
تم تشييد مترو بيونغ يانغ في أعماق الأرض، مما يتطلب من الركاب ركوب سلالم متحركة تمتد لمئات الأمتار وصولا إلى الأرصفة. ليس من السهل تشغيل مثل هذه السلالم المتحركة الطويلة بالنسبة لكوريا الشمالية التي تعاني من نقص في الكهرباء. ومع ذلك، حتى خلال فترة المسيرة الشاقة في التسعينيات، وهي فترة الصعوبات الاقتصادية الشديدة، حافظت كوريا الشمالية على تشغيل مترو الأنفاق باستخدام كهرباء الطوارئ التي يوفرها الجيش وذلك لضمان عمل محطات مترو الأنفاق للدفاع ضد أي هجوم من الجو في حالة الحرب أو أي حالة طوارئ مماثلة. ولا يقتصر استخدام مترو أنفاق بيونغ يانغ على كونه وسيلة مواصلات فقط، بل له أغراض سياسية وعسكرية تتمثل في الترويج للنظام وتوفير ملاجئ من القنابل. كما يُستخدم أيضا كوجهة سياحية.
في عام 2009، قام وفد من رجال الأعمال الأمريكيين بجولة في مترو بيونغ يانغ. ومؤخرا في فبراير، زار السفير الصيني لدى كوريا الشمالية "وانغ ياجون" محطة "بو هونغ". وبعد التجول في محطة مترو الأنفاق المذهلة، قال "وانغ" إن مترو بيونغ يانغ هو أحد عوامل الجذب الرئيسية للسياح الصينيين الذين يزورون كوريا الشمالية. تعمل كوريا الشمالية جاهدة على تحسين مترو بيونغ يانغ، وهو أمر تفخر به وتود أن تعرضه للزوار الأجانب.
"بارك مين جو 박민주":
تعمل عربات المترو القديمة والحديثة على حد سواء في مترو بيونغ يانغ. ويتكون كل قطار عادة من 3 إلى 4 عربات. وداخل العربات القديمة، تُعرض صور الزعيمين السابقين "كيم إيل سونغ" و"كيم جونغ إيل" في الممرات التي تربط بين العربات. ولا توجد رفوف علوية للأمتعة. وبدلا من مساند اليدين الفردية، توجد قضبان طويلة. ومن الداخل، يجب فتح الأبواب يدويا. ومن ناحية أخرى، تحتوي القطارات الأحدث على مقابض يدوية فردية فوق المقاعد، على غرار تلك الموجودة في قطارات الأنفاق في سيول. والأبواب أوتوماتيكية بالكامل. وتعرض الشاشات الرقمية فوق الأبواب معلومات عن المحطة وخط المترو والتاريخ والوقت ودرجة الحرارة والرطوبة وسرعة القطار. وبينما توفر هذه الشاشات معلومات عن السفر، تعرض شاشات أخرى بالقرب من المقاعد بثا دعائيا. كما توجد أيضا طفايات حريق موضوعة داخل العربات.
أظهرت اللقطات التي التقطتها وسائل الإعلام الكورية الجنوبية في عام 1992 أن الجزء الداخلي لمترو بيونغ يانغ كان مظلما نوعا ما، وكان يفتقر إلى الشاشات الإلكترونية ومقاعد الركاب. ومع ذلك، فإن مترو بيونغ يانغ الحديث يتميز بإضاءة ساطعة وشاشات تعرض أوقات وصول القطارات. وتمثل القطارات الكهربائية الجديدة، التي بدأ تشغيلها تجريبيا في عام 2015، ترقية للأسطول الحالي. وفي عام 2020، نشرت صحيفة "رودونغ شينمون"، الصحيفة الرسمية لحزب العمال الحاكم، مقالا بعنوان "بيونغ يانغ تحت الأرض تزداد شبابا". قامت كوريا الشمالية بتحديث بعض المحطات في عام 2019، ومع نشاطها في إعادة تصميم أجزاء مختلفة من نظام مترو الأنفاق، قد يتساءل المرء عما إذا كانت الثمن باهظا.
"بارك مين جو 박민주":
يستخدم سكان كوريا الشمالية، بوجه عام، بطاقات مواصلات قابلة لإعادة الشحن، مثل نظام "تي ماني" في كوريا الجنوبية. واعتبارا من عام 2019، كان سعر بطاقة المواصلات 5 آلاف وون كوري شمالي، وهو ما يعادل سعر كيلوغرام واحد من الأرز. ويمكن لهذا المبلغ إطعام أسرة مكونة من 4 أفراد ليوم واحد في الشمال. وغالبا ما تكون الأجرة بالنسبة للأجانب تعسفية. فقد ذكر البعض أنهم يدفعون دولارين، في حين قال آخرون إنهم يدفعون يورو واحد. وبالنسبة للسكان المحليين، تبلغ تكلفة ركوب مترو بيونغ يانغ 5 وون. وإذا دفع الأجنبي دولارين، فإن الأجرة أعلى بنحو 5 آلاف مرة من الأجرة التي يدفعها السكان المحليون.
تتقاضى كوريا الشمالية أجرة مختلفة للمقيمين والسياح الأجانب. ويشتري السكان المحليون بطاقة مواصلات بـ 5 آلاف وون ثم يملؤونها لاحقا بالمبلغ الذي يريدونه. وكما هو الحال في مترو الأنفاق في كوريا الجنوبية، يستخدم مترو بيونغ يانغ أيضا نظام بطاقات المواصلات. هل هناك أوجه تشابه أخرى بين نظامي مترو الأنفاق في الكوريتين؟
"بارك مين جو 박민주":
مع انتشار الهواتف المحمولة في كوريا الشمالية، أصبح مشهد مترو الأنفاق في البلاد مشابها إلى درجة متزايدة لكوريا الجنوبية. ففي الصور الدعائية التي نشرتها السلطات الكورية الشمالية، يظهر الناس في الصور الدعائية التي نشرتها السلطات الكورية الشمالية وهم يجلسون على أرصفة مترو الأنفاق منهمكين في هواتفهم. ومن التغييرات الملحوظة الأخرى تركيب أجهزة قراءة رقمية لصحيفة "رودونغ شينمون" على الأرصفة. وفي السابق، كانت الصحف تُعرض على الناس ليقرؤوها وهم واقفون. تقليديا، كانت كوريا الشمالية صارمة جدا فيما يتعلق بدور كلا الجنسين. ومع ذلك، في أحد أكثر المشاهد المدهشة التي رأيتها مؤخرا، يخرج شاب وشابة من القطار، ويحمل الرجل حقيبة يدها الصغيرة. وهذا أمر عادة ما نراه في المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام الكورية الجنوبية. وفي الماضي، كان من غير المألوف أن يحمل رجل كوري شمالي حقيبة يد امرأة. ومع ذلك، بينما يصعد هذان الزوجان الشابان الدرج من مترو الأنفاق، يحمل الرجل حقيبتها عفويا بينما تمسك هي ذراعه بيدها. جعلني هذا المشهد أفكر أن مترو الأنفاق في بيونغ يانغ يتطور الآن إلى مكان للرومانسية. يا له من أمر مثير للاهتمام!
وفقا للاتحاد الدولي للاتصالات، يُقدر عدد الهواتف المحمولة المستخدمة في كوريا الشمالية بـ 6.35 مليون هاتف محمول في عام 2022. وبالنظر إلى إجمالي عدد سكان كوريا الشمالية البالغ عددهم حوالي 26 مليون نسمة، فإن حوالي واحد من كل 4 أشخاص يستخدمون الهواتف المحمولة. ويتضح الاستخدام الواسع النطاق للهواتف حتى في مترو الأنفاق. وعلى الرغم من التحديات مثل العقوبات الدولية، يُستخدم مترو بيونغ يانغ لإبراز صورة كوريا الشمالية كدولة طبيعية ومستقرة. فهل هناك أي إمكانية لتوسيع مترو الأنفاق في جميع أنحاء البلاد، مثل كوريا الجنوبية؟
"بارك مين جو 박민주":
أولا، تكلفة بناء مترو الأنفاق باهظة للغاية. لم يكن مترو بيونغ يانغ ممكنا إلا بمساعدة الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية. لذلك، لا أعتقد أنه من السهل على كوريا الشمالية بناء المزيد من خطوط مترو الأنفاق الآن. وعندما تقوم كوريا الشمالية بتنفيذ مشاريع البناء، لا تقوم الدولة بتمويلها بشكل مباشر، بل تقوم بتعبئة السكان وتأمرهم بالتبرع بالمواد اللازمة. كما أن البناء تحت الأرض خطير بطبيعته. وبالنظر إلى المشاعر العامة غير المواتية الحالية تجاه حكم "كيم جونغ أون"، فإن الزعيم ليس لديه الكثير ليكسبه من الشروع في مشروع محفوف بالمخاطر لبناء مترو أنفاق. فأي محاولة لبناء مترو أنفاق في "تشونغ جين"، على سبيل المثال، ستثير بالتأكيد رد فعل عنيفا من السكان المحليين.
يشار عادة إلى مترو الأنفاق على أنه "أقدام المواطنين". ومع ذلك، يبدو أنه من غير المرجح أن يصبح مترو الأنفاق في كوريا الشمالية متاحا لجميع السكان، بسبب مختلف القيود. ومع ذلك، وبالنظر إلى الجهود التي بذلتها البلاد مؤخرا لتجديد محطات مترو الأنفاق، يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم بناء قطارات أنفاق جديدة في مدن أخرى أيضا.